إن ما نواجهه اليوم من هجمة شرسة على صحيح السنة وهويتنا الإسلامية، تتمثل في الحجم الهائل للأحاديث المنسوبة كذبا إلى النبي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، والتي يتم تداولها بعدة لغات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام، تمثل للعيان التعمد في استهداف السنة المطهرة بشكل احترافي مؤسسي وممنهج، وباستخدام أحدث التقنيات المتقدمة من علوم البيانات والذكاء الاصطناعي.
لقد أصبح من اليقين، عند المتأملين لهذه الهجمة المنظمة، وقوف مؤسسات وأفراد، ولا أبالغ إن قلت دولا معروفا توجهها وأهدافها، والتمويل المفتوح وغير المحدود الداعم لها.
ولقد زاد من شراسة هذه الهجمة المعلوماتية المنظمة افتقاد المؤسسات والعلماء والأفراد المؤهلين والمدافعين عن صحيح السنة إلى الأدوات
الحديثة، التي تعتمد التقنيات الحديثة، وأهمها علوم البيانات والذكاء الاصطناعي.
وهنا تجدر بنا الإشارة إلى أن مواقع "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب" و"إنستغرام"، والمنتديات بشكل عام على الإنترنت، هي أكثر الأماكن انتشارا للأحاديث الموضوعة والمكذوبة، والتي تشوّه صحيح الدين عند الغرب وعند النشء والأجيال القادمة.
ورغم وفرة العلماء المسلمين في تخصص المعلوماتية، وتفرد الكثير منهم في البحوث التطبيقية لهذه العلوم التقنية، إلا أن عدم وجود العمل المؤسسي والرعاية لهم، وعدم توفر الوعي لدى الداعمين والمختصين بأهمية هذه التطبيقات، وندرة التمويل.. كل ذلك أدى الى انشغال هؤلاء العلماء بالعمل في الشركات التقنية لصالح الدول الغربية وأولوياتها، وبالتالي عدم وجود تطبيقات وأدوات ونظم مبنية على التحليل والاستنباط الآلي، متخصصة في الحديث، تمكن الباحثين وعلماء الحديث من سهولة التحقق والضبط والتحليل والرد على التشويه والهجمة المعلوماتية ضد السنة.
ولا أبالغ حين أقول إننا نواجه هذه الأيام حربا شرسة غير متكافئة على هويتنا وإرثنا الحضاري والفكري، بعد خسارتنا لمعركة الاقتصاد والتفوق العسكري لصالح الغرب. فبالرغم من تنوع محتوى السوشيال ميديا، إلا أن المغالطات الدينية نالت نصيب الأسد، كما خلصت إليه إحدى دراسات الجامعة المشهورة (MIT) عن محتوى الإنترنت بين عامي 2012 و2019.
وخلصت الدراسة إلى أن المتلقي نفسه أحد أهم أسباب انتشار الأكاذيب، من حيث جهله بالمحتوى الحقيقي وقابلية إثارة مشاعره والبروباغندا تحت المسميات مغلوطة، كما يحدث في عالمنا الإسلامي تحت مصطلح التجديد الديني.
كما خلصت الدراسة إلى أن الهدف الأساسي من نشر المغالطات هو تحقيق مآرب سياسية أو مصالح اقتصادية كبرى من تشويها للآخر وثقافته.
ويقف علماء الحديث ومؤسساتهم منذ القدم كالجبال الرواسي للدفاع عن السنة المطهرة، ولكن في العصر الحديث وفي ظل الانفتاح وعصر الإنترنت، أصبحت الحاجة الماسة لدعمهم بأدوات سهلة ومتقدمة، كتلك التي تمكنهم من الرد المتزامن آليا على صفحات الإنترنت وبلغات عدة، لمجابهة هذه الهجمة المشبوهة ضد السنة وهويتنا بشكل عام.
ورغم مرونة وسهولة استخدام محركات البحث المتوافرة، مثل غوغل وغيره، إلا أنها ترتبط بأوجه قصور عديدة في حال قضايا التحقيق للمحتوى. فترتيب نتائج البحث لا يعتمد فقط على مدى تشابه كلمات البحث مع نتائج البحث، بل على شهرة الصفحات الواردة في نتائج البحث ومدى ترابطها مع صفحات أخرى، وبالتالي فنحن عرضة لوضع أولويات لصفحات خبيثة وغير مؤتمنة على الإنترنت.
كذلك التحيز من قبل هذه المحركات لمحتوى معين دون آخر، بمعنى أنه ما ينشر مبكرا يظهر في نتائج بحث أكثر مع مرور الزمن مقارنة بمحتوى تمت إضافته حديثا (مع افتراض أن كلا من الجديد والقديم يتوافق مع الكلمات الواردة في البحث).
وأخيرا، وليس آخرا، طبيعة علوم الحديث التي تحتاج محركات داعمة لهيكل شبكة الإسناد عالي الأبعاد (فوق ثلاثية الأبعاد ومن الصعب تصور بعد للشبكة)، وهو غير متوافر أيضا في هذه المحركات، حيث هيكل بيانات النصوص المقروءة التي تدعمها هو الخطي فقط (بمعنى النص يكتب بكلمات من اليمين إلى اليسار بترتيب معين على شكل خط).
وأختم مقالي، وهو المقال الأول في هذه السلسلة، بالإشارة إلى بعض الاحتياجات والمكونات الأساسية التي قد تساهم علوم البيانات التطبيقية والذكاء الاصطناعي في استحداثها في إطار بناء مشروع متكامل للدفاع عن السنة المطهرة، وهي كالتالي: تطوير البصمة المعرفية للنبي الحبيب محمد صلي الله عليه وسلم، استحداث قاعدة بيانات هيكلية للأحاديث وإسنادها ومتونها كما جاءت في أشهر الصحاح. كذلك، استحداث مستودعات معرفية رقمية للرواة ومصفوفة الثقة الخاصة بهم بشكل ذكي وتفاعلي، وهناك الاحتياج للأدوات التي تعظم الاستفادة من خوارزميات المعالجة الآلية للنصوص لتقييم المحتوى (المتن)، وأخيرا، تقنيات تصويرية تفاعلية لتسهيل الاستخدام وجعله شيق وفعال.
وإن شاء الله تعالى، سوف أتناول في المقالات التالي بالتفصيل هذه المكونات ورؤية المشروع العام الذي أطرحه للدفاع عن صحيح السنة المطهرة، كمقدمة لتأسيس تخصص تقني للدفاع عن السنة المطهرة.