هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال عالم الأنثروبولوجيا ويد دافيز، في الجزء
الأول من مقاله حول "تفكيك أمريكا"، إن فيروس كورونا المستجد، كوفيد-19،
ينذر بانتهاء العهد الأمريكي، بعد أن فقد 40 مليون مواطن هناك وظائفهم، وأغلقت 3.3
مليون شركة ومؤسسة أبوابها، بما في ذلك 41% من مشاريع يملكها السود.
وتاليا النص الكامل للجزء الأول من المقال:
لم يحصل من قبل أن مررنا في حياتنا بمثل هذه الظاهرة العالمية. فلأول مرة في تاريخ العالم، يلتئم شمل الإنسانية، وقد بلغها من العلم ما بلغها بفضل تقنيات التواصل الرقمية غير المسبوقة، لتصب جل اهتمامها على نفس التهديد الوجودي، وقد تمكنت منها نفس المخاوف واستولى عليها التوجس من المجهول، تتطلع بكل شغف نحو تحقيق علوم الطب ما تعهدت به من وعود.
في موسم واحد، جثت الحضارة الإنسانية على ركبتيها بعد أن أخضعتها جرثومة لا تراها العين المجردة لا يكاد يبلغ حجمها واحداً على عشرة آلاف من حجم حبة الملح. لا يهاجم كوفيد-19 أبداننا فقط، بل ويهاجم كذلك الأسس الثقافية التي تقوم عليها حياتنا، أدوات المجتمع والتواصل بين مكوناته، والتي تمثل بالنسبة للبشر ما تمثله المخالب والأنياب لحيوان مثل النمر.
حتى هذا اليوم، تركزت تدخلاتنا إلى حد كبير على التخفيف من معدل الانتشار، وتحقيق الاستواء في الخط البياني للتفشي. لا يلوح في الأفق علاج بعد، ولا حتى مطعوم، على الأقل في المدى المنظور. يذكر أن أسرع المطاعيم تطويراً كان اللقاح ضد النكاف (أبو كعب)، والذي استغرق التوصل إليه أربعة أعوام. فتك كوفيد-19 بمائة ألف أمريكي خلال أربعة أشهر، وثمة ما يدل على أن العدوى الطبيعية قد لا تعني حصول المصاب على المناعة، الأمر الذي جعل البعض يتساءلون حول مدى فعالية المطعوم، حتى لو افترضنا إمكانية التوصل إلى مطعوم، والذي ينبغي ضمان سلامته، لأنه لو أريد تحصين سكان العالم، فإن أي تعقيدات مهلكة تحصل في حالة واحدة ستعني وفاة محققة لملايين البشر.
للأوبئة والطواعين أسلوبها في تحويل مجرى التاريخ، ولا يكون ذلك دائماً بشكل يدركه مباشرة الناجون منها. في القرن الرابع عشر، قتل الموت الأسود ما يقرب من نصف سكان القارة الأوروبية. ونجم عن ندرة الأيدي العاملة ارتفاع الأجور، وبلغت التطلعات ذروتها في ثورة الفلاحين عام 1381، ووصل التضخم حينها إلى نقطة أضحت معلماً على بداية نهاية النظام الإقطاعي الذي هيمن على أوروبا العصر الوسيط لما يقرب من ألف عام.
وهكذا ستذكر الأجيال القادمة تلك اللحظة من وباء كوفيد في التاريخ، كحدث مفصلي لن تتجلى أهميته إلا بعد أن تنتهي الأزمة التي ولدها. سوف يكون علامة لهذه المرحلة بقدر ما كان اغتيال الدوق الأكبر فيردناند عام 1914 علامة، وبقدر ما كان انهيار سوق الأسهم عام 1929 علامة، وبقدر ما كان ارتقاء أدولف هتلر عام 1933 علامة، كل في وقته، على التحولات الكبرى التي شهدها القرن الماضي وما تمخض عن كل منها من تداعيات.
لا تكمن أهمية كوفيد التاريخية في تداعياته على حياتنا اليومية، وذلك أن التغيير هو الأمر الثابت حين يتعلق الأمر بالثقافة. جميع البشر في جميع الأماكن وفي جميع الأوقات هم في حالة بحث دائم عن فرص جديدة في الحياة. بينما تلغي الشركات أو تقلص من أحجام مكاتبها المركزية ويعمل الموظفون من بيوتهم، وتغلق المطاعم، وتقفل مجمعات التسوق الكبيرة، ويجلب البث عبر الإنترنيت إلى البيوت مختلف أنواع التسلية والتغطيات الرياضية، ويتحول السفر الجوي بشكل متزايد إلى عملية مضنية تبعث على التعاسة، ويتأقلم الناس، كما هو ديدنهم باستمرار. لربما كانت سيولة الذاكرة والقدرة على النسيان أكثر خصلة من خصال البشر هيمنة عليهم ومطاردة لهم، فهي التي تتيح لنا المجال لأن نتعايش مع أي درجة من درجات الهوان ننحط إليها اجتماعياً أو أخلاقياً أو بيئياً.
لنكن على ثقة بأن عدم اليقين المالي سيلقي بظلال ثقيلة بعيدة المدى. سوف يحلق في أجواء الاقتصاد العالمي لبعض الوقت الإدراك بأن كل المال الذي تملكه كل الدول على وجه المعمورة لن يكفي أبداً لتعويض الخسائر التي سيتم تكبدها عندما يتوقف العالم بأسره عن الحراك، وحينما تجد الأعمال والعاملون فيها في كل مكان أنها أمام واحد من خيارين، إما النجاة اقتصادياً أو النجاة بيولوجياً.
ولكن مهما كانت مقلقة هذه التحولات وهذه الظروف فإنها دون أن يحدث انهيار اقتصادي تام لن تشكل وحدها نقطة تحول في التاريخ. ولكن ما سيكون على وجه التأكيد نقطة تحول تاريخية هو التأثير المدمر للوباء على سمعة الولايات المتحدة الأمريكية وعلى موقعها في العالم.
في موسم مظلم من الوباء، بدد كوفيد الوهم القائل بوجود استثنائية أمريكية. ففي ذروة الأزمة، حينما كان يتوفى ما يزيد على ألفي مصاب كل يوم، اكتشف الأمريكيون أنهم مواطنون في دولة فاشلة تدير شؤونها حكومة عاطلة ومنعدمة الكفاءة تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية عن معدلات الوفاة التي أضافت خاتمة مأساوية لادعاء أمريكا بأنها حازت التفوق في العالم.
للمرة الأولى يشعر المجتمع الدولي بأنه مضطر لإرسال مساعدات إغاثية إلى واشنطن. فكما قالت صحيفة ذي آيريش تايمز، لما يزيد على قرنين من الزمن: "لم تكف الولايات المتحدة عن إثارة مختلف أنواع المشاعر لدي الناس في بقية العالم: حب وكراهية، خوف ورجاء، حسد وازدراء، هيبة وغضب. ولكن شعوراً واحداً لم يحصل أبداً أن توجه به الناس نحو الولايات المتحدة حتى اليوم، ألا وهو الشفقة". بينما جلس الأطباء والممرضون الأمريكان ينتظرون على أحر من الجمر وصول المواد الطبية الأساسية جواً من الصين، كانت مفصلة التاريخ تنفتح أمام القرن الآسيوي.
لن تجد إمبراطورية تعمر طويلاً، حتى لو لم يستشرف أفول نجمها سوى عدد قليل من الناس. فكل مملكة تولد لتموت. كان القرن الخامس عشر ملكاً للبرتغاليين، والقرن السادس عشر للإسبان، والقرن السابع عشر للهولنديين، وهيمنت فرنسا في القرن الثامن عشر وبريطانيا في القرن التاسع عشر. ورغم نزفها الشديد وإفلاسها بسبب الحرب العظمى، ظلت بريطانيا تتظاهر بأنها ما زالت في موقع السيادة حتى عام 1935، حينذاك كانت الإمبراطورية قد وصلت إلى حد التلاشي جغرافياً. في ذلك الوقت، انتقلت الشعلة إلى الأيدي الأمريكية.
في عام 1940، وبينما كانت أوروبا تشتعل، كان لدى الولايات المتحدة جيش أصغر من الجيش الذي كان لدى البرتغال أو حتى بلغاريا. ثم، وخلال أربعة أعوام من ذلك التاريخ، كان ما يقرب من 18 مليون رجل وامرأة يخدمون في القوات المسلحة الأمريكية، بينما كان الملايين سواهم يعملون في دوريات مزدوجة داخل المناجم والمصانع التي كونت لأمريكا، كما وعد ذات مرة الرئيس روزفيلت، ترسانة الديمقراطية.
وعندما استحوذ اليابانيون خلال ستة أسابيع من هجومهم على بيرل هاربر على 90 بالمائة من المطاط في العالم، فقد خفضت الولايات المتحدة السرعة في طرقاتها إلى 35 ميلاً في الساعة حماية للإطارات، ثم، وخلال ثلاثة أعوام، اخترعت من الصفر المطاط الصناعي الذي مكن جيوش التحالف من الزحف وسحق النازيين. في ذروته كان مصنع ويلو ران التابع لهنري فورد يعمل على مدار اليوم والليلة وينتج قاذفة من طراز ليبراتور B-24 كل ساعتين. وكانت مرافئ بناء السفن في لونغ بيتش وسوساليتو تنتج السفن من طراز ليبرتي بمعدل اثتنين في اليوم على مدى أربعة أعوام، بينما كان الرقم القياسي لبناء السفينة الواحدة من هذا النوع أربعة أيام وخمس عشرة ساعة وتسعا وعشرين دقيقة. وكان مصنع أمريكي واحد، وهو ديترويت آرسينال التابع لشركة كرايزلر يصنع من الدبابات أكثر من كل ما كان ينتجه الألمان.
وبعد الحرب، وبينما كانت أوروبا واليابان محطمتين، كانت الولايات المتحدة، والتي لم يكن تعداد سكانها يزيد على الستة بالمائة من سكان العالم، تملك نصف الاقتصاد العالمي، بما في ذلك إنتاج 93 بالمائة من جميع السيارات في العالم. ولدت من رحم هذه الهيمنة الاقتصادية طبقة وسطى نشطة، وحركة اتحادات نقابية أتاحت الفرصة أمام معيل وحيد حظه من التعليم محدود أن يمتلك بيتاً وسيارة ويوفر لعائلته احتياجاتها ويلحق أطفاله بمدارس جيدة. لم يكن بأي حال عالماً مثالياً ولكن الثراء سمح بإحلال هدنة بين رأس المال والعمل، وبتبادل الفرص في زمن النمو السريع وتراجع انعدام المساواة في الدخل، زمن كان من معالمه فرض ضرائب عالية على الأثرياء، الذين لم يكونوا بأي حال المستفيدين الوحيدين من العصر الذهبي للرأسمالية الأمريكية.
إلا أن الحرية والثراء لم يكونا بلا ثمن. كانت الولايات المتحدة عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية أمة غير معسكرة تقريباً، ثم لم تعد تسرح جنودها بعد أي نصر تحققه. حتى هذا اليوم، تنتشر القوات الأمريكية في مائة وخمسين بلداً. منذ سبعينيات القرن الماضي لم تخض الصين حرباً واحدة بينما لم تقض الولايات المتحدة يوماً واحداً في سلام. وقد لاحظ مؤخراً الرئيس جيمي كارتر أن أمريكا في تاريخها الممتد على 242 عاماً لم تنعم سوى بستة عشر عاماً من السلام، ما جعلها، كما كتب، "الأمة الأكثر حربية في التاريخ". لقد أنفقت الولايات المتحدة منذ عام 2001 ما يزيد على الـ6 تريليونات دولار على العمليات العسكرية وعلى الحرب، وكان يمكن أن تستثمر هذه الأموال على البنية التحتية داخل البلاد. في هذه الأثناء انشغلت الصين في بناء بلدها، وتسكب من الإسمنت كل ثلاثة أعوام أكثر مما سكبته أمريكا طوال القرن العشرين.
وبينما انهمكت أمريكا في ممارسة دور الشرطي حول العالم ارتد العنف عليها في الداخل. في يوم السادس من يونيو/ حزيران 1944، يوم إنزال الحلفاء قواتهم على سواحل نورماندي، كانت حصيلة عدد قتلى الحلفاء 4414، وهو نفس عدد الأمريكيين الذين سقطوا حتى نهاية إبريل/ نيسان في عام 2019 بسبب العنف الناجم عن استخدام السلاح محلياً. وبحلول يونيو/ حزيران من ذلك العام كانت الأسلحة التي بأيدي الأمريكيين العاديين قد تسببت في إصابات يفوق عددها تلك التي تكبدها الحلفاء في نورماندي في الشهر الأول من الحملة التي استهلكت القوى العسكرية لخمس دول.
أكثر من أي بلد آخر في العالم، احتفت الولايات المتحدة ما بعد الحرب بالفرد على حساب المجتمع وعلى حساب العائلة. وكان ذلك المكافئ الاجتماعي لشطر الذرة. ما تم اكتسابه من حيث القدرة على الحركة وممارسة الحرية الفردية جاء على حساب الغاية المشتركة. في مساحات شاسعة داخل أمريكا، فقدت العائلة مكانتها كمؤسسة. وبحلول الستينيات من القرن الماضي كانت 40 بالمائة من الزيجات تنتهي بالطلاق. وستة بالمائة فقط من البيوت الأمريكية يعيش بداخلها وتحت نفس السقف الأجداد والأحفاد، فقد تم التخلي عن كبار السن الذين انتقلوا للعيش في بيوت التقاعد (بيوت المسنين).
تحت شعارات مثل 24/7 احتفالاً بالتكريس الكامل لمكان العمل، أنهك الرجال والنساء أنفسهم في وظائف لم تعد عليهم إلا بمزيد من العزلة عن عائلاتهم. في المعدل، يقضي الأب الأمريكي أقل من عشرين دقيقة في اليوم في التواصل المباشر مع ابنه أو ابنته. وحين يصل الفتى أو الفتاة سن الـ18 عاماً يكون الواحد منهم قد قضى عامين كاملين في مشاهدة التلفزيون أو في التأمل في شاشة اللابتوب، ما يساهم في وباء البدانة الذي أطلقت عليه هيئة الأركان عبارة "أزمة أمن قومي".
نصف الأمريكيين فقط يقولون إنهم يمارسون نشاطاً اجتماعياً يومياً ذا معنى وجهاً لوجه، بينما تستهلك الأمة الأمريكية ثلثي إنتاج العالم من العقاقير المعالجة للاكتئاب. ويتحمل انهيار العائلة في الطبقة العاملة جزئياً المسؤولية عن أزمة أفيونية حلت محل حوادث السيارات كسبب رائد من أسباب الوفاة بين الأمريكيين دون سن الخمسين عاماً.
يكمن هذا التحول وذلك الانحطاط في الهوة الآخذة في الاتساع بين الأمريكيين الذين يملكون والأمريكيين الذين لا يملكون إلا القليل أو لا يملكون شيئاً على الإطلاق. ما من شك في أن التباين في المستوى الاقتصادي موجود في كل البلدان، ويؤدي بالنتيجة إلى توتر يمكن أن يكون معطلاً بقدر ما يمكن لانعدام المساواة أن يكون ظالماً. ولكن في أي وضع من الأوضاع، تخف وطأة القوى السلبية التي تعمل على تمزيق المجتمع، أو قد تخمد، بفضل العناصر التي تعمل في المقابل على تعزيز التضامن الاجتماعي، مثل المعتقد الديني والعائلة بما توفره من منعة وراحة، والافتخار بالتراث والتقاليد، والإخلاص للوطن، والإحساس بروح المكان.
ولكن عندما يثبت أن كل اليقينيات القديمة باتت أكاذيب، وعندما يتحطم الوعد بحياة كريمة لعائلات الطبقة العاملة إذ يجري إغلاق المصانع ويقوم أصحاب المشاريع التجارية، الذين تنمو ثرواتهم يومياً، بتصدير الوظائف إلى الخارج، فإن العقد الاجتماعي ينفصم ويتصدع بشكل لا قبل لأحد برأبه من جديد. على مدى جيلين، احتفلت أمريكا بالعولمة بشكل كثيف، بينما، وكما بإمكان أي رجل أو امرأة من الطبقة العاملة أن يرى، لم يكن ذلك سوى رأس المال يتجول بحثاً عن موارد بشرية أقل تكلفة وأيدِِ عاملة أرخص.
لعدة سنوات، لم يفتأ اليمين المحافظ في الولايات المتحدة يشده الحنين إلى الماضي والعودة إلى خمسينيات القرن العشرين، إلى أمريكا التي لم تكن يوماً، ولكن كان لا بد من افتراض وجودها لترشيد ذلك الإحساس بالضياع والإهمال، والخوف من التغيير، والامتعاض المر والازدراء المتواني للحركات الاجتماعية في ستينيات القرن العشرين، ذلك العهد الذي كان مفعماً بالتطلعات، تطلعات النساء والمثليين والملونين. وواقع الأمر أن البلد كانت في خمسينيات القرن الماضي، على الأقل من الناحية الاقتصادية، تشبه الدنمارك بقدر ما تشبه أمريكا في الوقت الحالي. كانت معدلات الضريبة الهامشية للأثرياء تسعين بالمائة، وكانت رواتب كبار المدراء، في المتوسط، عشرين ضعف ما كانت عليه رواتب من كانوا يعملون دونهم في المراتب الإدارية الوسيطة.
أما اليوم، فيصل الراتب الأساسي لمن يحتلون المناصب الإدارية العليا إلى 400 ضعف ما يتقاضاه الموظفون الذين يعملون تحت إمرتهم، وكثيرون يحققون مكاسب أكبر على شكل أسهم ومنافع أخرى متنوعة. تتحكم نخبة نسبتها واحد بالمائة من الأمريكيين في ما يقرب من 30 تريليون دولار من الممتلكات، بينما نصف الشعب من ذوي الدخول الأدنى يحملون على كواهلهم من الديون أكثر بكثير مما يملكون. أغنى ثلاثة أثرياء في أمريكا لديهم من المال أكثر مما يتوفر لدى 160 مليون من مواطنيهم. ما تملكه خُمس العائلات الأمريكية تقريباً قيمته صفر أو بالسالب، وترتفع النسبة لتصبح 37 بالمائة بالنسبة لعائلات السود. متوسط ما تملكه عائلات السود لا يزيد على عُشر ما تملكه العائلات البيضاء، والأغلبية العظمى من الأمريكيين، بيضا وسودا وملونين، لا يبتعد الواحد منهم عن الإفلاس إلا بمقدار راتبين، وعلى الرغم من العيش في بلد يحتفي ويفتخر بأنه الأغنى في التاريخ، إلا أن معظم الأمريكيين يعيشون معلقين على حبل مرتفع ولا يوجد دونه شبكة حماية لوقايتهم من عواقب السقوط.
مع أزمة كوفيد، فقد أربعون مليون أمريكي وظائفهم، وأغلقت 3.3 مليون شركة ومؤسسة، بما في ذلك 41 بالمائة من المشاريع التي يملكها سود. وعلى الرغم من أن الأمريكيين السود لا يتجاوز تعدادهم الـ13 بالمائة من التعداد الكلي للسكان، إلا أن أعداد من هم في السجون منهم تتجاوز بشكل كبير أعداد البيض. ويعاني السود أيضاً من معدلات تفشي صادمة في ارتفاعها، ونسبة الوفيات بينهم تصل تقريباً إلى ثلاثة أضعاف وفيات البيض من الأمريكيين. هناك قاعدة أساسية في السياسة الاجتماعية الأمريكية، مفادها عدم السماح لأي جماعة عرقية بأن تنحط إلى ما دون السود، أو عدم السماح لأي شخص بأن يعاني من الإذلال أكثر مما يعانيه السود. تجلت هذه القاعدة في زمن تفشي الوباء، كما لو أن هذا الفيروس يستلهم لنفسه نموذجاً من التاريخ الأمريكي.
رولينغ ستونز
6 آب/ أغسطس 2020
اقرأ أيضا الجزء الثاني: عالم أنثروبولوجيا يتحدث عن كورونا وانتهاء عهد أمريكا (الجزء2)