مقالات مختارة

قطر عصية على الاستقطاب

جابر المري
1300x600
1300x600


في خطابه الأول بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد، قال حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى -حفظه الله-:


"نحن دولة وشعب ومجتمع متماسك، ولسنا حزباً سياسياً"


هذه العبارة المركزية حددت الإطار الذي ترى الدولة القطرية المسلمة نفسها وشعبها المؤمن بفطرته السليمة المتزنة فيه، وتتحرك بوعي على أساسه، فدولة قطر ليست دولة تيار أو حزب إسلامي بعينه، ولا تتبنى تفسيراً أيديولوجياً محدداً للإسلام، وبالطبيعة القطرية الخاصة لا نقبل في قطر بوصاية دينية أو مرجعية من أحد علينا.

لقد رفضت قطر كما يعرف الجميع أي شكل من أشكال وصاية دول إقليمية، ودفعت ثمن موقفها السيادي وما زالت، وستبقى في حالة صمود وتحدٍ في سبيل سيادتها، فهل يتصور حالم أنها ستقبل أو تخضع لوصاية صحفيين أو محللين في الإعلام في أمور ديننا ووطننا.؟

لقد كان الفشل الذريع وسيبقى مصير كل محاولات استثارة الاستقطابات القبلية أو الفكرية أو الإعلامية في المجتمع القطري الذي تصدى لكل محاولات دول الحصار بعشرات قنواتها، ويؤمن بضرورة وفائدة التنوع الإعلامي بعيداً عن النسخ المتطابقة التي تردد الأمر نفسه.


ويؤمن القطري المدرك أيضا بأن من لديه ملاحظات عن أي مؤسسة إعلامية يمكنه أن يبديها بأسلوب مهني ويعمل على ايصالها للمعنيين بها لمعالجتها بعيداً عن تصيد الأخطاء والحملات التنكيلية الكيدية التنبيشية، لأهداف ليس من بينها الاستفهام أو الإصلاح أو إبداء الرأي المهني، بل تدمير الوسيلة الإعلامية نفسها بعيدا عن المعالجة والمراجعة.


ودون أن نمن على أحد بمواقف قطر "كعبة المضيوم" وما اتخذه ووجه به صاحب السمو أمير البلاد -حفظه الله- مناصرة للمستضعفين والمظلومين وتحمل تبعات ذلك، وقفت قطر مع كل مظلوم سواء من التيارات الإسلامية أو غيرها والكل يعرف ذلك، عندما يتعرضون للظلم ويعتدى عليهم، وساندت حقهم بتولي الحكم عندما جاءت بهم انتخابات نزيهة، ورفضت اتهام الإخوان المسلمين زوراً بالإرهاب؛ لأنهم ليسوا إرهابيين، لكن قطر ليست دولة حزب سياسي وليست تابعة لأي أيدولوجية حزبية، وعلى الإخوة المنتمين لتيارات سياسية إسلامية أو غيرها ألا يفسروا التضامن بأنه حصري معهم هم فقط. فالإخوان المسلمون يتصرفون مثل تيارات أخرى ببراغماتية عندما يتعلق الأمر بمصالحهم السياسية، فمثلا حزب الإصلاح يتحالف مع السعودية وقياداته تقيم فيها، في نفس الوقت الذي يقبع فيه أعضاء حركة حماس في المعتقلات السعودية، هذا عدا عن ملاحقة أبناء نفس التيار من السعودية وقمعهم، كما أن حركة حماس تصر على علاقتها الاستراتيجية مع إيران بسبب ظروفها، بينما يحارب إخوان سوريا إيران، ولم نسمع أن خوّن أحدهم الآخر أو شن ضده حملات كيدية مع أن الخلاف هنا كبير ومبدئي ومفصلي خطير.

 


لذلك أقول إن على الإخوة المنتمين لتيارات سياسية إسلامية أو غيرها ألا يفسروا هذا التضامن بأنه حصري معهم فقط، وأن يظنوا واهمين أن من حقهم أن يتدخلوا في اعتبارات قطر إعلامياً أو غير ذلك. كما أن الدوحة لم تتدخل في سياسات تلك الأحزاب وحكوماتها سواءً كانت سياسية أو إعلامية؛ وعليه فمن غير المقبول محاولة استثارة أو استقطاب القطريين وتوجيههم أو استخدامهم في حروب بالوكالة ببث الشائعات والمعلومات المغلوطة ضد وسائل إعلام ومشاريع أخرى غير حزبية محسوبة على قطر أو غير ذلك، فوعي المواطن القطري يفوق محاولات الاستقطاب كما تفوّق على الاستقطاب عندما تعرضت بلاده للحصار ولم يكن ملتفّا إلا حول قائده حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى -حفظه الله-.

كعبة المضيوم أكبر من أن تُظل مظلوماً دون غيره، فما بال البعض يقيم الدنيا على خلاف بسيط مع غير الإسلاميين وينسى بسببه ليس فقط السياسة والتحالفات، بل حتى الأخلاق في الخلاف الذي يريد البعض أن يجعله معركة مقدسة؟.

 

الراية القطرية

التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الإثنين، 10-08-2020 06:24 م
... قطر دولة صغيرة لها دور كبير في محيطها الخليجي والعربي والإسلامي والدولي، وتبحر في خضم عواصف وأنواء وتيارات مضادة، وسط ظروف إقليمية وعالمية بالغة التعقيد والصعوبة، ومراعاة مصالحها الداخلية لها الأولوية، وأوضاعها ونظمها الداخلية تمليها طبيعة خاصة بها، ودورها الخارجي على كل حال معلن ومعروف ومقدر، وتقدير المواقف بقدرها يصب في صالحها في الأمد الطويل، ورغم الآمال العريضة المنعقدة عليها فتحميلها فوق ما تحتمل ليس من الحكمة والحصافة، ولكن المقال يبدوا وكأنه رسالة خاصة وليس كمقال في وسيلة إعلامية عامة، حيث يشير فيها الكاتب لأمور غير معروفة للقارئ، وكان الأولى به عدم التعميم المخل وتوضيح ما الذي اعتبره تدخلاً، ومن هم البعض الذي يقيم الدنيا على خلاف بسيط مع غير الإسلاميين ويريد أن يجعلها معركة مقدسة، والقارئ العادي من حقه تقييم وإبداء الرأي فيما هو موجه إليه من آراء في الوسائل الإعلامية، والتعميم وغموض المعاني وإشاعة التشكيك قد يؤدي إلى سوء فهم وإلى الخلط بين العدو والصديق، وإضاعة الجهود في معارك جانبية غير مطلوبة.