هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أظهرت
الولايات المتحدة على مدار الأشهر الماضية ميلا لصالح مصر في أزمة النيل المشتعلة،
وقد كشف تقرير خاص لموقع "فورين بوليسي" الأمريكي مؤخرا أن ذلك قد يبلغ حد فرض
عقوبات على إثيوبيا في حال لم تتوصل إلى
تفاهم مع دولتي المصب بشأن ملء "سد النهضة".
لكن
تقرير "فورين بوليسي"، الذي ترجمته "عربي21" في وقت سابق،
أشار في المقابل إلى فوضى في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الأزمة،
وخلافات بين فريق مؤيد لمعاقبة أديس أبابا، وآخر يدعو إلى موقف محايد لتجنب فقدان
أي من الحليفتين، مصر وإثيوبيا.
إلا أن مجرد طرح خيار فرض العقوبات على الدولة العملاقة في القرن الأفريقي
يثير تساؤلات عن خلفيات ذلك، لا سيما أن المشروع لا يمس المصالح الأمريكية بشكل
مباشر، فيما قد تدفع خطوات عدوانية أديس أبابا إلى تعاون أكبر مع الصين.
وتشير عدة تقارير إلى أن ذلك التعاون مع الصين هو بالتحديد ما يدفع واشنطن إلى
"اللادبلوماسية"، وهو التعبير الذي استخدمه وزير الخارجية الإثيوبي جيدو
أندارجاشيو لانتقاد الموقف الأمريكي من سد النهضة، في آذار/ مارس الماضي.
وكانت الولايات المتحدة تقود حتى ذلك
الحين، وعلى مدار أربعة أشهر، مفاوضات بين الفرقاء في الأزمة، بمشاركة البنك
الدولي، لكن إثيوبيا تغيبت عن الجولة الأخيرة، معتبرة أن الدور الأمريكي لم يكن
بناء، وسعى إلى التأثير على مخرجات المباحثات.
الصين من خلف الستار
تقول واشنطن؛ إنها ترغب في أن يتوصل
فرقاء النيل إلى تفاهم يجنب دول المصب أزمة مائية محتملة، لكن تقريرا نشره موقع برنامج الصين التابع
لـ"معهد كارتر" الأمريكي، أشار إلى بعد آخر يتعلق بحضور كبير للعملاق
الآسيوي خلف الستار.
وأوضح التقرير،
الذي ترجمته "عربي21" أن بكين حرصت على الابتعاد عن الأضواء بشأن سد
النهضة على مدار السنوات الماضية، لكنها في حقيقة الأمر تساهم من خلال شركاتها في
إنشائه، كما يقدم خبراؤها في قطاع الطاقة الكهرومائية المشورة لأديس أبابا.
اقرأ أيضا: كانا بالمخابرات.. كيف نجح آبي أحمد وفشل السيسي بالنهضة؟
وتشير بيانات
مبادرة أبحاث "الصين أفريقيا" بجامعة "جونز هوبكنز" الأمريكية، إلى اقتراض إثيوبيا 235 مليون دولار من بكين خلال عام 2018 وحده، لتمويل مشاريعها
المائية.
وبحسب البيانات
التي اطلعت عليها "عربي21"، فإن إثيوبيا تأتي في المرتبة الثانية
أفريقيّا، بعد أنغولا، من حيث تلقي القروض من الصين، إذ حصلت على 51 قرضا منذ عام
2006 حتى 2018، بقيمة إجمالية بلغت 13.6 مليار دولار، وهي أرقام لطالما أزعجت
واشنطن.
وفي الآونة
الأخيرة، منحت أديس أبابا شركتي "مجموعة تشاينا غيزهوبا" و"فويث
هايدرو شنغهاي"، عقودا بقيمة 40.1 مليون دولار، و112 مليون دولار على
الترتيب، وذلك لـ"تسريع" أعمال البناء في سد النهضة.
وعلاوة على ذلك، قدمت الصين تمويلا كبيرا لخطوط الكهرباء والبنية التحتية
ذات الصلة المرتبطة بسد النهضة. وعلى سبيل المثال، بحسب تقرير "معهد
كارتر"، أقرضت بكين أديس أبابا 1.2 مليار دولار عام 2013 لبناء خطوط نقل
الطاقة لربط السد بالبلدات والمدن الرئيسية، كما أعلنت في نيسان/ أبريل من العام
الماضي عن استثمار بقيمة 1.8 مليار دولار لتوسيع شبكة الكهرباء في إثيوبيا، بعد
زيارة أجراها رئيس وزرائها، آبي أحمد، إلى العاصمة الصينية.
صمت لن يطول
وأوضح التقرير أن الصين تجنبت الانجرار إلى أتون النزاع الدائر
بين مصر وإثيوبيا، لكنه شكك في أن تتمكن من الحفاظ على هذا التوازن طويلا، مشيرا
إلى أنها سعت حتى الآن إلى صون علاقاتها مع البلد العربي، مع المسارعة في
الوقت ذاته إلى تحقيق الإنجاز الكهرومائي الهائل، الذي من شأنه تعزيز حضورها في
استثمارات البنى التحتية بعموم القارة السمراء.
وأضاف: "في حين يبدو أن هنالك القليل من الانتقادات المباشرة لتورط
الصين في سد النهضة الإثيوبي الكبير (حتى الآن)، إلا أنه من الصعب تصديق أنها غير
متحيزة بشأن هذه القضية.. مع هذا العدد الكبير من العقود الممنوحة لشركات مملوكة
للدولة، مثل مجموعة غيزهوبا".
اقرأ أيضا: سد النهضة.. خبراء يحذرون من تداعيات فشل القمة الأفريقية
وشدد التقرير على أن غض الطرف عن الصراع لن ينجي بكين، أيضا، من المغامرة
برصيدها لدى الفرقاء الأفارقة، ما يحتم دخولها المسرح في لحظة ما قريبة، ولا سيما مع
ازدياد التوتر، والاقتراب من إتمام أعمال إنشاء السد (75 بالمئة حاليا)، الأمر
الذي قد يحول القضية إلى ساحة صراع أخرى بين الصين والولايات المتحدة.
ولدى الحديث عن استثمارات الصين الهائلة
في إثيوبيا، فإن الأمر يتعلق برؤية تتعدى حدود الأخيرة، إذ أنفقت بكين الكثير
خلال السنوات الماضية لتعزيز حضورها في عموم شرق أفريقيا، وتعمل على ربط دول
المنطقة بشبكة طرق وأسلاك كهربائية، ينتظر أن تتزود بالطاقة التي سيولدها سد
النهضة، فيما تضم إحدى تلك الدول، جيبوتي، القاعدة العسكرية الأولى والوحيدة حتى
الآن للعملاق الآسيوي، بعيدا عن مياهه وأراضيه.
"العقوبات".. هل تنقذ نيل
مصر؟
باتت سياسة العقوبات نهجا معتمدا في استراتيجية الولايات المتحدة لمواجهة من تعتبرهم بشكل معلن "خصوما" ينازعونها
الهيمنة الدولية على مختلف الصعد، وبالدرجة الأولى الصين وروسيا.
وفي سابقة بالسياسية الأمريكية، أقر
مجلس النواب مؤخرا عقوبات على كل من ألمانيا وتركيا، وذلك في إطار مشروع قانون
الدفاع للعام 2021.
ورغم الحلف الذي يجمع الولايات المتحدة
بالبلدين في إطار "الناتو"، إلا أن واشنطن ترى في شراء أنقرة منظومة
دفاعية من موسكو (أس400)، وتعاون برلين مع الأخيرة أيضا في إنشاء أنابيب لنقل
الغاز عبر بحر البلطيق (مشروع نورد ستريم- 2) تجاوزا لخطوطها الحمراء.
وإن كانت هذه الورقة مفيدة في الضغط على
دول تتقاطع الكثير من مصالحها مع الولايات المتحدة، فإن إثيوبيا، في المقابل،
تتلقى من واشنطن مساعدات بلغت قيمتها العام الماضي 824.3 مليون
دولار، فيما تبلغ قيمة الاستثمارات الأمريكية لديها نحو خمسة مليارات دولار، بحسب
تقرير "فورين بوليسي"، وهي مبالغ قد تستطيع الصين تعويضها في حال أقدمت
إدارة ترامب على حجبها.
وفي ظل دعم قوي من الصين، وتردد وغياب
لأوراق الضغط وللقدرة على التأثير لدى الولايات المتحدة، واهتمام نظام عبد الفتاح
السيسي في القاهرة بالحشد للتدخل عسكريا في ليبيا، تنطلق أديس أبابا في الاحتفاء
بتحويلها نهر النيل إلى "بحيرة إثيوبية".
اقرأ أيضا: هذه اللحظات الأولى لبدء إثيوبيا بملء سد النهضة (شاهد)