أثار مشروع قانون بريطاني انتقادات من جانب أعضاء في البرلمان البريطاني، حيث يرى المنتقدون أنه قد يسمح للمخبرين السريين بارتكاب جرائم خطيرة خلال سعيهم للوصول إلى المعلومات، مع ضمان عدم محاسبتهم.
وكان البرلمان قد أقر مشروع "قانون العملاء السريين للمخابرات" بالقراءة الثانية، الاثنين الماضي، وهو ما يعني إحالته للجان البرلمان؛ لمراجعته قبل عرضه مجددا على البرلمان لتصويت ثالث.
وعلق الزعيم السابق لحزب العمال، جيرمي كوربين، على مشروع القانون بقوله: "لدي مخاوف كبيرة بشأن قانون العملاء السريين للمخابرات".
وأضاف في تغريدة: "يمكن أن يسمح بتدخل غير ضروري وغير قانوني في نشاطات قانونية للاتحادات التجارية أو نشطاء البيئة أو المناهضين للعنصرية، وغيرهم من النشطاء. يجب أن نقف دائما إلى جانب حقوق الإنسان".
وكان كوربين و19 نائبا آخرين من المقربين منه في حزب العمال قد صوتوا ضد المشروع، رغم قرار زعيم الحزب كير ستارمر بالامتناع عن التصويت.
وقال النائب الآخر عن حزب العمال إيان ليفيري: "صوتُّ ضد قانون العملاء السريين للمخابرات هذه الليلة. كان الخيار الصحيح لفعله. ببساطة لم أستطع دعم قانون يمكن أن يسمح للشرطة السرية بالقتل والتعذيب واستخدام العنف الجنسي دون الخشية من أي محاسبة قانونية".
وسبق لكوربين و17 نائبا آخرين من العمال أن تمردوا على قرار آخر لستارمر، وصوتوا الشهر الماضي ضد قانون يفرض قيودا على مقاضاة الجنود البريطانيين المتهمين بارتكاب جرائم في الخارج.
ويبدو أن ستارمر، وأمام الأغلبية الكبيرة لحزب المحافظين في البرلمان، يريد تجنب ظهور حزب العمال بمظهر المتساهل في قضايا
الأمن القومي، وهذا ما يفسر الطلب من ممثليه في البرلمان الامتناع عن التصويت فقط.
ويعيد مشروع القانون الجديد الخاص بالمخابرات الداخلية (إم آي 5) التذكير بقضة بات فينيوكين، وهو محام كان يتولى الدفاع عن عناصر في الجيش الجمهوري الإيرلندي، وقتل عام 1989 بأربع عشرة رصاصة أمام زوجته وأطفاله في منزله في بلفاست بإيرلندا الشمالية. وقد تبين لاحقا أن الجناة كانوا من مجموعة موالية للحكومة البريطانية، ويعملون كمخبرين سريين مع الشرطة.
وقد اعتذر رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون لعائلة الضحية عام 2012 عن الحادثة، مشيرا إلى "العلاقات الصادمة" بين الجناة وقوات الأمن.
وقال المعترضون على المشروع إن القانون يجب أن يحدد بدقة ما يمكن للمخبرين القيام به.
من جهتها، قالت النائبة أبسانة بيجوم إن "العمليات السرية يجب أن تبقى تحت المراقبة بشكل كامل، مع وضع حدود واضحة. الحدود في هذا القانون غامضة"، وفق ما نقلت عنها صحيفة الغارديان.
ورأى النائب العمالي جون تريكيت أن القانون "يسعى لمنح غطاء قانوني لأعمال سرية غير قانونية".
ورغم طلب قيادة حزب العمال عدم التصويت ضد القانون، إلا أن مؤيدين لستارمر يقولون إنهم سيطرحون تعديلات، وسيطلبون توضيحات وضمانات قبل التصويت عليه بالقراءة الثالثة.
ويعتمد جهاز "إم آي 5" منذ زمن طويل سياسة تسمح لعملائه بالانخراط في أنشطة إجرامية متناسبة مع أهمية المعلومات التي يمكن الحصول عليها، لكن محكمة قررت العام الماضي أنه يمكن القيام بذلك على نطاق ضيق فقط.
وبحسب الغارديان، فإن الحكومة تريد الآن تحويل سياسة الجهاز إلى قانون مكتوب لأول مرة.
ويقول جهاز المخابرات الداخلية إنه تمكن منذ عام 2017 من إحباط 27 مخططا لتنفيذ هجمات إرهابية من الإسلاميين واليمين المتطرف، وإن بعض هذه العمليات الأمنية التي نفذت بالاشتراك مع الشرطة تطلبت الاعتماد على معلومات من مخبرين سريين اضطروا للانخراط في أنشطة غير قانونية.
ومن بين تلك العمليات إحباط مخطط يقول الجهاز إنه كان يستهدف رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، وحينها قام عملاء للمخابرات ضمن عملية سرية بتسليم المتهم نعمور زكريا رحمان؛ ما كان يعتقد الأخير أنها سترة ناسفة وحقيبة ظهر مليئة بالمتفجرات لتنفيذ العملية. وقد قُبض على رحمان وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2018.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إن مشروع القانون يشوبه غموض كبير، ما قد يتيح في نهاية المطاف ارتكاب جرائم خطيرة، مثل القتل والتعذيب والعنف الجنسي.
لكن الحكومة تقول إن القانون لا يصل إلى "الترخيص بالقتل"؛ لأنه سيكون متوافقا مع الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان وقانون حقوق الإنسان في
بريطانيا، اللذين ينصان على حماية الحق في الحياة ومنع التعذيب.
وقال وزير الأمن جيمس بروكينشاير، خلال مناقشة مشروع القانون في البرلمان الأسبوع الماضي: "أعلم أن هناك مخاوف من أن يمنح هذا القانون بطريقة ما رخصة للقتل أو ارتكاب التعذيب.. دعوني أكون واضحا، سيكون هناك حد أقصى للأنشطة التي سيسمح بها هذا القانون، وهي متضمنة في قانون حقوق الإنسان".
وتقول صحيفة الغارديان إن المعلومات التي يتم الحصول عليها عبر العملاء السريين ضرورية، لكنها شددت في افتتاحية لها على ضرورة وضع حد فاصل بين ما هو مسموح وما هو غير مسموح، ورسم خطوط حمر أمام العملاء السريين.
وتشير الصحيفة إلى أنه من بين نحو ألف مجموعة سياسية جرى استهدافها بالتجسس في بريطانيا منذ عام 1968، فإن عددا محدود جدا من العمليات استهدف اليمين المتطرف.
وقالت إن المصدر الآخر للقلق هو حقيقة أن التصاريح لمثل هذه العمليات تُمنح من المشرفين على التحقيق (الشرطة والمخابرات) بدلا من إشراف خارجي، مثل القضاء.
ويقول اللورد كين ماكدونالد، وهو مدع عام سابق، إنه بموجب القانون الجديد سيكون من السهل لأي ضابط أن يرتكب جريمة خطيرة أكبر من التنصت على هاتف أو تفتيش كوخ.
وتوقع الوزير السابق في حزب المحافظين، ديفيد ديفيز، أن يتم تحدي القانون أمام القضاء البريطاني "بنجاح".