هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار قرار السلطات المصرية تخفيض غرامات التصالح في مخالفات البناء، تساؤلات واسعة حول خطط حكومة رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي لتعويض المليارات التي كانت تستهدف تحصيلها من جمع هذه الغرامات؟ وماذا لو لم يستجب المصريون للتصالح رغم التخفيض؟ وهل من المتوقع إلغاء القانون حال إصرار المواطنين على الرفض؟ أو على الأقل تجميد العمل به؟ وما مصير الأسر والعائلات التي هدمت بيوتها في مختلف المحافظات؟
ورغم اشتعال "أوكازيون" تخفيضات قيمة التصالح في مخالفات البناء في غالبية محافظات الجمهورية، المرة تلو الأخرى، إلا أن الحكومة المصرية أعلنت عن بدء المرحلة المقبلة من الإزالات أول تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وعدم مد مهلة التصالح، في إشارة إلى عدم نيتها تجميد العمل بقانون التصالح الذي أغضب ملايين المصريين.
واضطرت السلطات المصرية للتراجع خطوات للوراء والتوقف عن إزالة البيوت المأهولة، وخفض قيم التصالح لعدة مرات بدعوى التخفيف من على كاهل المواطنين بعد موجة احتجاجات وغضب شعبي في العديد من المحافظات.
الخطوة الأولى أعلنها رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الأسبوع الماضي، بالتوقف عن هدم المنازل المأهولة، وتخفيض قيمة التصالح ما بين 10 و50 بالمئة، أعقبتها خطوات أخرى بخفض 25 بالمئة أخرى للدفع الفوري، ثم قام بعض المحافظين بمنح تخفيضات أخرى مرتين.
اقرأ أيضا: لماذا تراجعت حكومة السيسي عن هدم المنازل وخفضت الغرامات؟
شبهة الجباية
في محاولة لدفع شبهة الجباية، زعم مدبولي في اجتماع لاحق مع الإعلاميين والصحفيين، أن هدف الدولة من قانون التصالح هو "تقنين الأوضاع المخالفة، وليس الاستيلاء على الأموال".
وأشار إلى أن القانون ينص على أن كل ما يتم تحصيله نتيجة للتصالح في مخالفات البناء، يتم تخصيصه لتطوير البنية الأساسية ورفع كفاءة الخدمات في هذه المناطق.
ونفت الحكومة المصرية نيتها التراجع وأن هدفها التخفيف فقط، وأعلن المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، أن 30 أيلول/ سبتمبر الحالي آخر موعد للتقدم ودفع جزية التصالح في مخالفات البناء، قبل بدء حملة لإزالة المخالفات بدءا من الأول من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
وعكس ارتفاع عدد طلبات التصالح في مخالفات البناء، خلال اليومين الماضيين، إقبال بعض المواطنين الراغبين في تقديم طلبات التصالح، وفق وزير التنمية المحلية، اللواء محمود شعراوي.
وكشف الوزير في بيان اليوم، عن أن إجمالي عدد طلبات التصالح التي تقدم بها المواطنون في كافة المحافظات بلغت حوالي المليون و100 ألف طلب، وأن إجمالي ما تم تحصيله حوالي الـ6 مليارات و907 ملايين جنيه حتى 14 سبتمبر الجاري، يمثل المبلغ ربع قيمة التصالح.
ولوحت الحكومة بتنفيذ القانون على الممتنعين عن التصالح أو الدفع، حيث تجاوز عدد المخالفات التي تمت إحالتها للنيابة العسكرية الـ16 ألف مخالفة، تمهيدا لمحاكمة أصحابها عسكريا والزج بهم في السجون بسبب تلك المخالفات وعدم التصالح.
لا تعويضات
ووفق وزارة التنمية المحلية، فقد تم إزالة 11417 مخالفة بناء، بإجمالي مساحة نحو ثلاثة ملايين م2، وكذلك إزالة 4003 حالات تعدٍ على الأراضي الزراعية، بإجمالي مساحة نحو 211,011 فداناً. وقدم وزير التنمية المحلية، خلال الاجتماع تقريراً حول موقف تنفيذ الموجة الـ 16 للإزالات، خلال الفترة من 8 تموز/ يوليو حتى 30 آب/ أغسطس 2020.
وكشف أحد المتضررين، ويدعى الحاج محمد جاد، بمحافظة الجيزة، أن "الحكومة أزالت العديد من المباني في المنطقة التي كانوا يقطنون فيها، بما فيها منزله بدعوى البناء على أراض زراعية، وهي أرض بور، وملك لنا وليس للحكومة، وحصلنا على جميع الخدمات كالكهرباء والمياه".
وأكد لـ"عربي21" أن "الحكومة لم تصرف لهم جنيها واحدا ولن تفعل، ولم توفر لنا أي أماكن بديلة للسكن بعد هدم بيوتنا، وطردنا في الشوارع كالمتسولين، وقد خسرنا كل ما جمعناه في حياتنا من مال وأثات، وليس أمامنا إلا قول حسبنا الله ونعم الوكيل في الظالم".
— Arabi21 TV (@Arabi21TV) September 15, 2020
هل يتخلى السيسي عن "الغنيمة"؟
أكد عضو لجنة الإسكان بمجلس الشعب السابق، النائب عزب مصطفى، أن "السيسي منذ توليه الحكم وكل القوانين الصادرة إما لتمكينه من السيطرة على الدولة، أو لإفقار الشعب المصري، عملا بالمثل "جوع كلبك يتبعك" ولم يتراجع عن أي قانون أصدره سابقا مهما كان فيه من مخالفات دستورية، ما يؤكد أن ما يجري جباية لا تقنينا".
وأضاف لـ"عربي21": "بعد فشله في تخويف المواطنين أوكل لسكرتيره مدبولي تخفيف حدة تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء، خاصة بعد خروج الشعب المصري للدفاع عن حقه الذي كفله الدستور وأقره القانون الدولي بالحق في المأوى والسكن ما أفزع النظام".
وأوضح أن "خفض غرامة التصالح في بعض الأماكن إلى 50 بالمئة ليس رأفة بالمواطن المطحون ولكن خوفا من سوء العاقبة".
وتابع: "لن يتنازل السيسي عن جمع المخالفات والإتاوات الظالمة إلا إذا استمر الشعب في المقاومة وانتزاع حقه في الحياة ورفض الظلم الواقع عليه؛ لأن النظام القائم لن يشبع مهما جمع من أموال من دم المواطنين".
جباية لا تقنينا
ومن جانبه، استبعد الخبير المالي والمصرفي، شريف عثمان، أن يكون هدف الحكومة المصرية هو تقنين أوضاع المخالفات فحسب، قائلا: "هناك مخالفات صارخة في بعض الأراضي الزراعية، وهناك بناء مخالف لكن واضح أن توقيت وحجم المبالغ المطلوبة يؤكد أن هناك احتياجا شديدا للسيولة من قبل الحكومة المصرية وبالتالي يتم استغلال هذا الأمر لجمع مبالغ مالية ضخمة".
وأكد في حديثه لـ"عربي21": "وإن كان جزء من مزاعم الحكومة حقيقيا ومشروعا ويحق لها أن تطالب به، لكن بشرط حماية المشترين الذين وقعوا ضحية مالك العقار، وفي نفس الوقت توفير أماكن بديلة صالحة للسكن بتكلفة معقولة لمن هدمت منازلهم".
وبشأن بدائل الحكومة لتعويض تراجع الإيرادات من قرارات الخفض وهل تخفيض قيم المخالفات قد يمهد إلى إلغاء أو تجميد القانون، قال: "لا أعتقد أنه سوف يتم إلغاء تحصيل قيم المخالفات أو التوقف عن حملة الهدم، لكن ما يجري هو محاولة تهدئة الشارع بتخفيض المبالغ التي كان مبالغا فيها أصلا، وبالتالي فإنه يتحول الأمر إلى رضا وعرفان بدلا من السخط والغضب على الحكومة".