صحافة دولية

كتاب يسلط الضوء على عمارة المسلمين التي سرقها الغرب

تحاول إسبانيا جاهدة طمس المعالم الإسلامية فيها - جيتي
تحاول إسبانيا جاهدة طمس المعالم الإسلامية فيها - جيتي

قال الكاتب "فوغان هارت" في مقال له حول كتاب جديد عن التأثر الغربي، بل والسرقة من الإرث الإسلامي المعماري، إن التأثير الإسلامي في الإرث الثقافي الأوروبي موضوع شائك. فالتعصب المسيحي، وتفضيل الأكاديميين للمصادر الغربية، ومؤخرا الإسلاموفوبيا، كلها تؤدي دورا في حجب دوره. 

وفي المقال المنشور بموقع "ميدل إيست آي"، وقد ترجمته "عربي21، قال هارت؛ إنه من المفاجئ أن نعلم أن الأتراك "عملوا خياطين، وإسكافيين وصانعي أزرار وحتى محامين في لندن في عهد إليزابيت، وبنهاية القرن السابع عشر كانت التجارة مع تركيا تشكل ربع مجمل النشاط التجاري الإنكليزي مع الخارج، ولم يقتصر نشاط (ليفانت كومباني) على التجارة، بل كانت ترسل إلى الوطن تقارير عن آيا صوفيا، وغير ذلك من العجائب التي كان أعضاء الجمعية الملكية مثل كريستوفر رين يتلقفونها بشغف".


ولفت إلى أنه من المحزن أنه بسبب الصراعات الأخيرة غدت كثير من المواقع الثقافية في الشرق الأوسط وبشكل متزايد وأكثر من أي وقت مضى غير متاحة للغربيين، الأمر الذي أضاف إلى الانطباع المعاصر حول "الآخر"، انطباعا حول الفن والمعمار الإسلامي.


وعن الكتاب الجديد لديانا دارك بعنوان "النهب من العرب المسلمين" قال هارت؛ إنه يذكرنا بالتداخل والترابط التاريخي الثري بين الشرق والغرب، ومدخلها إلى الموضوع هو "رين" وتأكيده – الذي لم يكن فريدا من نوعه حينها – أن المعمار القوطي لم يكن من إبداع القوطيين الغلاظ، وإنما من إبداع العرب المسلمين الذين كانوا أرقى وأحذق منهم بكثير.


وتابع بأن ذلك الطراز المعماري انتقل إلى أوروبا عبر الصليبيين، غير أنه لم يأت على ذكر إسبانيا بتاتا كواحدة من الممرات الرئيسية. انطلقت دارك في مسعاها لإثبات أن رين كان مصيبا في تعرفه على الأنماط الشرقية المبكرة في الأشكال المعمارية القوطية. وأهم ما فيها أنماط القوس المدبب ذي الورقة الثلاثية، ولكن نوافذ الوردة والمنور، والأبراج الثنائية، معروفة أيضا.

 

Embed from Getty Images

(مسجد قرطبة - إسبانيا)


وبينما تبقى إلى حد بعيد محجوبة عن النظر شخصيات أولئك الصليبيين والتجار والحجاج والدبلوماسيين الذين شكلوا وسائل هذا النقل الثقافي، فإن المباني التي تحمل هذه السمات في سوريا وفي غيرها تظهر للعيان بكل وضوح. تستفيد دارك من كونها قامت فعليا بزيارة تلك المواقع، بما في ذلك ما يسمى بالمدن الميتة في شمال سوريا، التي ترى بأن كنائسها كانت الأصل الذي نسخت عنه كنائس أوروبا الرومانية.


وتابع المقال: "ينهج الكتاب ترتيبا زمنيا. ومن خلال التركيز على سوريا، فإنه ينتقل من حقبة العمار المسيحي ما قبل الإسلام إلى الإمبراطورية الإسلامية الأولى، التي تتضمن العهد الأموي (661-750).

 

كما تلاحظ دارك، أن الدخول الإسلامي لإسبانيا من القرن الثامن وحتى عام 1492 تعرض للشطب بشكل تام من التاريخ الإسباني".


وعلى الرغم من أن مئات الآلاف من السياح يزورون إشبيلية وغرناطة وغيرهما من مدن الأندلس كل عام، تخلص دارك إلى أن "الإسبان لا يبدون راغبين في الاحتفال بماضيهم المسلم". لقد تم تحويل معالم عمران تلك الفترة التي مازالت قائمة، مثل مسجد قرطبة، إلى مبان مسيحية، ولم يبق ليشير إلى أصلها سوى شكلها.


و"خذ على سبيل المثال مئذنة مسجد قرطبة التي حولت إلى برج ناقوس. يتم تسليط الضوء على أوجه التشابه المثيرة للاهتمام بين سمات المسجد وسمات قصور الصحراء الأموية والمسجد الأموي في دمشق".

ونسجا على عمل مؤرخة المعمار ديبورا هوارد، تنظر دارك في التأثير الذي لا يمكن إنكاره الذي كان للعالم الإسلامي على البندقية، التي تعتبرها هي والمواقع الإيطالية الأخرى مثل أمالفي "معابر إلى أوروبا" مر من خلالها النفوذ الإسلامي. واجهة كاتدرائية القديس أندرو في أمالفي هي واحدة من عدد من المباني التي تعتبر حجارتها المخططة بالأبيض والأسود وأقواسها المدببة، إلهاما سوريًّا.

 

Embed from Getty Images

(كنيسة القديس أندرو - إيطاليا)

ينتهي الكتاب بقسم حول نجاة الأنماط التي تنسب إلى العمار العربي والإسلامي، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، وأشهرها على الإطلاق، رغم عدم ذكره ههنا، هو كاتدرائية ويستمنستر في لندن، التي شيدت في مطلع القرن العشرين على النمط البيزنطي الجديد.

مؤهلات رائدة

ويتمحور الكتاب حول تأكيد رين الأصل العربي للعمار القوطي. إلا أن رين لديه أسبابه الشخصية لمثل هذا الزعم، فقد كان يعرف القليل جدا حول المباني العربية.

الشيء الأكثر أهمية بشأن هذا الكتاب، هو تعرفه على الأشكال التي سبقت العمار القوطي في المباني الموجودة في سوريا والمناطق المحيطة بها. بفضل السنوات الكثيرة التي أمضتها دارك وهي تزور تلك المباني التي غدت الآن مقطوعة لا يمكن الوصول إليها، هو الذي جعلها مؤهلة جدا لنقل هذه التفاصيل إلى القراء.


ولا تجد رين حرجا في الاعتراف في الخلاصة أن مقارنتها بين مئذنة دمرت مؤخرا في حلب وبرج إليزابيث في قصر ويستمنستر المعروف باسم بيغ بن، ربما أثارت الدهشة والاستهجان، إذ بدون دليل على وجود أي تأثير مباشر، فقد يكون لتلك المقارنة دور في تشتيت الانتباه قليلا عن حجتها، ومع ذلك فإن اللغة التي صيغ بها هذا الكتاب مفعمة بالحماس والقوة.

 

Embed from Getty Images

(برج إليزابيث - بيغ بين)

ولا تغيب في الخلفية صورة الصراع المأساوي في سوريا، حيث تذكرنا دارك بما حل من دمار بتلك المباني نفسها التي كانت رائدة في تشكيل أنماط العمار في الحضارة الغربية التي تعتز بها. يستحيل على المرء ألا ينطلق مع سردية دارك ويستمتع بالرحلة التي تصحب القراء فيها عبر المباني الإسلامية الضائعة في إسبانيا، إلى الكنائس المهجورة في سوريا.

التعليقات (0)