هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "فورين أفيرز" مقالا
للباحثين علي رضا إشراقي وأمير حسين مهدوي عن إمكانية سيطرة الحرس الثوري على
إيران، وتساءلا إن كان لدى الحرس القدرة الكافية على حكم البلاد.
وجاء في المقال الذي ترجمته
"عربي21"، أن هنالك مقولة تنتشر في الشارع الإيراني تتحدث عن شفط السلطة
من الرأس للقدم، أي من الرجال المعممين إلى أصحاب البساطير العسكرية.
والبرلمان الإيراني الجديد يقدم أحسن
دليل، فرئيسه محمد باقر قاليباف كان جنرالا في الحرس الثوري. كما أن نسبة ثلثي
مجلس البرلمان هم من الأعضاء السابقين أو الذين لا يزالون على صلة مع الحرس
ومنظماته المساعدة الكثيرة.
ويضيف المقال أن تكهنات سيطرة الحرس
على الحكومة الإيرانية قائمة منذ وقت، وتنبأ بها محللون في أمريكا وإيران. ومن هنا؛ فالخطوة المقبلة لتحقيق
السيطرة هي مرشح له في الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2021. فالجمهورية
الإسلامية هي دولة تراتبية تدير شؤونها اليومية مؤسسات منتخبة، ولكن في ظل المكتب القوي لمرشد الثورة آية الله
علي خامنئي الذي تتلقى منه الكلمة النهاية، وهي المؤسسات العسكرية والأمنية بما
فيها الحرس الثوري.
وحاول الإصلاحيون على مدى عقدين من
الزمان تعزيز قوة المؤسسات المنتخبة ضد الدولة الموازية. واكتشفوا الآن فشل
مشروعهم وباتوا يحضرون لقادة من الدولة الموازية، يقومون بغزو المؤسسات المنتخبة
ويعززون السلطة لأنفسهم.
اقرأ أيضا: روحاني: ظروف كورونا بإيران تشبه سنوات الحرب مع العراق
ولا تعتبر فكرة تولي حكومة عسكرية في
إيران نتيجة مفروغا منها، ولكنها تبدو محتملة وبشكل متزايد؛فقد سئم الإيرانيون من
السياسة الحزبية التي فاقمت المشاكل، وقتلت العقوبات الأمريكية الطاقة في الاقتصاد
الوطني وانخفضت القدرة الشرائية للإيرانيين إلى ثلثي ما كانت عليه قبل عقدين. وأدت
كرامة إيران الجريحة، وحنق الإيرانيين من حرمانهم التمتع بالمكانة الدولية التي
يستحقونها، إلى ظهور نوع من القومية الجديدة.
ويبدو أن الرئيس الإصلاحي حسن روحاني لم يحقق الكثير في السياسة المحلية والخارجية وعجزت حكومته أمام وباء فيروس
كورونا.
وأدت رسائله المتضاربة عن الفيروس
لإرباك الرأي العام بل وانتقادات من المرشد. وبالمقارنة فقد بدت سيطرة الحرس
الثوري قوية وتزداد. ولكن حقيقة النجاح قد يمنع من وصوله إلى مرتبة حارس الدولة.
وأصبح الحرس الثوري محل اهتمام محلي
ودولي بعد سيطرته على الحكومة المنتخبة، وبدأ إعلام التيار الإصلاحي بنشر ورصد ونقد الحرس الثوري. وردا على هذا، قرر إنشاء آلته الإعلامية
التي حاولت السيطرة على السرد ونشر صورة مبالغة عنه.
ويقدم الحرس نفسه كعلاج لأمراض الأمة مع أنه
المساهم الأكبر في المشكلة؛ فنشاطاته الإقليمية تمنع منظور تنمية مستدامة في داخل البلد.
ففي ظل العقوبات الأمريكية وسع الحرس
من التجارة السرية التي أنتجت نخبة فاسدة من "تجار التهريب". كما ويمنع
الحرس الثوري الحكومة من تجنيد الخبراء الذين يعتبرهم غير مناسبين سياسيا. ويعرقل
في الوقت ذاته مشاريع وبرامج الحكومة في أي وقت يشاء.
وبشكل مواز، تقوم آلته الدعائية بنشر
بيانات تلقي اللوم فيها على الساسة والمؤسسة البيروقراطية. وكان الحرس يشوه سمعة
فريق روحاني الذي عادة ما يصنفهم بالمتنازلين والعاجزين والمؤيدين للغرب. ولكنه
يلوم اليوم كل الطبقات السياسية بكل ألوانها.
واستثمر الحرس في العقد الماضي وبشكل كبير من أجل إعادة كتابة
التاريخ وتقديم رؤية تصحيحية له، وقدم في هذا الاتجاه أفلاما روائية ووثائقية ومسلسلات تلفزيونية، حاولت جذب الشباب ممن لم يعرفوا أو يشهدوا
الثورة الإسلامية عام 1979 وما بعدها.
وتقدم الآلة الإعلامية رواية عن الحرس
الثوري الذي يقف مع الناس وقاتل دفاعا عن البلاد، في وقت كانت فيه النخب السياسية
تتصارع فيما بينها، وتصرفت في معظم الحالات ضد المصالح القومية.
وفي شؤون اليوم والساعة، يقدم الحرس
نفسه بأنه الحامي الحقيقي للبلاد والقوة التي هزمت تنظيم الدولة، ومنعت
الأجانب و"عملاءهم المخربين" من
اختراق البلاد وتخريبها، ويتباهى بقدراته التكنولوجية.
وحتى في مجال التبرعات والعمل الخيري، روج الحرس الثوري لأعماله في مواجهة الوباء وتقديمه المساعدات الغذائية لأكثر من 3.5 مليون عائلة محرومة في إيران.
وقال؛ إن "معسكرات
الجهاد" تعاونت مع تنظيم نشاطات
اجتماعية لمساعدة المحرومين. في وقت تتساءل فيه منظمات المجتمع المدني عن عمق
وتأثير تدخل الحرس الثوري. لكن لديه آلة دعائية قوية أكثر من غيره.
كل هذا لا يخفف من صورة الحرس الثوري
كجهاز للعنف والقمع، فلا يزال أبناء الطبقة المتوسطة الليبراليون، يذكرون قمعه في
عام 2009 أو ما عرف بالثورة الخضراء، وكذا
القمع الذي مارسه الحرس الثوري العام الماضي ضد الذين احتجوا على الأوضاع الاقتصادية.
فالحرس الثوري يرغب أن يولد الحب
والخوف في الوقت نفسه حسب ميكافيلي، ولو لم يتحقق هذا فسيحاول الحرس دفع النخبة الاقتصادية
والثقافية للتعاون معه. ورغم ما يقال عن قوته الاقتصادية، إلا أن الأرقام الموثوقة
عن حجم دوره ليست متوفرة. ففي دراسة وثقت نشاطاته حتى عام 2014 وجدت أنه وغيره من
الجماعات الموازية للدولة، لا تملك حصة الغالبية في أكبر 22 قطاعا اقتصاديا في إيران.
لكن العلاقة بين الملكية والتحكم شيئان
مختلفان في النظام الاقتصادي للبلد؛ فالشركات التي يملكها علمانيون توظف أشخاصا
ومدراء على صلة بالحرس لكي تسهل أعمالها، وينشئ الحرس شركات وهمية للعمل من خلفها.
وبهذه الطريقة، أصبح الحرس أهم موظف في
الدولة وأضخم متعهد في مشاريع البناء، لكنه لا يملك الخبرات والقدرات المالية
لإدارة الشركات متعددة الجنسيات والبنوك وبناء السفن وصناعة البتروكيماويات. ولهذا؛ يعمل قطاع كبير من النخبة البرجوازية العلمانية إما كمتعهدين فرعيين أو مباشرة مع
المنظمة العسكرية.
وبالمقام نفسه، لم تكن النخبة الثقافية
تفكر قبل عقد للعمل في مشاريع تعود للحرس الثوري، وكان هذا محرما. ولم يعد كذلك،
فالمخرج المعروف مسعود كيميائي الذي ظلت أفلامه قبل الثورة متداولة ومعبودة
للجماهير، عمل قبل فترة مع منتج له علاقة
مع الحرس الثوري.
وكذا المخرج محمد حسين مهدفيان الداعم
الكبير لروحاني، عمل على أفلام نالت جوائز مع شركات متعاونة مع الحرس. وهذا لا يعني أن الحرس لديه القدرة على الحكم، فالجهاز التنفيذي لا يزال يسيطر على المؤسسات ويحدد الميزانية، كما أن الحرس
متشرذم داخليا وغير منضبط.
وبرز التوتر بين قادته في أثناء الحرب الإيرانية
العراقية، وغادر عدد من القادة في الثمانينيات والتسعينيات وبداية القرن الحالي، وأصبحوا من دعاة الإصلاح.
ويلاحظ الباحثون اليوم أزمة جيل بين
الشباب والشيوخ في الحرس، وأن الشباب منقسمون على أنفسهم. كما لم تغير مساعدة
الحرس الناس في الأزمة من صورته. وبعد مقتل الجنرال قاسم سليماني تعاطف الناس معه
لفترة، ليتبدد بعد إسقاط الطائرة الأوكرانية. ولا يزال الحرس يهدد المعارضين ويزرع
الخوف. وفي الوقت الحالي، قوة الحرس السياسية نابعة من ضعف معارضيه والأيديولوجية
لا تعني القدرة على الحكم. وسواء كان الحرس راغبا بالحكم يظل سؤالا معقدا.