التحالف الثلاثي
الإماراتي البحريني الإسرائيلي،
الذي
سيبرم اليوم في واشنطن، توقيع على صك إذعان عربي، يعترف بالشروط والسياسات
الصهيونية في
فلسطين والمنطقة العربية، ويدل على نهاية جبهة التنسيق بين الأطراف
العربية الرسمية والفلسطينيين، التي كانت مقتصرة على الجوانب الأمنية، والتي نجحت
السياسية الإسرائيلية في فرضها على الجانب الفلسطيني طيلة ربع قرن.
احتكام العلاقة العربية مع القضية الفلسطينية للرغبة
الإسرائيلية في تجاهل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني؛ يشكل الانتصار الأبرز من
وجهة النظر الإسرائيلية للمشروع الصهيوني، والنموذج الأفضل في اصطياد العرب فرادى
بمساعدة الولايات المتحدة، فوضعت جانباً معادلة السلام مقابل الأرض، إلى فرض
"السلام مقابل السلام، والاقتصاد مقابل الاقتصاد".
كل ذلك تجاوز للأسس التي ابتدأت وفقها "عملية
السلام" منذ مدريد 1991، وأوسلو1993، وما سمي المبادرة العربية للسلام 2003،
وقفز عن كل القرارات الدولية التي تشكل مرجعيتها الحفاظ على الحقوق والأرض
الفلسطينية، وهي تجاوزات كانت الشكوى العربية والفلسطينية بشأنها توجه نحو
الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وللإدارات الأمريكية المرافقة لها.
وإذا كان يصح لإسرائيل أن تعتمد على اختراقها لـ"الجبهة
الفلسطينية" في أوسلو، والقضاء على أي مكتسب فلسطيني وجعله متعثراً
ومستحيلاً، فإن الاعتماد اليوم هو على تحالف ثلاثي إماراتي بحريني صهيوني، وبتواطؤ
رسمي عربي، لإفهام إسرائيل أن يدها طليقة تماماً في تحديد مصير المنطقة، من باب
المندب إلى الخليج العربي، والبحر الأحمر وسيناء، والأهم الاستمرار في عملية
السيطرة والتهويد على الأرض، كتسليم بواقع الأمر لسياسة العدوان الإسرائيلي وإضفاء
شرعية عربية عليها لتحقيق ما ترغب به المؤسسة الصهيونية من سيطرة مطلقة.
صحيح أن مسار أوسلو أسّس لسياسة خاطئة وكارثية على
الحقوق الفلسطينية، وقاد لحسابات سياسية مدمرة باعتراف أصحابها وموقعيها، في حين
يكرر الشعب الفلسطيني مطالبه بإعادة النظر بها منذ أكثر من ربع قرن، لما خلقته من
تهديد فعلي أفضى لابتلاع ثلاثة أرباع الأرض الفلسطينية، سواء بخطط الاستيطان أو
الضم والمصادرة، وأيضا مهّد كل الطرق الأمامية والالتفافية أمام اسرائيل للعبور
نحو عواصم عربية، لكن في كل الأحوال تفسير "عملية السلام" أو بنودها،
وحتى تكرار الحديث عن التمسك بالمبادرة العربية للسلام، لم يعد له أي ضرورة لسببين:
الأول، أن التفسيرات الصهيونية لحقائق المبادرات
السلمية بشكل عام، يقصد منها خضوع أو استسلام الطرف المقابل للرغبة الإسرائيلية، وإقامة
التحالف بشكل عام يفيد في عملية التضليل لشكلية الاتفاقات وعملية غسل الأدمغة.
والسبب الثاني، ما جرى سابقاً منذ أوسلو وحتى اليوم
لا علاقة له بما يزعمه الطرف الفلسطيني، وما روّجت له بعض الأطراف العربية، لا في
مبادراتها "الشهيرة" ولا في وقوفها بجانب الحقوق الفلسطينية، أو مساندة
الشعب الفلسطيني من خلال الدوران في حلقة مفرغة من الشعارات الطنانة، وخصوصاً مع
الانكشاف العربي بمرحلة الثورات ونشوء معسكر الثورة المضادة المبارك للتصهين،
حفاظاً على أنظمة حكم ولدعم حظوظ انتخابية أكثر عنصرية في تل أبيب
وواشنطن تتماهى مع توجهات أنظمة وظيفية في المنطقة.
من يبحث في نصوص التحالفات أو المعاهدات مع الجانب
الصهيوني، عربياً وفلسطينياً، يجد أنها تصب في خدمة طرف مهيمن عليها، والتحدي الناجم
اليوم لمواجهة التحالفات الإسرائيلية مع أنظمة عربية للحؤول دون تكريس الحقوق
التاريخية للشعب الفلسطيني، هو تعزيز البعد العربي لقضية فلسطين، وتوثيق صلاتها مع
قضايا التحرر من
الاستبداد والطغيان اللذان يقودان معركة كسر الإرادة العربية
والفلسطينية للتحرر ونيل المواطنة والكرامة.
ودون إعارة هذه المسألة انتباهاً لا يمكن تصليب
المواقف والحقوق، فالاتفاقات السرية والعلنية وعمليات التصهين الحاصلة لا يمكن
حصرها فقط بما يجري على الساحة الفلسطينية والعربية الرسمية. الصهينة تتم بفرض
وقائع جديدة على مجتمعات ترزح تحت الدمار والقتل والاعتقال والاضطهاد، والصهينة
نعومة وتعاون وتحالف مع المحتل، واشتباك وتدمير للذات ولمجتمعات عربية لإبراز
وقائع جديدة ينقضّ منها المشروع الصهيوني على الأرض.
لن تجد القضية الفلسطينية، حلاً عادلاً دون تغيير في
موازين القوى وخلق وقائع جديدة على الأرض ذات قيمة. المواجهة مع المؤسسة الصهيونية
ومشروعها الاستعماري في فلسطين والمنطقة العربية مستمرة وستبقى حتماً ولو بأشكال
جديدة، وبقاء أنظمة الاستبداد والطغيان وتحالف القوة الصهيونية معها وتقديم
الخدمات الوظيفية لإدامة عمر الاحتلال، يثبت للمرة المليون أن الأمر كله بيد الشعب
الفلسطيني والعربي، وهو نقطة البدء والمنتهى، حتى لو بدت قواه ضعيفة ومفككة،
وتتعرض لحملات إبادة من قبل أنظمة مجرمة، ذلك أن الشعب أصل القضية وكل القضايا
وفرعها الأصيل، وهو من يعطي الحرية هويتها ومنه تُستمد القوة والقدرة على الفعل
والاستمرار، أما أنظمة التصهين والطغيان المنقلبة على التاريخ والجغرافيا
والمقدسات فحالها وتحالفها لا يعوّل عليه وسيسقط عاجلاً أم آجلاً، وستبقى القدس وعكا
ويافا والناصرة وغزة والجليل عناوين لحضارة عربية لن تُقهر.
twitter.com/nizar_sahli