هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
* السيسي منذ انقلابه قام بحملة وحشية من القمع والاستبداد أثارت حالة من الغضب والاستياء
* الجيش سمح بخلع مبارك لأنه أصبح عبئا.. وتم الانقلاب على مرسي بعدما بات خطرا على المؤسسة العسكرية
* السيسي أصبح عبئا وعائقا على الجميع في الداخل والخارج نتيجة لقراراته.. ولكنه أمّن نفسه من الانقلاب عليه
* النظام المصري لن يتمكن من الاعتماد على استراتيجية الضغط الأمني وإنكار الواقع وقمع المعلومات في التعاطي مع كورونا
* جائحة كورونا ستؤدي لإضعاف الاقتصاد وتدهور حاد بالمنظومة الصحية واضطراب اجتماعي بمصر
* الغضب يتزايد في صفوف المصريين في ظل انعدام الثقة بالمؤسسات.. والدولة تراجعت على مختلف المستويات
* %70 من الأسر تعاني من هبوط في الدخل، والسياحة انخفضت بنسبة 90% وتحويلات المصريين بالخارج ستتراجع بنحو 21%
قالت أستاذة
العلوم السياسية بجامعة لونغ آيلاند الأمريكية، وكبيرة زملاء مركز السياسة الدولية
بواشنطن، الدكتورة داليا فهمي، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أصبح عبئا على
الجميع في الداخل والخارج، نظرا لضعف الدولة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وعدم قدرتها
على إبراز قوتها في المنطقة، بالإضافة إلى أن مصر باتت مجرد قوة تابعة للسعودية
والإمارات، وتراجعت على مختلف المستويات.
وأشارت، في مقابلة خاصة مع
"عربي21"، إلى أن "المؤسسة العسكرية في عام 2011 سمحت بخلع الرئيس
مبارك، لأنه أصبح عبئا. وفي صيف 2013 تم الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي بعدما
بات خطرا على الجيش، وكذلك على مدى السنوات القليلة الماضية أصبح السيسي عبئا وعائقا،
لكنه أخذ الخطوات التي تمنع إزاحته أو الانقلاب عليه عن طريق تعديل الأجهزة
العسكرية والمخابراتية والأمنية".
وأكدت فهمي أن تداعيات جائحة كوروناقد تقلب الموازين ضد السيسي، حيث سيكون لها آثار اقتصادية كبيرة، وستبرز التدهور الحاد في المنظومة الصحية، وستؤدي إلى مزيد من الاضطراب الاجتماعي، وزيادة الغضب، وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة، الأمر الذي سيؤدي لزيادة واتساع نطاق الغضب في الشارع.
ولفتت الأكاديمية الأمريكية من أصل مصري
إلى أنه "كلما طال أمد أجهزة الدولة في تحمل نهج السيسي، قل احتمال قدرة
الدولة على العودة من حافة الهاوية"، مشدّدة على أن "نظام السيسي لن
يتمكن من الاعتماد على استراتيجيته القديمة المتمثلة في القمع والضغط الأمني،
وإنكار الواقع، وحجب المعلومات في التعاطي مع أزمة كورونا".
واستطردت كبيرة زملاء مركز السياسة
الدولية بواشنطن، قائلة: "لكي يتمكن نظام السيسي من البقاء على قيد الحياة في
هذه اللحظة الطويلة من حالة عدم اليقين، سيتعين عليه ضرورة إعادة النظر في
استراتيجيته للقمع ومراجعة سياساته وممارساته بشكل عام".
وتاليا ترجمة لنص المقابلة الخاصة التي أجرتها "عربي21" باللغة الإنجليزية مع الدكتورة داليا فهمي:
الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي توقع سقوط نظام السيسي بسبب جائحة (كوفيد-19)، بينما يرى آخرون أن الرئيس السيسي سيتغلب على أزمة كورونا كما تغلب على غيرها.. فكيف تنظرين لمدى تأثير (كوفيد-19) على استقرار النظام المصري؟ وهل مصر بعد تلك الجائحة ستكون مختلفة عما كانت عليه قبلها؟
من غير المرجح أن يحتج ويتحدى المصريون في
المستقبل القريب النظام جراء أزمة (كوفيد-19)، لكن السيسي قد يتعرض للغضب بسبب
التأثير طويل الأمد للفيروس. حتى اليوم، تجاوزت مصر 79254 حالة إصابة و3617 حالة
وفاة، كأرقام رسمية للدولة، لكن الأرقام الفعلية أعلى بكثير، تشير التقديرات إلى
أن عدد مصابي كورونا فوق 18 سنة بلغ نحو 616 ألف شخص، حتى 20 حزيران/ يونيو الماضي.
مع ارتفاع حصيلة الوفيات، وشعور كل أسرة في مصر بألم (كوفيد-19)، لن يتمكن النظام
من الاعتماد على الاستراتيجية القديمة المتمثلة في إنكار الواقع، والضغط الأمني، وقمع
وحجب المعلومات.
وإذا نظرنا إلى المراحل الثلاث التي مر
بها النظام لمواجهة الوباء: أولا، بدأ ظهور حالات في شباط/ فبراير بين السيّاح،
ولكن تفشي المرض كان أكبر ولم تتم مناقشته، وكان هناك اختبار محدود، وركّز خطاب
الدولة على السيّاح فقط. وأعطت الحكومة الأولوية لحماية قطاع السياحة وليس الصحة
العامة لأفراد الشعب. في هذه المرحلة المبكرة، كان النظام يزعم احتواء الوباء، على
الرغم من أن هذا لم يكن صحيحا. ونحن نعلم أيضا أن الأنظمة الاستبدادية لا يمكنها
قمع المعلومات، خاصة عندما تؤثر على الصحة العامة.
وفي المرحلة الثانية، بدأ الوباء بضرب القطاع
الأعلى للنظام، واختفى السيسي لبضعة أسابيع. وتقدم رئيس الوزراء إلى الأمام وتصدر
المشهد، ليصبح هو وجه الحكم المصري، وهو ما لم يحدث من قبل، ولم تكن مصر في حالة
إغلاق كامل، كما تفعل معظم الدول الأكثر فقرا. وبسرعة كبيرة أصبح واضحا للجميع مدى
هشاشة المنظومة الصحية المصرية بعد عقود من إهمالها. في هذه المرحلة، تفرض الحكومة
حظر تجوال جزئي، لكنها لم تستعد لموجة تفشي الفيروس القادمة، مُضيعة للوقت الثمين.
وأخيرا، تُعد المرحلة التي تمر بها مصر
حاليا مرحلة انتقال سريع. وقد تتسبب (كوفيد-19) في خسائر فادحة للعاملين في مجال
الرعاية الصحية، الذين تتعالى أصواتهم، على سبيل المثال، كانت نقابة الأطباء تنتقد
الحكومة ووزارة الصحة علنا. لقد دقوا ناقوس الخطر في قطاع الرعاية الصحية الذي بات
في وضع بائس في ظل ضغوط شديدة عليه. وفي ظل هذا الضغط، عاد نظام السيسي إلى ما
فعله في الأزمات الأخرى، وحاول إخفاء ما يحدث من خلال اعتقالات في صفوف الأطقم
الطبية للذين يكشفون عن حقيقة ما يحدث.
لكن هذا النهج لقمع المعارضة لن ينجح، لأن
أول المتضررين هم الطبقة الوسطى ثم الفقراء. والوباء الآن يمتد بدون تمييز بين مختلف
الطبقات.
على مدى السنوات الماضية، نجح نظام السيسي
في قمع الأصوات المعارضة، لكن الأصوات الصاعدة اليوم ليست تلك التي في المعارضة
السياسية، ولكنهم مصريون يركزون على إخفاقات استجابة الصحة العامة للدولة. لذا،
فإن استراتيجية الضغط والقمع لن تنجح.
إن العالم اليوم بعد جائحة (كوفيد– 19)
أصبح مختلفا تماما، وبعد 7 سنوات من حكم السيسي سيبدأ الناس في التساؤل عن قلة
الاستثمارات في قطاعات الصحة والتعليم، وقلة التركيز على مشاريع البنية التحتية
التي تفيد المواطن العادي، في حين أنه صرفت مبالغ طائلة على التسليح ومشاريع عملاقة
فشلت، أو أفادت المؤسسة العسكرية فقط أو كبار رجال الأعمال.
وهل أزمة (كوفيد-19) تختلف عن غيرها من الأزمات التي مر بها النظام المصري؟
بالتأكيد، لأنها تأتي متزامنة مع مشكلات
أخرى مثل أزمة سد النهضة الإثيوبي، وتصاعد التوترات العسكرية في ليبيا، حيث يجد
السيسي نفسه مستمرا في دعمه لحفتر وفي الوقت نفسه مضطرا إلى محاولة للوصول إلى
تفاهم مع تركيا، التي قابلت محاولاته بالرفض.
انتهى المطاف بالسيسي أن وجد نفسه مساندا
للجانب الأضعف، إضافة إلى أنه الجانب غير المعترف به دوليا. علاوة على ذلك، إثيوبيا
مستمرة في ملء سد النهضة مما من شأنه إضعاف وضع مصر الاستراتيجي من الغرب والجنوب.
وأصبح من الواضح أن المؤسسة العسكرية باتت
مسيطرة على الحكم في مصر منذ سنوات، ولذا فقد يؤدي إضعاف موقف مصر الاستراتيجي إلى
تساؤلات في مصر عن اختيارات المؤسسة العسكرية الأمنية.
وإذا نظرنا إلى مصر اقتصاديا، فقد وافق
المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على 2.772 مليار دولار أمريكي ثم 5.2 مليار
آخرين كمساعدة طارئة لمصر لمعالجة تداعيات جائحة (كوفيد-19)، بالإضافة إلى 12
مليار تم اقتراضهم من الصندوق خلال الأعوام الثلاثة السابقة. وفي جميع أنحاء منطقة
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هناك سلسلة من الصدمات الاقتصادية المتزامنة، بما في
ذلك: انخفاض الطلب المحلي والخارجي، وانخفاض أسعار النفط، وانخفاض التجارة، وتعطيل
الإنتاج، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وتأزم الأوضاع المالية. ومصر ليست استثناء.
سيكون للوباء تأثير ملموس على تحويلات
المصريين بالخارج، حيث من المتوقع أن تنخفض تلك التحويلات بنحو 21% في عام 2020؛ فالسعودية
وحدها بها نحو مليونا عامل مصري. وهناك مخاوف مشروعة من أن مئات الآلاف من
المصريين سيضطرون إلى العودة إلى ديارهم بدون دخل ثابت. وقد انخفضت السياحة بالفعل
بنسبة 90%. ومع استمرار تراجع الاقتصاد العالمي ستتراجع إيرادات قناة السويس. على
مستوى الأفراد عانت 70% من الأسر من هبوط في الدخل، مما أدى إلى اقتراض قرابة الـ
50% ليواجهوا هذا النقص في الدخل. على عكس ما يحدث في معظم الدول من دعم للمواطن
قرّر البرلمان خصم 1% من مرتبات القطاعين العام والخاص.
ومن الناحية السياسية، يجب أن يركز النظام
على استياء الأطباء، حيث توفي أكثر من 100 طبيب بعد إصابتهم بالفيروس. وفي 25 حزيران/
يونيو، اعتقلت السلطات المصرية الدكتور محمد معتز الفوال، عضو مجلس نقابة أطباء بمحافظة
الشرقية، بعد أن انتقد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي على خلفية تصريحاته التي اتهم
فيها الأطباء بالتقصير في العمل في مواجهة كورونا.
إن حالة الأطباء مزرية، وظروف عملهم غير
آمنة، ويعانون من نقص وسائل الحماية الشخصية والملابس الطبية الواقية (PPE)، فضلا عن التدريب غير
الكافي على مكافحة العدوى، والتعنت في عدم إجراء المسحات (فحوص كورونا) للمخالطين من
الأطقم الطبية بالمصابين، وعدم الحصول على الرعاية الصحية اللائقة. ومع ذلك، فإن الأطباء
الذين قد يغيبون عن العمل يتعرضون للتهديد بالإحالة إلى جهاز الأمن الوطني، مما قد
يؤدي إلى تعرضهم لملاحقات قضائية أو إجراءات قد تؤدي إلى خصم رواتبهم.
ومن ثم، لا يمكن لنظام السيسي ببساطة
اللجوء إلى القمع الذي كان يعتمد عليه دائما. وجائحة كورونا قد تقلب الموازين ضد
السيسي، حيث ستؤدي لانهيار اقتصادي، وتدهور حاد في المنظومة الصحية، والاضطراب
الاجتماعي، وزيادة الغضب، وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة، خاصة عندما تكون تجارب
الأشخاص المباشرة مع الفيروس في كل مكان، ما سيؤدي لزيادة واتساع نطاق الغضب في
الشارع. ولكي يتمكن نظام السيسي من البقاء على قيد الحياة في هذه اللحظة الطويلة
من حالة عدم اليقين، سيتعين عليه ضرورة إعادة النظر في استراتيجيته للقمع، ومراجعة
سياساته وممارساته بشكل عام.
مع مرور الذكرى السابعة لأحداث 30 حزيران/ يونيو والانقلاب الذي أعقب ذلك.. كيف تقيمون الوضع في مصر سياسيا واجتماعيا ومن منظور حقوق الإنسان؟
حينما أطاح السيسي بأول رئيس مدني منتخب
ديمقراطيا في مصر وعد بتحقيق الاستقرار في البلاد، إلا أنه منذ الانقلاب قام بحملة
وحشية من القمع والاستبداد أثارت حالة من الغضب والاستياء.
مصر اليوم بها أكثر من ستين ألف معتقل
سياسي، وقامت ببناء عشرات السجون الجديدة لتستوعب هذا الكم الهائل من المعتقلين.
إن الشباب الذين أشارت إليهم منظمة العفو الدولية ذات مرة بـ "جيل
الاحتجاج"، أصبح الآن "جيل السجن". وبحسب التنسيقية المصرية للحقوق
والحريات عام 2016، كانت هناك 830 حالة تعذيب. وتواصل الشرطة تعذيب المعتقلين بشكل
منهجي مع الإفلات من العقاب. وقد اختفى أكثر من 1250 شخصا في السنوات الأخيرة، ولا
توجد معلومات حولهم.
اعتقل المئات من النشطاء السياسيين
والمتظاهرين في اتهامات تتعلق بمشاركات على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبرتها
السلطات "مُهينة" للرئيس، أو للمشاركة في احتجاجات غير مصرح بها. والمحاكمات
الجماعية غير العادلة تستهدف المتظاهرين السلميين والصحفيين والعاملين في مجال
حقوق الإنسان، بالإضافة إلى أحكام الإعدام الشاملة، وإغلاق المنظمات المجتمع
المدني غير الحكومية، وهو ما يزيد من اختناق المجتمع المدني.
كما زادت الحكومة من هجماتها على الحريات
الصحفية، وهناك أكثر من 24 صحفيا ما زالوا قابعين داخل السجون. وتم حجب نحو 500 موقع إخباري ومعلوماتي. ويقوم السيسي بتمديد حالة الطوارئ التي تمنح قوات الأمن سلطات
غير مقيدة في اعتقال واحتجاز المواطنين، وتسمح للحكومة بفرض رقابة إعلامية، وتأمر
بالتهجير القسري.
ويعيش اليوم 51% من المصريين على أقل من
1.80 دولار في اليوم، وتبلغ نسبة البطالة 33%. في السبعينيات وأوائل الثمانينيات،
كان لدى المصري الذي يدخل سوق العمل الحاصل على تعليم ثانوي أو أعلى فرصة بنسبة 70%
في الحصول على وظيفة بالقطاع العام، وهي اليوم فرصة بنسبة 15%. ولا يزال الجنيه
المصري ينخفض، وارتفعت أسعار المواد
الغذائية بشكل كبير، ووصل التضخم إلى ما يقرب من 35%.
ما تفسيركم للأسباب الكامنة وراء حملة الاعتقالات المفرطة في هذا الوقت العصيب على الرغم من دعوات إطلاق سراح السجناء، والعديد من الدول أفرجت بالفعل عن آلاف السجناء في البحرين وإيران وتركيا وغيرهم؟
هناك عدة أسباب، لكن السبب الأساسي هو أن
نظام السيسي يخشى الضرر الذي لحق بسمعته وصورته وسط أزمات متداخلة مع إثيوبيا
وليبيا. ومن ثم فإن النظام يرى في ذلك فرصة لتشديد وإحكام قبضته على المجتمع. كما
يحاول من خلال تلك الاعتقالات الادعاء بأن وباء كورونا تحت السيطرة في حين أن
الواقع مختلف تماما، فقد رأينا أشخاصا كثيرين مصابين بالفيروس، يتم رفض دخولهم
مستشفيات العزل لعدم وجود أي أماكن متاحة، ومن يتحدث أو يحتج من الأطباء، يتم القبض
عليه كما في حالة الطبيبة آلاء شعبان حميدة (26 عاما)، التي تم اعتقالها في مكان
عملها بإحدى مستشفيات الإسكندرية في 28 آذار/ مارس الماضي.
كما أن هناك مخاوف لدى النظام من أن أي
معارضة عامة سوف تدمر صورة التقدم المزعوم الذي أحرزه، ومن ثم كان هناك ارتفاع
في اعتقال الصحفيين، بعدما تم تمرير قوانين لتنظيم الإعلام، وإعادة وزارة الإعلام،
والرقابة على مختلف وسائل الإعلام. هناك الكثير من الأحداث التي تبرز للعالم صورة
غير تلك التي يريدها النظام. ولذا يلجأ إلى الاعتقالات الجماعية كوسيلة لإظهار قوته
والمحافظة على صورته، ولا أعتقد أنه سينجح في ذلك كثيرا.
كونكِ أستاذة علوم سياسية ومراقبا لمصر لسنوات عديدة قبل الثورة وبعدها، ولديك العديد من الكتب، أحدها عن الإسلام السياسي والآخر عن تناقضات الليبرالية في مصر، وثالث عن الربيع العربي.. فكيف ترون مستقبل الإسلام السياسي والليبرالية في مصر؟ وهل تتوقعين حدوث تغيير ما من خلال انقلاب عسكري آخر من داخل الجيش ضد السيسي؟
مصر ليست مُحصنة ضد قوانين العلوم
السياسية. وإذا نظرنا إلى تاريخ الانقلابات في جميع أنحاء العالم، فإن الانقلابات
التي تزيل الأنظمة الاستبدادية القمعية تجلب الانفتاح السياسي، لكن الانقلابات
التي تزيل القادة الديمقراطيين يتم استبدالهم بأنظمة قمعية تهدف إلى قمع الشعوب. ونجد
أن مصر حاليا تقع في الفئة الأخيرة.
مصر التي أصبحت – عقب ثورة يناير - رمزا
للحرية، ودافع شعبها بسلام من أجل التغيير في عام 2011 تعتبرها الآن لجنة حماية
الصحفيين (مقرها نيويورك) كواحدة من أخطر الدول على الصحفيين، مما يعني أنه لا
توجد صحافة حرة.
وقوانين تشكيل الأحزاب السياسية، تحد بشكل
أساسي وتمنع وجود أحزاب المعارضة الكبيرة، وأصبح البرلمان ختما مطاطيا للرئيس
السيسي، دون أن يقوم بدوره في الرقابة على السلطة التنفيذية، ولم يعد القضاء
مستقلا.
وفي منتصف عام 2000، كانت مصر في عهد
مبارك تشهد نظاما هجينا، قمعيا، ولكن له زخارف الديمقراطية "الديكورية".
اليوم البلد الذي ألهم العالم للدفاع من أجل الديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد، يُعدّ نظاما استبداديا.
ولتحديد نقاط الضعف أو القوة، من الضروري
أولا تعريف "النظام". هل هذا نظام عسكري؟ كانت هناك تقارير موثوقة عن
مستويات كبيرة من حالة عدم الرضا بين ضباط الجيش الحاليين والمتقاعدين. هل هذا حكم أقلية من نوع جديد؟ لا توجد مؤشرات على ذلك.
أعتقد أن ما نشهده هو حكم الرجل الواحد
تحت نظام السيسي، الذي سيستمر في التحرك معتمدا على أبنائه، وفي النهاية هم مَن
سيرثون الحكم.
ويأتي الضعف الثاني من الحالة العامة
السيئة للاقتصاد، وليس هناك ما يشير إلى أن النظام يمكن أن يحكم بنجاح عبر استراتيجية
اقتصادية سليمة أو حتى إدارة الأزمات؛ حيث يصل مستوى الدين الحالي إلى مستويات لا
يمكن تحملها، وفي حالة وقوع حدث دولي (انهيار السوق بسبب الحروب التجارية الناتجة
عن الرسوم الجمركية على سبيل المثال)، سوف يتضرر الاقتصاد المصري بشكل كبير، وسيستمر
في التدهور، ولكن بطريقة تدريجية إن لم يواجهه حدث حرج.
على المستوى الكلي، مع الاستبداد تأتي
الحاجة إلى قمع المثقفين والنخب والمفكرين والجماهير. ورغم ذلك، في عام 2011 تم
كسر حاجز الخوف، ولم يعد الخوف أداة مفيدة.
لقد تم استبدال الخوف الآن بمستوى من الوحشية
يشل المجتمع، ويمكن أن يستمر هذا الشلل لفترة طويلة، خاصة عندما لا تكون هناك
أصوات تتمتع بقبول وزخم شعبي وتطرح بدائل قابلة للتطبيق. ومع ذلك، فإن الوباء
الحالي قد غيّر اللعبة، ففي حين كان النظام يقمع سابقا الأصوات السياسية والنشطاء
والصحفيين والحقوقيين، بات اليوم يقمع الأطباء والعاملين في المجال الصحي، وأصبح
القمع الآن يطال الجميع، وربما يُمكن لنظام السيسي أن يواجه ارتفاع منسوب الغضب في
الوقت الراهن.
وعلى المستوى الجزئي، رأينا تصدعا يظهر
داخل المؤسسة العسكرية، وكذلك حملة قمع تصل إلى حكومة السيسي. فقبيل الانتخابات
الرئاسية الأخيرة، تم اعتقال رئيس أركان الجيش السابق، الفريق سامي عنان، ومساعديه
المستشار هشام جنينة والدكتور حازم حسني، وذلك بعد فترة وجيزة من إعلان عنان نيته
الترشح للانتخابات ضد السيسي.
واعتبر محللون أن اعتقال عنان علامة لافتة
على استعداد السيسي لتحدي كبار قيادات مؤسسته العسكرية. ويشير اعتقال عنان، وآخرين،
إلى أن المعارضة الحقيقية والفعلية قد تحدث من داخل الجيش، لأن عنان لم يكن ليُقدم
على ما فعله ما لم يعتقد أن هناك من يدعمه داخل الجيش. ثم قام السيسي أيضا بالإطاحة بعدد
كبير من مسؤولي المخابرات، وهو ما يكشف عن الخلاف المتزايد بين صفوف الأجهزة
الأمنية والمخابراتية. وفي حين أطاح السيسي بعدد كبير من قادة الجيش من خلال التقاعد
القسري لهم كوسيلة لتأمين هيمنته من الداخل، إلا أن عليه أن ينظر إلى التاريخ
الحديث.
في عام 2011، سمح الجيش بخلع الرئيس
مبارك، لأنه أصبح عبئا. وفي صيف عام 2013 بات الرئيس مرسي خطرا على المؤسسة
العسكرية، وتم الانقلاب عليه. وكذلك على مدى السنوات القليلة الماضية أصبح السيسي
عبئا وعائقا، لكنه أخذ الخطوات التي تمنع إزاحته أو الانقلاب عليه، عن طريق تعديل
الأجهزة العسكرية والمخابراتية والأمنية.
ومع ذلك، نظرا لضعف الدولة اقتصاديا
واجتماعيا وسياسيا، وعدم قدرتها على إبراز قوتها في المنطقة، كما نرى الآن في
ليبيا، ومع قضية سد النهضة، بالإضافة إلى أن مصر باتت قوة تابعة للسعودية
والإمارات، وتراجعت على مختلف المستويات، سيرى الجيش مرة أخرى أن قرارات السيسي
أضعفت مصر كثيرا محليا وإقليميا على حدّ سواء، وقد تصبح المؤسسة العسكرية مرة أخرى
أمام خيار الإطاحة بالسيسي في المستقبل، إذا خلصت إلى أن قرارات السيسي
تضر بالأمن القومي ضررا لا يمكن تداركه.
ومن ثم، فإن الاستغلال المحتمل يكمن في
حقيقة أن الجميع سيخسرون بشكل كبير، بما في ذلك الجيش، وحكم مبارك من الأقلية،
وبيروقراطية الدولة المعروفة بالدولة العميقة، وبالطبع الشعب. وكلما طال أمد أجهزة
الدولة المختلفة في تحمل هذا النهج، قل احتمال قدرة الدولة على العودة من حافة
الهاوية.
وكما قال المفكر السياسي الإيرلندي إدموند
بيرك، ذات مرة بذكاء؛ "إن استخدام القوة وحدها ليس إلا إجراء مؤقتا، لأنها
قد تتغلب للحظة، لكنها لا تزيل ضرورة التغلب مرة أخرى، ولا يمكن أن تحكم أمة تحتاج
إلى إخضاعها على نحو متكرر ودائم".
بالحديث عن المساعدات الخارجية والدعم الذي يحصل عليه السيسي.. كيف ترون ما تردد حول احتمالية قيام أمريكا بسحب بعض قواتها من شبة جزيرة سيناء؟ وهل هذا جزء من "صفقة القرن" على سبيل المثال؟
يُنظر إلى المساعدات الأمريكية لمصر، ولا
سيما المعونة العسكرية، على أنها تُعد حجر الزاوية في العلاقات الثنائية بين
البلدين. ومصر تاريخيا ثاني أكبر الدول خارج حلف الناتو المستفيدة من المساعدات
الأمريكية، حيث تلقت عشرات المليارات منذ إبرام معاهدة السلام، وكانت حزمة المساعدات
العسكرية الأمريكية لمصر ثابتة عند 1.3 مليار دولار سنويا منذ عام 1987. ومع ذلك،
انخفضت المعونة الاقتصادية من 815 مليون دولار في عام 1986 إلى 125 مليون دولار
هذا العام. في حين ظلت المعونة العسكرية ثابتة في جميع أنحاء الإدارات الأمريكية
المختلفة.
وربما كان السيسي "الديكتاتور
المفضل" لترامب، الذي غمره بالدعم قائلا؛ "إن الرئيس السيسي قام بعمل
رائع في وضع صعب للغاية". يرجع هذا الدعم بشكل رئيسي إلى أنه يتشارك مع إدارة
ترامب والقوى الإقليمية في الخليج الرؤية نفسها فيما يتعلق بسيناء و"صفقة القرن"
بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وخلال وبعد ثورة يناير 2011، كان خوف
إسرائيل من أن تكون الحدود مفتوحة بين سيناء وغزة، بينما يعمل السيسي منذ صعوده
إلى السلطة بلا كلل على طمأنة الإسرائيليين بأن هذا لن يحدث من خلال حملة عسكرية
مستمرة، وعمليات إخلاء وتهجير قسري لآلاف السكان من منطقة سيناء، وهناك عمليات عسكرية
مشتركة (طائرات بدون طيار) بين مصر وإسرائيل. ولا تزال الولايات المتحدة تقوم
بعمليات تدريب مشتركة في سيناء، وحتى إذا كانت ستسحب قواتها من أرض الفيروز، فإن
نقل سيادة تيران وصنافير للسعودية يخلق منطقة عازلة استراتيجية لأمن إسرائيل.
ومع ذلك، تتمركز القوات الأمريكية في
سيناء منذ اتفاقية السلام "كامب ديفيد" التي تم إبرامها عام 1979 بوساطة
أمريكية، والتي أعادت شبه الجزيرة إلى مصر في مقابل العلاقات الدبلوماسية مع
إسرائيل. لقد تغير الزمن اليوم، وتتعرض الحكومة الأمريكية لضغوط لخفض الإنفاق، ومع
ذلك، لن تتأثر الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، خاصة أن مصر نقلت المزيد من
القوات إلى سيناء لمحاربة داعش. ومن ثم، فمن غير المحتمل أن تتغير الكثير من
الأوضاع بسيناء.
"داليا فهمي في سطور"
هي أستاذة العلوم السياسية بجامعة لونج آيلاند
الأمريكية، حيث تدرّس مساقات السياسة الخارجية الأمريكية، والسياسات العالمية
والعلاقات الدولية، وكذلك السياسات العسكرية والدفاعية، وسياسة الشرق الأوسط. وهي
أيضا زميلة أولى بمركز السياسة العالمية في واشنطن العاصمة، وحاليا تعمل كباحث
زائر في مركز دراسات الإبادة الجماعية وحقوق الإنسان بجامعة روتغرز.
المجالات التي تبحثها د. فهمي تغطيها الكتب الأربعة
التي كتبتها، تحت عناوين: "الربيع العربي: الحداثة والهوية والتغيير"،
وهو أحدثها. وكذلك "صعود وسقوط الإخوان المسلمين.. ومستقبل الإسلام
السياسي" الذي يصدر قريبا، بالإضافة إلى كتابيها المنشورين:
"الإنتلجنسيا اللاليبرالية ومستقبل الديموقراطية المصرية"،
و"العلاقات الدولية في عالم متغير."
إضافة لذلك، نشرت د. فهمي العديد من المقالات في
دوريات علمية وأكاديمية ركزت فيها على قضايا التحول الديمقراطي، وتأثير الإسلاموفوبيا
على السياسة الخارجية للولايات المتحدة. كذلك قدمت العديد من المحاضرات والشهادات
في دوائر السياسة في واشنطن العاصمة حول مستقبل الديمقراطية في الشرق الأوسط.
وعادة ما تستضيف وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية د.
فهمي للتعليق على القضايا المتعلقة بمجالات اهتمامها، ومن بين هذه الوسائل قنوات ABC، وCBS،
وCNBC، وCNN،
وMSNBC، وBBC،
والجزيرة. كذلك نشرت د. فهمي مقالات في صحف ومواقع أمريكية مثل واشنطن بوست،
وهافينغتون بوست.
حصلت د. فهمي على العديد
من الجوائز الأكاديمية، والزمالات البحثية. ففي عام 2014، اختيرت مع آخرين للحصول
على جائزة كليغمان المرموقة في العلوم السياسية، وفي 2016 حصلت على جائزة نيوتن
للتميز في التدريس، وفي 2017 اختيرت من قبل الراديو الوطني الأمريكي NPR كـ"مصدر
الأسبوع".