قضايا وآراء

ماذا يعني 18 أكتوبر بالنسبة لإيران؟

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600

أعلنت الإدارة الأمريكية خلال أيلول (سبتمبر) تفعيل آلية "فض النزع" بالاتفاق النووي للقضاء عليه نهائيا وسحب أنبوب الأوكسيجن منه في العناية المركزة، لكن الخطوة لم تحسم الصراع بشأن هذا الاتفاق، ليبقى مستمرا بشأن كل بنوده وتفاصيله، ولا نهاية قريبة لهذا الصراع، سواء فاز دونالد ترامب أو جو بايدن بالرئاسة الأمريكية. 

وفي الوقت ذاته أصبح الاتفاق النووي بالنسبة للولايات المتحدة في عداد الموتى، لكن تعتبر طهران وبقية شركاء الاتفاق أنه مازال على قيد الحياة، ولو تراجعت علاماته الحيوية، وذلك بغية تحصيل ما تبقى لها من امتيازات غير اقتصادية، بموجب الاتفاق نفسه والقرار 2231 الصادر من مجلس الأمن، المرتبط به. وفي مقدمة هذه الامتيازات، التي بنت طهران عليها حسابات كبيرة، هو انتهاء الحظر التسليحي عليها، إذ ينص القرار على انقضاء هذا الحظر المستمر منذ 13 عاما، اعتبارا من 18 تشرين الثاني (نوفمبر)، ليكون بإمكانها تصدير وبيع الأسلحة التقليدية.

خاضت الإدارة الأمريكية معركة كبيرة في مجلس الأمن لتمديد هذا الحظر خلال الشهور الماضية، قبل أن تخفق في ذلك لعدم تماهي شركاء الاتفاق النووي، وهم أعضاء بالمجلس مع حراكها، وعليه لجأت لخطوة غير قانونية هي الضغط على آلية "الزناد" أو ما يعرف أيضا بـ"فض النزاع"، لانسحابها من الاتفاق يوم 8 أيار (مايو)، ما يسلبها حق تفعيل هذه الآلية، معلنة وسط معارضة قوية من 13 عضوا في مجلس الأمن، إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران، مما يعني أن القرار 2231 لم يعد قائما وأن الحظر التسليحي قد تمدد بحسب واشنطن. 

إلا أن إيران ترفض هذا الإعلان الأمريكي، وتؤكد أن الحظر سينتهي غدا الأحد وأنه سيكون بإمكانها تصدير وتوريد الأسلحة، وعليه يحمل هذا اليوم دلالات ومعان ذات مغزى لطهران في سياق المواجهة مع واشنطن، لتعتبره الحكومة الإيرانية، "يوما عظيما"، باركه الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأربعاء الماضي، للشعب الإيراني. 

 

لا شك أن إيران اليوم في موضع أقوى حقوقيا وسياسيا وأخلاقيا في الموقف من الاتفاق النووي، والولايات المتحدة المنسحبة من الاتفاق في عزلة سياسية وحقوقية، إلا هذا الموضع الأقوى لم ينفع طهران كثيرا من الناحية العملية، حيث رضخت الدول بما فيها شركاء الاتفاق النووي الأربعة لأحادية واشنطن المعزولة،

 



نظريا، على ضوء رفض مجلس الأمن تمديد هذا الحظر من خلال تمرير قرار أمريكي خلال أغسطس (آب) الماضي، وثم معارضة توجه واشنطن لتفعيل آلية "فض النزاع"، سينتهي الحظر من الأحد من الناحية القانونية، لكن انتهاءه عمليا على ضوء التهديدات الأمريكية الشديدة بفرض عقوبات على أي طرف ودولة ينتهك هذا الحظر، يواجه تحديدات كثيرة، فيتوقع أن توظف الإدارة الأمريكية جميع قدراتها لاستمرار الحظر التسليحي، مثلما فعلت ذلك في موضوع العقوبات التي أصبحت مرفوعة بحكم القرار الأممي (2231) نفسه، لكنها مفروضة بسبب استغلال واشنطن نفوذها ودورها وسياساتها الأحادية.


لا شك أن إيران اليوم في موضع أقوى حقوقيا وسياسيا وأخلاقيا في الموقف من الاتفاق النووي،  والولايات المتحدة المنسحبة من الاتفاق في عزلة سياسية وحقوقية، إلا هذا الموضع الأقوى لم ينفع طهران كثيرا من الناحية العملية، حيث رضخت الدول بما فيها شركاء الاتفاق النووي الأربعة لأحادية واشنطن المعزولة، الأمر الذي حال دون أن يكون هناك مردود عملي للانتصارات القانونية والسياسية التي حققتها إيران في الأوساط الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن خلال العامين الأخيرين في المواجهة الدائرة بشأن الاتفاق النووي. 

وتذكرنا هذه المكاسب القانونية والسياسية بتلك الانتصارات المماثلة التي نالها الفلسطينيون منذ 70 عاما سواء من خلال صدور قرارات أممية أو مواقف سياسية دولية لصالحهم، لكن على أرض الواقع لن تشفع لهم تلك القرارات والمواقف لاستعادة حقوقهم المغتصبة على مدى العقود السبعة، وفقدوا بالتدرج المزيد من الأراضي والحقوق، ورهان البعض على الشرعية الدولية، رغم أهميتها، لم يأت بأي نتيجة. وذلك لأن القرارات الأممية كعادتها إما أن تتماهى مع أصحاب حق النقض أو أنها تغدو دون أسنان، وعبارة عن لغة قانونية قوية لكنها لا تجد طريقها للتنفيذ بسبب شلل أدوات "الشرعية الدولية".

والنتيجة، أن الوضع بالنسبة لإيران فيما يتعلق بالاتفاق النووي قد عاد إلى مرحلة ما قبل الاتفاق، وبشكل أسوأ، إذ أن العقوبات الأمريكية "التاريخية" لم تصفر فقط مكاسبها الاقتصادية من الاتفاق فحسب، بل تجاوزت مستوى تلك العقوبات التي سبقت هذا الاتفاق لتطال كل شيء، وهي بكل ما تعنيه الكلمة غير مسبوقة في التاريخ، وضيقت الإدارة الأمريكية حلقة الحصار الاقتصادي، لدرجة لم تعد بإمكان الحكومة الإيرانية حتى تصدير النفط مقابل الغذاء، كما كان الوضع بالنسبة للعراق في تسعينيات القرن الماضي، غير أنها من خلال اتباع طرق التفافية وعبر "سفن الشبح" حققت نجاحات غير متوقعة خلال الشهر الماضي، من خلال تصدير كميات كبيرة من نفطها، بحسب بيانات "تانكر تراكرز" وشركات أخرى.  

التعليقات (0)