قد تبدوا الفقرة التالية من الإعلان الإسرائيلي
الأمريكي الإمارات المشترك بريئة بل قد فسرها البعض أنها إيجابية. إلا أن المدقق
في الأمور سيكتشف السم الإسرائيلي.
تقول الفقرة "كما هو الأمر موضح في الرؤية
للسلام فان كل المسلمين الذي يأتون بسلام ممكن لهم الزيارة والصلاة في المسجد
الأقصى والأماكن المقدسة الأخرى التي يجب أن تبقى مفتوحة للصلاة المسالمة للمؤمنين
من كل الأديان."
قد يسأل المرء ما الخطأ في هذه الجملة وأين
السم؟
أولا وقبل كل شيء يجب أن نسأل ما علاقة زيارة
المسلمين لمسجدهم في موضوع التطبيع؟ مئات الآلاف من المسلمين من كافة أنحاء العالم
ومنهم من الخليج زاروا الأقصى قبل أن تكون أحد أصغر الدول العربية عددا (مواطني
الإمارات أقل من مليون) طبعت العلاقة مع إسرائيل.
ثم لماذا تم اقحام "رؤية السلام" في
هذه الفقرة. لمن لا يعرف فإن "رؤية السلام" هي الإعلان الأمريكي أحادي
الجانب الذي أعلنه الرئيس الأمريكي ترمب المتحيز لإسرائيل والمعروف بصفقة القرن.
فهنا نجح الأمريكان وإسرائيل بتوثيق تأييد دولة الإمارات العربية المتحدة لإعلان
صفقة القرن. طبعا الكل يعرف ان سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة حضر الإعلان
المشؤوم في واشنطن شهر كانون ثاني الماضي ولكن الان اصبح الامر ملزماً.
طبعا السم ليس فقط في الإلزام المجاني لصفقة
القرن ودون التنسيق مع القيادة الفلسطينية ولكن فيما يتعلق بالحرم القدسي الشريف
حيث نجحت إسرائيل في ادخال تغيير إضافي على الوضع القائم للحرم القدسي الشريف
والذي يفصل المسجد الأقصى عن الحرم الشريف.
للتوضيح فقد فهمت إسرائيل إبان حرب عام 1967
انها لا تستطيع بليلة وضحاها ان تغيير معالم وأسس الوضع القائم منذ قرون ولذلك
التزمت شفويا باحترام الوضع القائم ولكنها كانت تستغل كل فرصة وكل مشكلة لإجراء
تغيير تدريجي الأمر الذي كان أحيانا ينتج عنه احتجاجات ومظاهرات عارمة في الأقصى
وفي القدس وأحيانا كما في الانتفاضة الثانية عام 2000 في كل فلسطين. ولكن سرعان ما
تهدأ الأمور وتسجل إسرائيل تغيير ولو قليل.
فمثلا بعد انتفاضة الاقصى والتي تلت اقتحام
شارون الاستفزازي للأقصى في تشرين أول 2000 قامت إسرائيل بالسيطرة المنفردة على
باب المغاربة وتوقفت من إجبار غير المسلمين الحصول على تذكرة دخول من أصحاب المسجد
الاوقاف الاردنية. ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل تسمح بدخول من تشاء دون موافقة الأوقاف
الأردنية والتي هي صاحبة الولاية والشأن في كل ما يتعلق بإدارة الحرم. وقبل 2000
كان الزوار من غير المسلمين مجبرون لدخول الحرم من باب محدد (هو باب المجلس
الملاصق لمقر الأوقاف) وضرورة الحصول على تذكرة دخول من الأوقاف ودفع مبلغ
رمزي. إلا أن ما حدث إبان انتفاضة الأقصى
أن غالبية السياح يدخلون الان بدون إذن من الأوقاف وطبعا يشمل ذلك دخول او بالأحرى
اقتحام عشرات وأحيانا مئات من اليهود المتطرفين بحراسة الأمن الإسرائيلي. وفي الكثير من الأحيان يقوم هؤلاء بحركات دينية
تدل على صلاة تلمودية تعكس اصرارهم أن الحرم ليس الا موقع الهيكل اليهودي وأن
لليهود الحق في الصلاة.
طبعا عبر السنوات جرت العديد من المشاحنات
والمواجهات وصلت إلى العنف المتبادل ونتج عنها منع إسرائيل دخول المصلين مما اضطر
الأردن والولايات المتحدة (إبان رئاسة أوباما) بالتدخل وإيجاد تسوية معينة شملت
اعتراف إسرائيل بإدارة المملكة الأردنية للمسجد الأقصى وأقرت إسرائيل أنها لا
توافق على تقسيم الحرم القدسي الشريف (تسمية جبل الهيكل) كما وأقرت مبدأ مهم وهو
أن الحرم هو للمسلمين للصلاة ولغير المسلمين بالزيارة. هذا الاتفاق الموثق في بيان
الخارجية الإسرائيلية 24 تشرين أول 2015 لم يتم علنا التراجع عنه إلا أن صفقة
القرن تنص أن "الأمر الواقع يجب أن يستمر على منطقة الحرم الشريف/جبل
الهيكل" ولكن في الجملة التي تلت ذلك هناك خروج عن الأمر الواقع حيث تنص صفقة
القرن "الشعوب من كل ديان يجب أن يتم السماح لهم بالصلاة على جبل
الهيكل/الحرم الشريف."
إذا عندما حضر مندوب الإمارات للإعلان صفقة
القرن وعندما وافقت الإمارات على الجملة التي تثبت صفقة القرن فأنها بصورة
اوتوماتيكية وافقت على حق اليهود في الصلاة على أرض الحرم القدسي الشريف.
يقول الصحفي الإسرائيلي نداف شرغاي ان هذه
الفقرة بالذات تم صياغتها من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بالتعاون مع
الفريق الأمريكي. طبعا الفريق الأمريكي كله من الصهاينة اليمينين المؤمنون
بالاستيطان وحق اليهود في فلسطين وفي الأقصى.
الأمر كان خطرا جدا عند إعلان الصفقة حيث أجبر
سفير الولايات المتحدة لإسرائيل ديفيد فريدمان وهو نفسه صهيوني متطرف صرح آنذاك أن
"الأمر الواقع غير متغير عما يجري الآن ولا تتوقعوا أن يتغير أي أمر."
وهنا يأتي السم الإسرائيلي الأمريكي. فبيان
التطبيع الأمريكي الإسرائيلي الاماراتي لم يذكر الحرم الشريف الكاملة المحاطة
بأبواب ولها حراس من الأوقاف الأردنية بل قال البيان أن "للمسلمين حق في
زيارة والصلاة في المسجد الأقصى" وأكمل البيان "في حين باقي الأماكن
المقدسة يجب أن تكون مفتوحة لصلاة المؤمنين من كافة الديانات."
أي أن ما تحاول إسرائيل وأمريكا إدخاله بهذا
السم المشمول في اتفاق التطبيع هو خلق فارق بين المسجد الأقصى أو ما يسميه
المسلمون بالمسجد القبلي وباقي باحات ومساجد الحرم القدسي الشريف والمحمي حسب
منظمة اليونيسكو كإرث عالمي يمنع من التصرف به. فالحرم ومساحته الكلية 144 دونم
يشمل قبة الصخرة الذهبية والمتحف الإسلامي وباب الرحمة وباحت الحرم الخارجية والتي
تتسع الى مئات الالاف المصلين كما وتشمل مكاتب وعمارات إدارية تابعة للأوقاف
الأردنية. لقد أشار المحامي الاسرائيلي المتضامن مع الشعب الفلسطيني داني سيدمان
بالأمر في دراسة مهمة حول الموضوع من خلال مؤسسته "القدس الدنيوية."
من المؤكد أن القادة في الإمارات لم يكونوا
يعرفوا هذه التفاصيل عندما وافقوا على توقيع اتفاق التطبيع دون التواصل او التنسيق
مع القيادات الفلسطينية والحكومة الأردنية راعية الحرم القدسي الشريف. ورغم أن جل
المظاهرات والتنديد بالتطبيع جرى في باحات الحرم القدسي الشريف إلا كما واعتقد ان
غالبية المتظاهرين الفلسطينيين وحتى العديد من المسؤولين لم يعرف تلك التفاصيل
وكيفية ادخال السم لاتفاق التطبيع بحيث تسمح دولة عربية إسلامية لنفسها أن توفر
مصداقية لمحاولة إسرائيل ومعها أمريكا تقسيم الحرم القدسي الشريف تاركة مسجد
الأقصى لصلاة المسلمين وموفرة فرصة لليهود للصلاة في أماكن أخرى ومنها منطقة باب
الرحمة والتي من المعروف أن إسرائيل ترغب ان تحولها الى كنيس يهودي وذلك من خلال
فتح مدخل من باب الحرم الوحيد المغلق والمسمى الباب الذهبي.
1
شارك
التعليقات (1)
رائد عبيدو
الثلاثاء، 01-09-202001:40 ص
تسمية المسجد الأقصى حرما تسمية خاطئة، والمسجد الأقصى هو كامل المساحة المحددة بالسور، ومآذن المسجد وأبوابه دالة على أن جميع هذه المساحة هي المسجد الأقصى. والمصلى القبلي ومصلى قبة الصخرة والمصلى المرواني ومصلى باب الرحمة وحائط البراق وباب المغاربة أجزاء من المسجد الأقصى، وكلها للمسلمين وحدهم. والاتفاق بين الصهاينة وأعوانهم لا يمكنه تغيير شيء من ذلك.