صحافة دولية

فوربس: أزمة العملة اللبنانية تقود البلد لمستقبل جديد

في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، اندلعت الاحتجاجات بسبب فرض ضريبة إضافية على مكالمات واتساب- جيتي
في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، اندلعت الاحتجاجات بسبب فرض ضريبة إضافية على مكالمات واتساب- جيتي

نشرت مجلة "فوربس" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها لبنان في الوقت الراهن، لكنها من المرجح أن تمهّد الطريق لمستقبل جديد لاقتصاد هذا البلد.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن لبنان يعاني أزمات حادة منها الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي ونقص المواد الغذائية وارتفاع معدل التضخم الشهري إلى 56 بالمئة، مع عدم وجود أي بوادر انفراج واضحة.


وفي غضون الأزمة، انضمت الليرة اللبنانية إلى قائمة العشرات من العملات الأكثر انهيارا في العالم، بما في ذلك البوليفار الفنزويلي والدولار الزيمبابوي والبيزو الأرجنتيني.

 

وهذا البلد الصغير يقع في الشرق الأوسط ويبلغ عدد سكانه خمسة ملايين نسمة فقط، بجاليته من المهاجرين مع العائلات التي لا تعد ولا تحصى في كندا والولايات المتحدة وبريطانيا. وفي كل سنة، يزور المغتربون اللبنانيون وطنهم وينفقون مليارات الدولارات للحفاظ على سيولة الاقتصاد.

اقتصاد قائم على الاستيراد

 

في سنة 1997، حدد البنك المركزي اللبناني سعر صرف الليرة عند 1507 دولارات أمريكية. وعلى مدى العقدين الماضيين، اعتمد استقرار الاقتصاد اللبناني على سعر صرف ثابت للدولار الأمريكي.

 

اقرأ أيضا: لبنان يطلب وقودا من الكويت لتخفيف أزمته الاقتصادية

وذكرت المجلة أن اقتصاد لبنان يقوم إلى حد كبير على الخدمات، ويعتمد بشكل كبير على السياحة التي تجري معظم معاملاتها بالدولار الأمريكي.

 

وبسبب الفساد والنظام المعادي للأعمال التجارية، لم يطور لبنان صناعات محلية قائمة بذاتها مثل العديد من جيرانه. كما يستورد 80 بالمئة من منتجاته، مثل النفط واللحوم والحبوب والإمدادات الأخرى.

 

ويتلقى هذا البلد الصغير تدفقات العملة الأمريكية من خلال السياحة والمساعدات الخارجية والتحويلات والقروض، التي ينفقها على شراء الإمدادات عبر الحدود.

وقد شجع استقرار العملة المغتربين على الاستمرار في إرسال الأموال إلى الوطن، وشراء العقارات وحتى إيداع النقود في البنوك المحلية.

 

وتشير التقديرات إلى أن اللبنانيين في الخارج أرسلوا تحويلات تصل إلى 12.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبنان، مما حال دون انهيار الاقتصاد.

 

وقد ساهمت الدولرة في لبنان في انقسام الثروة المتنامية، حيث بلغت حصة الليرة اللبنانية 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، مما جعله أحد أكثر الاقتصادات غير متكافئة في العالم.

النظام المصرفي اللبناني

 

وأوردت المجلة أن الإيرادات في لبنان بدأت تضعف بسبب الاضطرابات في سوريا المجاورة، مما دفع المسؤولين إلى الانخراط في الهندسة المالية الإبداعية للحفاظ على استقرار الليرة.

 

ومن أجل الحفاظ على الاستقرار وتحفيز الودائع، عرضت البنوك أسعار فائدة تصل إلى 14 بالمئة، والتي تطلبت بدورها المزيد من الودائع لدفع أسعار الفائدة المرتفعة، مما أدى إلى إنشاء مخطط بونزي.

وبحلول سنة 2019، استمر الضغط على سعر صرف الليرة بالدولار في التنامي. وقد أصدر رياض سلامة، رئيس مصرف لبنان المركزي، أمرا يُطالب فيه جميع مكاتب تحويل الأموال بدفع مبالغ نقدية بالليرة بدلا من الدولار. وكان هذا بمثابة أول إنذار لأزمة عملة تلوح في الأفق.

وخلال سنة 2019، استمر الطلب على الدولار في الارتفاع، فقد تدفق تجار التجزئة والأفراد الراغبين في شراء الدولار على أكشاك صرف العملات والبنوك. كما كان التجار في حاجة إلى أكبر قدر من الدولارات لتغطية الواردات، مما سلط ضغطا إضافيا على ربط العملة بالدولار.

وأوضحت المجلة أنه منذ أن تم تحديد سعر صرف الليرة رسميا عند 1507 دولارات، أُنشئت سوق سوداء للدولار، مما سمح بشراء الدولار بسعر أعلى. لكن ذلك كان بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة.

الاحتجاجات

 

في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، اندلعت الاحتجاجات بسبب فرض ضريبة إضافية على مكالمات واتساب. كانت الاحتجاجات تعبّر بشكل أساسي عن رفض الشارع اللبناني للفساد ونظام الحكم الطائفي الذي استمر لعقود.

في الواقع، يقوم النظام السياسي في لبنان على توازنات معقدة وتوزيع للسلطات بين الطوائف المختلفة لفترة طويلة، لكن البلد انقسم في آخر المطاف وتحوّل إلى ساحة صراع بين قوى متنافرة إيديولوجيا.

وأضافت المجلة أن الاحتجاجات السلمية استمرت لأشهر، وقد كانت الحكومة تقطع الكهرباء يوميا تقريبا على مواطنيها، لكن المتظاهرين اللبنانيين لم يخضعوا وخرجوا للرقص في الشوارع مما دفع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى الاستقالة، لكن الشعب أراد تغييرًا أكثر استدامة.

بيد أن الاحتجاجات توقفت في نهاية المطاف بسبب جائحة كورونا التي تسببت في تفاقم الأوضاع الاقتصادية في لبنان. ومع عدم وجود فرص عمل ولا أموال لشراء الضروريات، خرق العديد من الأشخاص الحجر الصحي.

 

وإلى جانب نفاد الوقود من لبنان، كان المواطنون يعانون من انقطاع الكهرباء لمدة تصل إلى أربعة أيام في الأسبوع. وفي ظل نقص الدولارات لاستيراد الحبوب واللحوم، يواجه لبنان احتمال حدوث مجاعة.

أزمة العملة والتضخم المفرط

 

أشارت المجلة إلى أنه مع استمرار الاضطرابات الاقتصادية في لبنان، سارع الكثيرون إلى بيع الليرة وشراء الدولار، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بنحو عشرة آلاف ليرة للدولار الواحد، لتنخفض قيمة العملة اللبنانية بنسبة 85 بالمئة.

 

اقرأ أيضا: كيف أثر انهيار الاقتصاد على حياة اللبنانيين؟.. "وقائع مؤلمة"

بالإضافة إلى ذلك، بدأت البنوك في الحد من عمليات السحب من الدولار الأمريكي، أولا إلى 300 دولار ثم إلى لا شيء على الإطلاق، حيث بدأ التجار يرفضون الدفع بالبطاقات خوفا من عدم احترام البنوك للمدفوعات.

وفي الوقت الذي ترك فيه الوباء عددَا كثيرا من الناس يعانون من نقص في الغذاء، ارتفعت أسعار المواد الغذائية. واصطف الناس أمام المخابز ومحلات الجزارة على أمل شراء البضائع قبل ارتفاع الأسعار في اليوم التالي. غير أن الأسعار استمرت في الارتفاع، واستمرت الحكومة اللبنانية في طباعة المزيد من الليرات.

وأوضحت المجلة أن بعض القادة السياسيين زعموا أن الأزمة قد أتاحت للبنان الفرصة لتولي مسؤولية إمداداته الغذائية وتطوير صناعته الزراعية ولكن المزارعين لم يكن بوسعهم أن يتحملوا تكاليف بناء بنية تحتية جديدة وشراء البذور والأسمدة أو أي مواد كيميائية أخرى لازمة للمحاصيل.

ما هو مصير لبنان؟

 

لا يمكن للبنان أن يبدأ في إعادة بناء بلاده من دون إنشاء نظام نقدي جديد، كما أن انتظار الحكومة لإدخال عملة وطنية جديدة دون استعادة الثقة في السلطة أمر لا طائل منه. ولدى الشعب اللبناني ثلاثة خيارات أخرى لإعادة إحياء اقتصاده دون انتظار تدخل الحكومة.

1. أموال السلع


أكدّت المجلة أنه لتحقيق التبادل المحلي، يمكن للبنان استخدام أي سلعة يثق فيها، من الحبوب إلى الذهب. ومثال ذلك تجربة ألمانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي اعتمدت لفترة وجيزة على استخدام السجائر كأموال للتجارة في الضروريات الأساسية داخل المجتمعات. كما تسمح وحدة الحساب المستقرة كالحبوب أو الذهب وحتى السجائر للمقيمين بشراء الطعام لأسرهم.

2. التحول عن التعامل بالدولار

 

لا يمكن لاقتصاد لبنان أن يحافظ على نفسه كاقتصاد مغلق لأنه يعتمد وبشكل كبير على الواردات الأجنبية من الحبوب واللحوم والنفط. لذلك، يحتاج هذا البلد إلى استخدام عملة يسهل إنفاقها عبر الحدود. إلا أن تبني الدولار يطرح مشكلتين رئيسيتين: الأولى هي أن مستقبلك يصبح مرهونا باستقرار الولايات المتحدة، والمشكلة الثانية تكمن في أنه لا يوجد ببساطة ما يكفي من الدولارات، حيث خلقت جائحة فيروس كورونا نقصا غير مسبوق في الدولار الأمريكي على مستوى العالم ومع ازدهار السوق السوداء للدولار في لبنان، يبدو أن زيادة الطلب على الدولار تسير في الاتجاه الخاطئ.

3. عملة البيتكوين


أوضحت المجلة أنه لطالما دعا مؤيدو العملات الرقمية إلى أن عملة البيتكوين مصممة خصيصا لهذه الأنواع من المواقف الاقتصادية ويقع استخدامها بالفعل كوسيلة تأمين ضد الحكومات الفاسدة في دول مثل قبرص وأوكرانيا وفنزويلا والسلفادور.

 

اقرأ أيضا: الأزمة الاقتصادية بلبنان تلقي بظلالها على قطاع الأدوية

في الواقع، هناك مغتربون أغنياء يرغبون في إرسال الأموال إلى لبنان للمساعدة، لكنهم غير متأكدين من كيفية القيام بذلك بأمان وإنتاجية نظرا لمشكلات البنية التحتية الحالية مع البنوك والتحويلات المالية.


وباستخدام عملة البيتكوين، يمكن للعائلات والمتبرعين في الخارج إرسال الأموال مباشرة إلى أولئك الذين يحتاجون إليها، دون الخضوع لأي تدقيق حكومي.

وبمجرد أن تصبح عملة البيتكوين داخل مجتمعات لبنان، يصبح من الممكن استخدامها للتجارة داخل البلاد للسلع والخدمات الأساسية. كذلك، يمكن استعمالها أيضا للدفع مقابل الواردات القادمة إلى البلاد.

في الختام، ذكرت المجلة أن المسار الذي سيختاره لبنان مازال غير مؤكد. هناك شيء واحد واضح بعد أشهر من الاحتجاجات، هو أن اللبنانيين هم من أكثر الناس تفانيا وحيوية في العالم، ولديهم القوة للتغلب على هذه الفترة في التاريخ والازدهار مرة أخرى.

التعليقات (0)