كتاب عربي 21

انفجار بيروت والانتفاض على الطبقة السياسية

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600

كشف انفجار ميناء بيروت المروع عن حدود دولة فاشلة تحكمها طبقة سياسية فاسدة، لا نظير لعدم كفاءتها واستهتارها وجشعها، أوصلت لبنان إلى حافة الانهيار والإفلاس، ودفعت بالشعب إلى شفير الفقر والبؤس واليأس.

وتمثل دراما ردود فعل هذه الطبقة على الحدث المهول كارثة إضافية تعبر عن غطرسة نرجسية وعزلة مرضية عن هموم الناس وأوجاعهم، عبر التهرب من المسؤولية وإلقاء اللوم على بعضهم البعض، وتقديم وعود لا صلة لها بصلب المشكلة. ويكمن الخطر الأدهى والملهاة الأكبر بأن تجد النخب الفاسدة في حدث الكارثة فرصة سانحة للاستثمار في هذه المأساة، وإحكام قبضتها على هياكل السلطة، وهو سلوك معتاد لهذه النخب على مدار العقود الفائتة.

عقب أربعة أيام من لا مبالاة الطبقة السياسية تجاه كارثة الانفجار، اندلعت انتفاضة شعبية ضد الطبقة السياسية، أكثر راديكالية من ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، التي لم تكن كافية لتوقظ الطبقة السياسية الفاسدة من سباتها. ويبدو أن صدمة انفجار بيروت لا تشكل لهذه النخب نقطة تحول للبحث عن مصلحة لبنان والبدء بإجراء إصلاحات سياسية حقيقية، والمساهمة اقتصادياً بجزء من الأموال المنهوبة بترميم الأضرار التي تسببت هي بها، ولا يبدو أن شيئاً أو حدثاً في لبنان يمكن أن يغير من سلوكها، فأوهام زعماء الطوائف والسياسيين الفاسدين في لبنان، لم تبددها حركة المنتفضين وصرخاتهم ، ولا يبدو أن الدول الإقليمية والدولية التي تدعم هؤلاء الزعماء الفاسدين تحرص على تغيير المعادلات التقليدية.

 

الرهان على الطبقة السياسية الفاسدة في لبنان لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية، لا يعدو عن كونه وهماً، فقد تواطأت هذه النخب منذ أكثر من ثلاثة عقود على المماطلة وشراء الوقت،

إن الرهان على الطبقة السياسية الفاسدة في لبنان لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية، لا يعدو عن كونه وهماً، فقد تواطأت هذه النخب منذ أكثر من ثلاثة عقود على المماطلة وشراء الوقت، وتحايلت بعد انتفاضة 17 تشرين دون جدوى، واستخدمت ترسانتها القمعية وأجهزتها الأيديولوجية ضد المتظاهرين السلميين، الذين لم يجدوا من دول العالم أي سند سوى خطابات الاستقرار البائسة، الاستقرار الذي يخدم الطبقة الفاسدة في السلطة التي تتمتع بدعم إيران والسعودية والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي.

في مختلف دول العالم التي شهدت انتفاضات وثورات شعبية كانت المؤسسة العسكرية والأمنية تلعب دوراً حاسماً، في إحداث التحولات في نسق السلطة، وهو ما شهدته ثورات الربيع العربي، وتدخل الجيش قد يساعد على التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي بالانحياز إلى الشعب كما فعل في تونس، وقد ينحاز إلى بناء دكتاتورية عسكرية كما حصل في مصر، وقد ينحاز إلى السلطة كما فعل في سوريا، وقد يلعب دور الحياد النسبي كما حدث في السودان والجزائر، لكن الجيش في لبنان مكتف بدوره التقليدي وحساباته شديدة التحفظ، فهو يدعي حماية التظاهرات، لكنه يحافظ على تركيبة الطبقة السياسية الفاسدة.

رغم التقارير العديدة التي أشارت إلى تجاوزات وعمليات اعتقال وقمع مارسها الجيش ضد المتظاهرين في انتفاضة 17 تشرين، إلا أن الجيش اللبناني حصل على مديح المجتمع الدولي باعتباره مارس قدراً من ضبط النفس في مواجهة المتظاهرين الذين خرجوا بالملايين، والذين حرصوا على الهتاف للجيش وتقديم الورود ومعانقة أفراد الجيش. فالمؤسسة العسكرية، التي شكلت أحد أكبر عوامل استقرار لبنان بعد نهاية الحرب الأهلية، حافظت على احترامها، لكن سلوك الجيش وقوات الأمن الذي حرص بداية الانتفاضة على عدم الإفراط باستخدام القوة، تغير بعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، عقب تعرضه لضغوطات من قبل الطبقة السياسية المهيمنة، بحيث ناشدت منظمة "العفو الدولية" الحكومة الجديدة بردع قوات الأمن عن قمع المحتجين.

في حقيقة الأمر لا يبدو أن انفجار بيروت سيغير من قواعد اللعبة الدولية والإقليمية في لبنان، ولذلك فإن الرهان الحقيقي هو داخلي بامتياز، وهو وحده من سيدفع القوى الدولية والإقليمية للضغط باتجاه إصلاحات جدية، وهو ما سيدفع الجيش لاتخاذ خطوات مستقلة عن هيمنة الطبقة السياسية. فالمؤسسة العسكرية يزداد تأثيرها وتفوذها في لبنان الذي يشهد أوضاعاً سياسية فوضوية.

 

لا يبدو أن انفجار بيروت سيغير من قواعد اللعبة الدولية والإقليمية في لبنان، ولذلك فإن الرهان الحقيقي هو داخلي بامتياز، وهو وحده من سيدفع القوى الدولية والإقليمية للضغط باتجاه إصلاحات جدية

في هذا السياق، لا ترغب القوى الدولية والإقليمية بتغيير قواعد اللعبة السياسية في لبنان، فهي لا مصلحة لها ببديل ديمقراطي، وأقصى طموحاتها الحفاظ على استقرار هش وتوازنات ضعيفة. فالولايات المتحدة لا تبدو متحمسة لإحداث تغيير في لبنان، وهي تكتفي بتقديم مساعدات للجيش اللبناني، وتعليقها في إطار محدد للحيلولة دون توطيد العلاقة بين الجيش وحزب الله. وكانت واشنطن قدمت منذ عام 2010 مساعدات للجيش اللبناني بقيمة 1.7 مليار دولار.

خلاصة القول أن انفجار مرفأ بيروت كشف عن حجم فساد الطبقة السياسية في لبنان، وافتقارها إلى الحد الأدنى من الكفاءة والشعور بالمسؤولية، والمدى الذي قد تذهب إليه بالتشبث بالسلطة. ويبدو أن مشغلي هذه النخب الفاسدة الدوليين والإقليميين، أشد فساداً وأكثر حرصاً على ديمومة الوضع القائم، ولذلك فإن مظاهر ردكلة الانتفاضة الشعبية هي نتيجة طبيعية للرد على سخافات هذه الطبقة المعزولة عن أي قيمة أخلاقية. فالثورة الجماهيرية وحدها من سينقذ لبنان ويخرجه من أزمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي من سيدفع النخب الفاسدة ومشغليها إلى إعادة حساباتها، وهي من سيدفع الجيش إلى ممارسة دوره الوطني المفترض، والرهان على تدخل قوى دولية أو إقليمية هو رهان على الفشل.

twitter.com/hasanabuhanya

التعليقات (0)