صحافة دولية

أوبزيرفر: الروهينغيا يدفعون ثمن الحرب الباردة الجديدة في آسيا

 لا تتجرأ أمريكا على التشدد خشية خسارتها فرصا تجارية أو ورقة نفوذ في الحرب الباردة الجديدة في آسيا- أرشيفية
لا تتجرأ أمريكا على التشدد خشية خسارتها فرصا تجارية أو ورقة نفوذ في الحرب الباردة الجديدة في آسيا- أرشيفية

نشرت صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية مقالا للكاتب "سايمون تيسدال"، قال فيه إن العدالة، وأبناء أقلية الروهينغيا المسلمة، هم أكبر الخاسرين في لعبة الحرب الباردة الجديدة في آسيا.


وأوضح الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن عملية الاضطهاد والتطهير العرقي للمسلمين الروهينغيا في ولاية أراكان بميانمار هي إهانة لحكم القانون، وجريمة موثقة بشكل دقيق، وبحسب محام كبير في القانون الدولي "فهي لطخة أخلاقية في ضميرنا الجمعي والإنساني".


والسؤال هو عن استمرار المذابح بدون معاقبة المرتكبين لها، بحسب الكاتب، الذي أضاف بالقول إنه سؤال له عدة أجوبة محتملة، فربما كان وضع ميانمار، أو بورما السابقة، المعزولة والفقيرة، سببا في عدم ظهور حملة دولية مستمرة. 


وربما لم يثر وضع هؤلاء الأشخاص، الذين يدينون بالإسلام ولديهم بشرة بنية، اهتمام أحد في العالم، بالتزامن مع صعود نزاعات عرقية وإثنية وعلى وقع موجات هجرة كبيرة.


وربما كان غياب الغضب العالمي متعلقا بالمشكلة القديمة وهي محاولة الدول القوية منع وإخضاع واستغلال الشعوب الضعيفة والمغلوبة على أمرها، خدمة لمصالحها الأنانية.

 

ففي ميانمار كانت بريطانيا الإمبريالية قبل قرن من الزمن، واليوم الصين الإمبريالية التي لا تهتم بحقوق الإنسان في الداخل والخارج على السواء، بحسبه.

 

وفي قلب لغز ميانمار تقع قوة قمعية لا أحد يستطيع وقفها وهي "تاتمادو"، منظمة القوات المسلحة التي تتسيد الحياة الوطنية رغم العودة الإسمية للديمقراطية عام 2011.


فالهجمات التي نفذتها ضد المسلمين الروهينغيا في الفترة 2016- 2017 وقتلت الآلاف وهجرت ثلثي مليون مسلم إلى الجارة بنغلادش صدمت العالم، لكن أحدا لم يحاسب المسؤولين عن تلك الجرائم.

 

وحذرت ميشيل باشليت، مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، من أن الجيش البورمي بدلا من وقف المذابح فإنه استأنف عمليات قتل وخطف المدنيين في أراكان وولاية تشين، بدون خوف من المحاسبة. 


وقالت: "في بعض الحالات يبدو أن الهجمات كانت عشوائية بشكل يجعلها جرائم حرب ضد الإنسانية. ومرة أخرى لم يحاسب أحد".

 

وزادت الآمال بتحقيق العدالة عندما ظهرت "أونغ سان سو تشي" زعيمة ميانمار المدنية أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي العام الماضي ولكنها دافعت بدون تعاطف أو مبالاة عن جيش "تاتمادو".


وقالت إن الصراع في أراكان "محلي" بين الجيش والمتطرفين الانفصاليين الروهينغيا. ولو ارتكب جنود أفعالا فستتم معاقبتهم بحسبها. ولكن قلة من عوقبوا، كما يؤكد الكاتب.

 

وفي كانون الثاني/ يناير أمرت محكمة الجنايات الدولية ميانمار بالوفاء بالتزاماتها ومنع الإبادة و"اتخاذ كل الإجراءات التي بيدها" لمنع قتل وإيذاء الروهينغيا. وأمرت تاتمادو بعدم تدمير الأدلة المتعلقة بالجرائم والتقدم بتقرير حول ما قام به لتحقيق العدالة.

 

اقرأ أيضا: جنديان من ميانمار يعترفان بفظائع الإبادة بحق مسلمي الروهنغيا

 

وحولت المحكمة نتائجها إلى مجلس الأمن الدولي. ولم يترك هذا أي أثر، فبحسب باشليت فإن القتل ربما توسعت قاعدته. 


وتكشف الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية أن الجيش جرف بلدة الروهينغيا "كان كيا"، التي تم حرقها قبل سنوات ومحي اسمها مع قرى أخرى من أجل محو وجودها عن الخريطة في إطار عملية التستر على الجرائم.

 

ولم يرد النظام على مطالب محكمة الجنايات الدولية ولا قام بتحقيق موثق للكشف عن المذنبين.

 

وكشفت مع ذلك شهادة جنديين شاركا في مذابح ضد الروهينغيا، كشفا فيها عن السياسة التي اتبعها الجيش في القتل الجماعي وحفر القبور الجماعية وتدمير القرى واغتصاب النساء والفتيات. وقال أحدهما، واسمه "زاو نينغ تون"، إن الضابط المسؤول عنه أخبره: "اقتل أي شيء تراه سواء كانوا أطفالا أم كبارا".


وكرد متأخر على العنف المتزايد وتشريد الروهينغيا قامت ثماني دول في مجلس الأمن بدعوة ميانمار للالتزام بمطالب الجنائية الدولية ووقف إطلاق النار وفتح الباب أمام المساعدات الإنسانية وضم الروهينغيا إلى سجلات الناخبين في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

 

وكان هذا تقدما من نوع ما رغم المعارضة الصينية.

 

وترى جماعة الضغط البريطانية "حملة بورما" أن البيان لن يؤثر كثيرا وسيكون واحدا من البيانات التي صدرت وسيتم تجاهلها. وكان الفشل في تطبيق مهمة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في العام الماضي مثيرا للغضب. وطلب من الدول القوية في العالم اتخاذ قرارات تخالف مصالحها السياسية والتجارية بما فيها فرض حظر لتصدير السلاح إلى ميانمار وفرض العقوبات المالية وتجميد الأرصدة ومنع الصفقات التجارية والاستثمارات وتحويل ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية، وكلها رفضت عمل هذا.

 

وانتقلت ميانمار دورة كاملة، فمثلما قامت الهند البريطانية بإخضاع واستغلال مصادر بورما تحاول الصين عمل نفس الأمر من خلال بناء حاجز استراتيجي ودويلة تابعة لها بالمنطقة.

 

وعندما زار شي جينبنغ ميانمار في كانون الثاني/ يناير كان هدف الأول هو جر الجارة الفقيرة إلى الفلك الصيني وطرد القوى المنافسة له مثل أمريكا والهند والدول الأوروبية.


وأسفرت رحلة شي عن عدد من الصفقات التجارية واتفاقيات في قطاعات استثمارية وفي البنى التحتية، وكان أهمها إكمال الممر الاقتصادي الصيني-البورمي الذي يعطي بكين منفذا على المياه العميقة في خليج البنغال.

 

ويمنح ذلك الصين ممرا بديلا عن المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي ومضيق ملقا، وقادة ميانمار ليسوا غافلين عن الأخطار المترتبة على التعاون مع الصين والمصائد المالية والمحاولات السرية لاستغلال النزاعات الإثنية، ولكن فيتو الصين في مجلس الأمن كاف لأن يظل الجيش البورمي وجنرالاته خارج المحاسبة.

 

وفي الوقت نفسه لا تتجرأ أمريكا ولا الدول الأوروبية على التشدد في مجال حقوق الإنسان خشية خسارتها فرصا تجارية أو ورقة نفوذ في الحرب الباردة الجديدة في آسيا.

 

ولهذا السبب يتواصل القتل وتتوسع لطخة الضمير ويتم تعلم دروس الماضي، وهي أن القوى الكبرى تتجاوز القوانين والإنسانية في كل مرة.

التعليقات (0)