قضايا وآراء

"عدالة الله" المظلومة بين السيسي والإخوان

محمد ثابت
1300x600
1300x600

"افتكروا 2013 والدنيا فى مصر كانت إزاي، طيب وبعدين؟.. لو كنا ظالمين ومعتدين مكنش ربنا وفقنا".. بهذه الكلمات فاجأ رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي الحُضور في الثلاثاء 28 الأخير من تموز (يوليو) الماضي أثناء كلمة ظهرت وكأنها مُرتجلة؛ أثناء افتتاحه مدينة الروبيكي الصناعية؛ وفي الكلمات تبسيط مُخل من الجنرال الحاكم على ظهر الدبابة إلى عامة المصريين الذي يُحبونَ نسبة كل نجاح وتوفيق في حياتهم إلى قدرة الله وحده؛ هذا التبسيط يدوم في النفس طويلًا، بخاصة مع "استشهاده" برب العزة تعالى في الأمر وبإمهاله الظالم، وكأنه ـ تعالى ـ ينصره بذلك الإمهال. 

وفي نفس المعنى تحدث الجنرال السبت 29 من آب (أغسطس) العام الماضي في افتتاح ما أسماه إعلامه مشروعات قومية في محافظة الإسكندرية؛ إذ أكد على مراعاته "ربنا" على حد قوله وبالتالي نصرته "تعالى" له.

تحدث السيسي مُوليًا ظهره للحضور معه في اللقاءين، وهي العادة التي استحدثها ولم يجرؤ رئيس مصري قبله أن يُحدث الشعب وحضور لقاء معه فيما هو جالس على كرسي في مُنتصف الصف الأول من الحضور؛ وهو مُقبل على كاميرا التلفزيون التي تبث على الهواء؛ فيما خلفية وجهه للحضور والمُشاهدين على حد سواء.
 
ظهر الجنرال مُجترًا الماضي؛ محاولًا الاندفاع عبره نحو المُستقبل مؤكدًا عدالة قضيته في وجوب حكمه المصريين حتى "آخر يوم في حياته أو بمنصبه"، كما يُحب الخلط بين الأمرين دائمًا في أمثال هذه الجلسات؛ وأيضًا مُؤكدًا وقوف الله تعالى إلى جوار عدالة قضية النيل وسد النهضة، إذ إن المياه هذه يهبها الله للمصريين منذ الحضارة الفرعونية بحسب قوله، في رد مُلتف حول تصريحات سيادية أثيوبية أخيرة تقول بإن مياه النيل تخصهم وكذلك السد. 

أما عن "عدالة الله" التي استند السيسي إليها في نصرته في 2013م، وبخاصة أحداث 30/6 أو ما يدعي وأنصاره أنها ثورة؛ وفيما يعرفه المُنصفون في مصر والعالم أنها انقلاب عسكري محضٌ على أول رئيس مدني مُنتخب كما ينبغي لدولة بحجم ومكانة مصر؛ وأن الانقلاب ما كان له أن يكون لولا ثقة الراحل الرئيس محمد مرسي في السيسي وتسليمه مصر بأهم منشآتها له وللجيش قبل التاريخ الأخير؛ وللأمانة فإن الحديث عن عدالة قضية سد النهضة (بحسب مفهوم السيسي)؛ فإن أثيوبيا تستطيع الإثبات للجنرال وأذنابه (مع صدق القضية المصرية) كذب السيسي في استقوائه بالله، وأن كل ما في الأمر أن الأخير كلما فشل أو وقع في مستنقع ما كان ليخطر له على بال جرى مُشيرًا إلى السماء؛ وكأنه أحد أولياء الله الصالحين المُسددين المُوفقين من جانبه تعالى؛ وهو شأن بشري مُتكرر في الطغاة المصريين وغيرهم أبدع وأوجز الأديب الراحل نجيب محفوظ لَضْمَهُ في كلمتين اثنتين عنون بهما مجموعة قصصية شهيرة هي: "الشيطان يعظ".

أما فيما يخص ما يراه السيسي ويزعم أنه إعانة ونصر من الله منذ 2013م، وما فاجأ الحضور في تموز (يوليو) الماضي به من "كيف كانت مصر في 2013م"، فإنها للحقيقة لم تكن أسوأ حالًا من اليوم، وإنما يكفيها أنها كانت نسيجًا ولُحمة واحدة تقسمت وتهدلتْ على يديه إلى فريقين وجانبين أحدهما يُمسكُ بالسلطة في يد وبالمدفع في يد أخرى كما أبدع الراحل صلاح عبد الصبور مُخاطبًا حضور مسرحية "مسافر ليل" في كل زمان ومكان: "ماذا أفعل.. ماذا أفعل.. فى يده خنجر وأنا مثلكم أعزل.. لا أملك إلا تعليقاتي.. ماذا أفعل.. ماذا أفعل؟!". 

 

من نافلة القول أن الإخوان لم يُحسنوا الأخذ بالأسباب ولا تدبر أمرهم لا في الترشح لرئاسة الجمهورية في الأول من نيسان (أبريل) 2012م، ولا في مُناصرة القوات المُسلحة قبل الانتخابات الرئاسية وبعدها، في خطأ تاريخي يكاد يكون مُتكررًا للمرة الثانية بعد يوليو 1952م.

 



وللحقيقة فإنها كلمة حق يجب أن تكون واضحة، فإن "عدالة الله" في 2013م "مظلومة" بين تفسيري السيسي والإخوان، فمع الجنرال الأول فإن الله لا يظلم الذي فعل ما عليه ولو كان مُخربًا مُفسدًا في الأرض؛ إذ اقتضت عنايته تعالى أن تكون مع كل ساعٍ لامتلاك أسباب النجاح؛ بخاصة مع تقصير غيره، ولو كان الأخير على حق..؛ وإلا لما تمت هزيمة مُصلحين على مدار التاريخ مرحليًا متى فرطوا في الأخذ بالأسباب.

ولعله من نافلة القول هنا أن الإخوان الذين حكموا مصر لمدة عام واحد انتهى في 30/6 التي استشهد الجنرال بهم في كلمته ـ المُسماة ظلمًا بخطاب ـ؛ من نافلة القول أن الإخوان لم يُحسنوا الأخذ بالأسباب ولا تدبر أمرهم لا في الترشح لرئاسة الجمهورية في الأول من نيسان (أبريل) 2012م، ولا في مُناصرة القوات المُسلحة قبل الانتخابات الرئاسية وبعدها، في خطأ تاريخي يكاد يكون مُتكررًا للمرة الثانية بعد يوليو 1952م.

فمن الواضح أن "عدالة الله" تائهة بين الطرفين كلاهما يظن ويحسب أنها تخصه وحده، أما الطرف الأول فنال ما ناله بقوة المكر والخديعة وإحسان الإطباق على الزناد للمدفع والرشاش والدبابة والطائرة، أما الإخوان فلم يكن لهم من كل ذلك نصيب.. مما تقوم به الدول وتحمي نفسها، وانقلاب تركيا منتصف تموز (يوليو) 2016م خير مثال.

أما أن الإخوان تم ظلمهم فهو أمر واضح للعيان؛ لكن بقيته أنهم لم يحسنوا إلى أنفسهم بحسن الإعداد لمواجهة أعدائهم الواضحين والمُستترين، ولولا ضعف الإخوان في الإعداد لما ملك السيسي أمر مصر حتى اليوم، فما من داعٍ لأن يُباهي ويُزايد بأخطاء غيره التي ملكته حتى حين بإذن الله، تُحسنُ فيه الفصائل الثورية، فسواء من الإخوان أو غيرهم الأخذ بالأسباب فتجتمع لها الأخيرة مع الحق.

التعليقات (2)
عادل انصاري
الخميس، 10-09-2020 04:05 ص
"عدالة الله" تائهة بين الطرفين كلاهما يظن ويحسب أنها تخصه وحده، أما الطرف الأول فنال ما ناله بقوة المكر والخديعة وإحسان الإطباق على الزناد للمدفع والرشاش والدبابة والطائرة
مصري جدا
الأحد، 06-09-2020 02:18 م
# التغيير والتقدم له سنن وقوانين مجربة وناجحة ،،، منها ،، منظومة القيم وقائمة السلوكيات التي نستلهمها من ديننا وتجارب دنيانا معا ،، # نعم.. تدين الناس ايا كان مستواه فرصة طيبة للاصلاح والتغيير.. لكن يحتاج الي المزيد من الفهم والعلم والعمل.. من المشاركة والتعاون لا المشاهدة والتنافر # نحن ( حكم ونخب وشعب) بحاجة لنقلة كبرى في مجالات ثلاثة ،،، اولا .. عالم الأفكار والتصورات لنتفق مجتمعيا ماذا نريد وكيف نحققه ؟ اكرر مجتمعيا لا ان يقوم فريق نيابة عن المجتمع في هذا الصدد ،،... ثانيا.. عالم الإعداد والبناء المتقن بعيدا عن الفهلوة والغش والتدليس والادعاء ... ثالثا... عالم القيم والإجراءات ،، حتي نفعل ما نقول ،، لا ان يكون القول في وأد والفعل في وأد آخر ... # هذه النقلات الكبيرة مسؤلية القوي الحية في المجتمع ومنها السلطة ولا تستطيع جماعة ولا حزب القيام بها منفردة ،،، لأن اقامة الأوطان مسؤولية الجميع وليست مسؤلية جماعة أو فصيل . # من هنا فالافكار كل الافكار المطروحة علي الساحة كمنطلق للاصلاح والتغيير بحاجة ملحة لإعادة النظر .. لأن منها ما تجاوزه الزمن ومنها ما هو خارج الزمن ومنها ما حمل اصحابه والمجتمع ما لا طاقة لهم به. . والأهم أنه لا يوجد اطار فكري عام نتفق عليه مجتمعيا.. فكل فريق يعمل وكأنه يقيم دولته الخاصة ..... فهل نعيد النظر ؟! فكر أولا.. لا تتعجل. .. ..