سيكولوجية الاستبداد

لمقاومة الاستبداد والمستبدين لا بد من فهم حقيقة نفوسهم وفك شفرتها النفسية، التي تمثل حالة من حالات التمرد والشذوذ على التعايش الإنساني المؤسس على احترام الآخر، والمحافظة على الحقوق المتبادلة والتراحم والتساكن، إلى آخر ذلك من القيم الإنسانية التي تعارفت وانتظمت عليها قوانين المجتمعات الإنسانية. بيد أن النفس البشرية بطبيعتها مجبولة على القابلية للفجور والتقوى، وهي إلى الفجور أسرع منها للتقوى. وهذا ما يجب أن تفهمه الشعوب جيدا، فلا تمنح الحاكم فرصا للفجور والاستبداد.

"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۝ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۝ قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" (الشمس).

المستبد إنسان أناني ولديه إحساس مفرط بالذات، أتيحت له الفرصة لاستغلال الآخرين وإكراههم على التخلي عن حقهم في التفكير والرأي، والانصياع لما يمليه عليهم من أفكار وقرارات في شكل إملاءات. وهو في سبيله لذلك يواجهه تحدي المنافس له، والبديل الأفضل والأنسب منه، فيعمل على قهره والتخلص منه مبكرا وباستمرار لتفريغ الساحة من أي بديل حالي أو متوقع (الحرب على المبدعين)، ليصبح هو الخيار الوحيد.

ولكشف أسبار شخصية وقرارات وسلوك المستبد، علينا إدراك منظومة معاني ومشاعر نفسية لا أخلاقية تسيطر على المستبد وتتحكم في أفكاره وأعماله:

1- الأنانية والفردية.

2- الإحساس المفرط بالذات.. عبقري الزمان الذى يعرف في كل شيء، ولا يوجد مثله.

3- حب التسلط وتصغير وإذلال الآخرين، خاصة الموهوبين والمميزين منهم.

4- العدوان والطغيان على حقوق الآخرين.

5- تجاوز القوانين الأرضية، والكفر بالمعتقدات السماوية.

6- الفردية والتسلط مع غياب المعرفة والتخصص، التي تودي به إلى السفه في إدارة موارد الدولة.

ولذلك نرى سلسلة من المفاهيم والمصطلحات المسيطرة على وجدان المستبد وعقله، ويعلنها بكل طغيان وجرأة متجاوزا حدود العقل:

- ما علمت لكم من إله غيري.

- أنا أو الفوضى وعدم الاستقرار.

- أنا أو الفتنة والحرب الأهلية.

كيف يفكر المستبد؟

اعتمدت في هذا الجزء على التحليل النفسي لمستبدي العصر الحديث، الذين عشنا عصرهم واكتوينا بنيران استبدادهم، وشاركنا في الصراع ضدهم، والخروج عليهم ومحاولات التغيير والمشاركة في صناعة الأحداث والتغيير (زين العابدين، مبارك، القذافي، علي صالح، بوتفليقة، البشير) خلال هذه المحطة التاريخية.

والمفيد في التحليل هنا، هو تنوع نشأتهم وخلفيتهم ما بين العسكرية والمدنية والدينية والسياسية. هذا على مستوى الرؤساء، وكذلك من تعاملنا معهم من خلال رجال الأمن والجيش، سواء قبل رياح الربيع العربي أو معها، وما يجرى حاليا حتى لحظة الكتابة.

- المستبد وتصوره المفرط عن ذاته، فهو السوبرمان العالم بكل شيء الوحيد المؤهل للحكم.

- المستبد وتصوره عن الحياة وكأنها خلقت له، وأنه مخلد فيها.

- المستبد والإحساس وإحساسه الدائم بالقلق والخوف على ملكه.

- المستبد وتصوره الغائب عن الكرامة الإنسانية للمواطنين، وأنهم مجرد رعايا له وليسوا مواطنين متساوين في المواطنة الكاملة والحقوق والواجبات معه.

- المستبد وتصوره عن الدين، كأداة وظيفية لتخدير وتطويع وإدارة الشعوب.

- المستبد وتصوره واختزاله للعمل الوطني، الذي يخدم نظامه وشخصه، وأن الخارج عليه خارج على النظام والوطن، ومعاد للوطن.

- المستبد وتصوره عن الشعب أنهم رعايا وليسوا موطنين، وأن نمو أعدادهم يمثل عبئا على الدولة، نظرا لتزايد احتياجاتهم واستهلاكهم لمواد الدولة.

- المستبد وتصوره عن عقل وفهم ووعي الشعب، أنهم سذج وأغبياء، بل وقطيع يجب ألا يفهم شيئا، فلا حق لهم في المشاركة في الرأي والقرار، أو الاعتراض.

- المستبد وتصوره عن العاملين معه والمساعدين له أنهم خدم يعملون في بلاطه، وأنه يتفضل عليهم بمجرد تقريبهم منه، ويتفضل عليهم ببعض الفتات من المكاسب والمميزات المادية والمعنوية لكسب ولائهم له.

- المستبد وتصوره عن المخالفين له في الرأي، وأنهم لا حق لهم في ذلك وأنهم أعداء للوطن، حيث يخلط بين ذاته والوطن.

- المستبد وتمسكه بالسلطة والكرسي حتى القبر، بل ويود توريثها لأبنائه وأحفاده، حيث يتصورها ملكا له ولأسرته من بعده، اختصهم الله تعالى بها من دون البشر، وأنهم طبقة نوعية من البشر غير طبقة الشعب.

- المستبد وتصوره عن القوى العالمية الأقوى الحاكمة، كونها القوى الكبرى المسيطرة على العالم وأنها مصدر القرار في العالم، ويجب العمل معها والتبعية لها والدوران في فلكها، والعمل لخدمة مصالحها لكسب رضاها ودعمها في الاحتفاظ بالحكم.

- المستبد والمشهد الأخير، حيث يظل غير مصدق بالثورة وخروج الشعب عليه، واستحالة حدوث ذلك، وأن الدولة لا يمكن أن تسير وتستقر بدونه، فوجوده أو انهيار الدولة.

- المستبد والخروج الملغم من السلطة، على أمل العودة، حيث يعمل على الخروج المؤقت لحين عودة الهدوء، لذلك يعمل على تمكين الدولة العميقة في أركان الدولة كافة؛ على أمل امتصاص الصدمة والعودة ثانيا بذاته أو أحد أبنائه، أو بعض رجاله وأتباعه.