قضايا وآراء

احتمالات الصراع التركي-اليوناني

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

لا تخضع دراسة التفاعلات السياسية والعسكرية في منطقة ما إلى طبيعة القضايا المتنازع عليها ودوافع وقدرة الفاعلين فحسب، بل تخضع وهذا هو الأهم إلى طبيعة المناخ الدولي السائد.

إن لجوء تركيا واليونان إلى استعراض قوتهما العسكرية في حوض المتوسط، مع التحالف الموسع الذي تسعى اليونان بدعم فرنسي إلى تشكيله في وجه تركيا، سيضع شرق المتوسط أمام سيناريوهات عدة:

1 ـ التفاوض القانوني: يتضمن التوصل إلى اتفاق قانوني حيال حقوق الطرفين التركي واليوناني.

وفقا للمادة 76 من تعريف الأمم المتحدة، يشمل الجرف القاري لأي دولة ساحلية قاع وباطن أرض المساحات المغمورة التي تمتد إلى ما وراء بحرها الإقليمي في جميع أنحاء الامتداد الطبيعي لإقليم تلك الدولة البري حتى الطرف الخارجي للحافة القارية، أو إلى مسافة 200 ميل بحري من خطوط الأساس التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي إذا لم يكن الطرف الخارجي للحافة القارية يمتد إلى تلك المسافة.

بناء على هذا التعريف الأممي، تعتبر أنقرة أن الجزر اليونانية المقابلة للبر التركي لا تسمح لأثينا باستغلال الموارد البحرية خارج حدودها الإقليمية لأنها تقع على الامتداد الطبيعي لتركيا، وبالتالي لا يمكن تقييم هذه الجزر في إطار الجرف القاري وفق الأعراف والقوانين الدولية، والبر الرئيسي هو مقياس الحساب، وبهذا المعنى، فإن الوجود البحري التركي يشمل الجزر اليونانية هذه.

وقد أطلعت تركيا الأمم المتحدة على الإحداثيات الجغرافية المتعلقة بجرفها القاري، بعد توقيعها اتفاقية تحديد مناطق النفوذ البحرية مع ليبيا في فبراير الماضي.

أما اليونان فلجأت إلى مفهوم المنطقة الاقتصادية الحصرية، وهي منطقة تأتي في المرحلة الرابعة من البعد عن الساحل، بمعنى أن القانون الدولي حدد الأجزاء الأولى من البحر التي تتغلغل في إقليم الدولة البري وتتداخل فيه، بالمنطقة الداخلية، ويتغير عمق هذه المنطقة بتغير شكل التضاريس البرية، والمنطقة التالية هي المياهه الإقليمية بطول 12 ميل، والمنطقة الثالثة هي منطقة المياه المتاخمة بطول 12 ميل أيضا، وبعد هذه المناطق الثلاث تأتي المنطقة الاقتصادية الخالصة بطول 200 ميل.

ووفقا لهذا التفسير، يحق لليونان بسبب وجود جزيرة صغيرة قرب تركيا أن تحصل على حقوق بحرية توازي حقوق تركيا التي تمتلك أطول بر مطل على المياه في شرق المتوسط.

ولما كان شرق المتوسط أصغر من تحمل مساحة الـ 200 ميل، تم اعتماد مقاربة خط المنتصف، لكن جرى الاختلاف حول تفسيره، هل يحسب الخط من أبعد جزيرة أم من آخر سواحل اليابسة الرئيسية: الأتراك يقولون من آخر حد اليابسة، في حين تقول اليونان من آخر جزيرة.

بناء على هذه المعطيات، يبدو من الصعوبة بمكان التوصل إلى اتفاق قانوني بسبب التفسيرات المتضاربة لكل طرف، دون أن يعني ذلك استحالة حصول توافق في المدى البعيد، خصوصا أن ثمة حالات مشابهة جرى حلها سابقا، كحالة فرنسا وإنجلترا، ففي سبعينيات القرن الماضي حكمت محكمة التحكيم الدولية لصالح فرنسا، عندما رفضت المحكمة منح الجزر الخاضعة لبريطانيا قرب البر الفرنسي في القنال الإنجليزي "جرفا قاريا"، وإنما مياها إقليمية فقط، فيما تم تقسيم القنال بين البلدين بشكل متوازن.

2 ـ تفاهم سياسي، من خلال التوصل إلى اتفاق برعاية أوروبية وأمريكية وأممية، يضمن للدولتين مصالحهما مع الأخذ بعين الاعتبار طول البر التركي.

لكن مثل هذا الاتفاق يحتاج إلى سنوات، فضلا عن أنه يخضع لاعتبارات المصالح العليا للدول خارج الثنائية التركية ـ اليونانية، وحالة فرنسا واضحة من خلال دفعها باتجاه تقديم تفسير واحد للوضع في حوض شرق المتوسط.

وفي ظل وجود دول داعمة للموقف الفرنسي (مصر، إسرائيل، قبرص) يصعب التوصل إلى تفاهم سياسي.

 

يبدو من الصعوبة بمكان التوصل إلى اتفاق قانوني بسبب التفسيرات المتضاربة لكل طرف، دون أن يعني ذلك استحالة حصول توافق في المدى البعيد، خصوصا أن ثمة حالات مشابهة جرى حلها سابقا، كحالة فرنسا وإنجلترا،

 



3 ـ حرب عسكرية مفتوحة كما جرى عام 1974 في قبرص، تقوم تركيا من خلاله بالسيطرة على عدة جزر يونانية مقابلة لسواحلها ـ جزر كانت تتبع للإمبراطورية العثمانية ـ كخطوة للتخلص التدريجي مما تبقى من معاهدتي سيفر ولوزان.

وتحمل كلمات الرئيس التركي هذا المعنى حين قال إن تركيا ترفض الخريطة الجغرافية القائمة ومستعدة للدوس عليها وقت الضرورة.

ومع ذلك، يبقى هذا السيناريو مستبعدا لاعتبارات كثيرة، أهمها عدم رغبة الدولتين في الانجرار إلى حرب مفتوحة لا أحد يعرف نتائجها، فضلا عن غياب الضرورة الاقتصادية الملحة الآن.

4 ـ مناوشات عسكرية: يتضمن هذا السيناريو حصول اشتباك عسكري محدود ومضبوط، غايته إرسال رسائل سياسية ودفع الطرف المقابل إلى التخفيف من لهجته أو تقديم تنازلات.

عمليا، تبدو كلتا الدولتين راغبتين في ذلك، فإرسال اليونان لسفن حربية نحو جزرها المقابلة للبر التركي في اختراق لمعاهدتي لوزان وباريس، وقيام تركيا بإجراء مناورات عسكرية والاقتراب من السفن اليونانية، مؤشر ذلك، وهذا السيناريو مرشح الحصول في ظل المعطيات القائمة.

5 ـ السيناريو الأخير، يتمثل بإبقاء حالة التوتر القائمة من دون حصول اشتباك عسكري من أي نوع ومن دون حصول أي تفاهم سياسي-اقتصادي، ويستمر الوضع لمدة قبل أن تتراجع حالة التوتر تدريجيا.

*كاتب وإعلامي سوري

التعليقات (0)