هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "نيويوركر" الأمريكية تقريرا، تحدثت فيه عن المصاعب والمشاكل التي واجهتها وكانت تمر بها لبنان، وتتوجت بانفجارين هائلين صدما العالم وخلفا مئات القتلى وآلاف الجرحى، ودمار اقتصادي قدره مسؤولون بين 10 مليار دولار و15 مليار دولار.
وافتتحت المجلة تقريرها، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول:
"مسكينة لبنان، لقد نجت هذه الدولة الصغيرة الساحرة من حرب أهلية استمرت 15 عاما، التي اندلعت منذ عام 1975 إلى 1990، وأصبحت ساحة معركة للشرق الأوسط بأكمله. ولقد
تحملت التفجيرات واحتجاز الرهائن والقتل الجماعي على أيدي عشرات المليشيات".
وتابعت: "لقد استطاعت الإبحار
في المتاهة السياسية لثماني عشرة طائفة دينية، كل منها معترف به رسميا، ولهم حصص من
الوظائف الحكومية. ولقد استطاعت لملمة نفسها بعد اغتيال رئيسها ورؤساء وزرائها وأعضاء
البرلمان، واحتلال القوات السورية والإسرائيلية. لقد هزتها سلسلة من الاحتجاجات الوطنية، أحدها كان ثورة الأرز عام 2005 التي أطاحت بإحدى الحكومات إلى انتفاضة أكتوبر
2019، التي أطاحت برئيس وزراء. على مدى عقود، تحدى لبنان كل الصعاب".
وتقول معدة التقرير روبن رايت:
"في إحدى المقابلات، سألني مقدم البرنامج عن أي حرب من بين عشرات الحروب التي غطيتها
كان لها تأثير شخصي علي. بلا شك أجبت لبنان وصراعه. لطالما أعجبت بشعب ذلك البلد المبدع
والصامد والجميل، فضلا عن المخاطر السياسية الملحمية للبلد والمنطقة والعالم".
اقرأ أيضا: شهادة لبنانية توثق لحظة انفجار مرفأ بيروت.. وتفاصيل مؤلمة
لكن ليس لوقت طويل، لبنان الآن
على حافة الانهيار، لقد كان بالفعل متجها نحو الهاوية قبل أن يحدث الانفجاران عند مرفأ
بيروت ذي المناظر الساحرة. يوم الثلاثاء الساعة السادسة مساء، أطلق الانفجار الثاني
سحابة متصاعدة من الأبخرة، ذكرتنا بقنبلة نووية، وسجلت موجات زلزالية. دوى الانفجار، وسمع في جزيرة قبرص، التي تبعد أكثر من 120 ميلا. وناشدت الحكومة اللبنانية كل سيارة
إسعاف في البلاد للتوجه إلى بيروت.
حتى ظهر الأربعاء، كان قد لقي
أكثر من 135 شخصا مصرعهم، وأصيب أكثر من خمسة آلاف شخص، ولا تزال أعداد لا حصر لها مفقودة.
المستشفيات مكتظة بمرضى فيروس كورونا، تم علاج العديد من المصابين على الأرصفة والطرقات.
وقال وزير الصحة في البلاد حمد حسن للصحفيين: "هناك نقص حاد في كل شيء".
وتوضح المجلة: "يواجه لبنان
الآن تحديات وجودية. دمر الانفجار مباني المكاتب والمجمعات السكنية في أنحاء العاصمة، وكذلك أكبر ميناء لها، وهو أمر بالغ الأهمية للتجارة والواردات التي يعتمد عليها لبنان.
قدر أحد المحافظين أن أكثر من ربع مليون شخص أصبحوا بلا مأوى، ما يضاعف من تحديات استيعاب
مئات الآلاف من لاجئي الحرب السوريين في بلد يقل عدد سكانه عن سبعة ملايين".
بجانب المرفأ، كان هناك صف من
صوامع القمح الشاهقة التي دمرت تماما، وكان لها دور رئيسي في استيراد وتخزين المواد
الغذائية في البلاد.
اقرأ أيضا: عون يطالب ماكرون بصور المرفأ.. ومواقف مثيرة بزيارته (شاهد)
رئيس البلاد ميشال عون قال في
اجتماع طارئ الأربعاء: "لا توجد كلمات يمكن أن تصف الرعب الذي ضرب بيروت الليلة
الماضية، وحوّلها إلى مدينة منكوبة". وترأس عنوان "نهاية العالم" الصحيفة
اللبنانية لوران لو جو.
الانفجاران أتيا ليزيدا الطين
بلة بالنسبة للبلاد، وهما قد يشيران إلى نهاية لبنان الحديث الذي عهدناه. لبنان التي
اشتهرت بحياتها الليلية، ومنافذها الثقافية الغنية، لم يكن في عاصمتها بيروت مؤخرا كهرباء، وكانت تصل مدة انقطاع الكهرباء إلى عشرين ساعة في اليوم.
انقطاع الكهرباء أعاق جهود الإنقاذ،
والقمامة الفاسدة ما زالت تصطف في الشوارع وتملأ الساحات، بسبب الشجار بين الفصائل
حول أي من حلفائها يجب أن يحصل على عقد لجمع القمامة، كما أن هناك في الغالب نقصا في
مياه الشرب.
وفي الشهر الماضي، حذرت ميشيل
باتشيليت، المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، من أن لبنان "يخرج بسرعة
عن نطاق السيطرة مع العديد من المعوزين، الذين يواجهون المجاعة".
كما أن مجموعة الأزمات الدولية
أشارت، في حزيران/ يونيو، إلى أن لبنان الذي كان يوما من الأيام المركز المصرفي والنبض الاقتصادي
للشرق الأوسط، يواجه أزمة اقتصادية لم يسبق لها مثيل في تاريخه.
حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية
والسلع الأساسية بنسبة 50 بالمئة على الأقل كل شهر منذ أيار/ مايو. وقالت الأمم المتحدة
إن واحدا من بين كل ثلاثة لبنانيين عاطل عن العمل؛ بسبب أزمة الاقتصاد طويلة الأمد، التي
تفاقمت بسبب جائحة كورونا. كما أن العملة الوطنية فقدت 80 بالمئة من قيمتها منذ انتفاضة
تشرين الأول/ أكتوبر.
اقرأ أيضا: مصرف لبنان يجمد حسابات مسؤولين بميناء وجمارك بيروت
وذكرت مها يحيى، رئيسة مكتب بيروت
في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، عبر البريد الإلكتروني، أن "الدمار أكبر بكثير
من أي شيء رأيته في حياتي، لقد عشت حروبا عديدة في هذا البلد، لبنان كان ينهار بشكل
كبير قبل هذا الانفجار".
وتقول المجلة: "حقيقة أن
الحكومة فشلت في التعامل مع الكثير من المواد المتفجرة في أكثر الموانئ استراتيجية
في البلاد، كان صورة مصغرة عن إخفاقاتها الواسعة. وبالنظر إلى وصف التفجيرين، والسحابة
البرتقالية التي نجمت عن الانفجار، قال خبراء الأسلحة إن القصة الرسمية تبدو صحيحة".
وشدد لي داريل كيمبال، المدير
التنفيذي لجمعية الحد من الأسلحة، على أن "تخزين 2750 طنا من نترات الأمونيوم في مستودع
مضغوط في وسط مدينة ساحلية ليس "هجوما"، إنه تخاذل مأساوي".
وقال جيفري فيلتمان، سفير الولايات
المتحدة السابق في لبنان: "كما لو أن الشعب اللبناني بحاجة إلى المزيد من الأدلة على الأداء المتدهور لحكوماتهم المتعاقبة".
وعلق رامي خوري، مدير الاشتباك
العالمي في الجامعة الأمريكية في بيروت، قائلا إن ما سيحدث لاحقا سيكون أكبر بكثير من الانفجارين
نفسهما. سيكون هناك ضغط عام هائل لإجبار السياسيين على التنحي للأبد. سيكون التركيز
الأساسي على إخراج النخبة الفاسدة، التي أنشأت نظام غنائم يستبعد الجميع باستثناء نظامهم
الخاص"، وأضاف: "هذه نقطة تحول، إنها ليست نهاية لبنان، بل بداية للبنان مختلف".
وختمت معدة التقرير بالقول:
"ومن المؤكد أن لبنان سينهض وسيقف ضد المافيا السياسية مرة أخرى، ربما بأعداد
أكبر؛ للمطالبة بالمساءلة وأكثر. ستدحرج عدة رؤوس، وسيستقيل العديد من المسؤولين. لكن
هل سيكون التغيير ذا مغزى ودائم؟ لا يسعني إلا أن أتمنى للبنانيين الخير، وآمل أن يتحدوا
الصعاب مرة أخرى".