"ترامب" الطامح لفترة رئاسة ثانية، يتصرف بطريقة استبدادية لإحراج الديمقراطيين، فقرر الكشف عن رسائل وزير الخارجية الأمريكية السابقة "
هيلاري كلينتون" إبان فترة حكم الرئيس "أوباما"، في ظل تقدم منافسه الديمقراطي" جو بايدن" في استطلاعات الرأي.
وقد تمحورت هذه التسريبات حول دعم إدارة الرئيس أوباما، لثورات "الربيع العربي"، ودعم الديمقراطية في بلدان الربيع العربي، بعكس موقف الجمهوريين، الذين قاموا بدعم الثورات المضادة لإفشال التجربة الديمقراطية، نظرا للعداء المستحكم من اليمين المتطرف للإسلاميين، وبصفة خاصة جماعة
الإخوان المسلمين، الذين تبوأوا الصدارة بعد ثورات الربيع العربي.
وما إن تم الإعلان الكشف عن رسائل "كلينتون"، حتى تلقفها الإعلام الانقلابي، وراح ينسج حولها الأساطير، وقصص الخيال العلمي، بالرغم من أن هذه التسريبات نُشرت من قبل في عام 2016، وليس فيها جديد يُعوّل عليه أو يُوصف بأنه شيء ذو قيمة.
وكما شن الإعلام الانقلابي هجوما شرسا على قطر وقناة الجزيرة وأوباما وكلينتون وجماعة الإخوان والرئيس الراحل محمد
مرسي - رحمه الله - بزعم أن إدارة الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته دعمتا ثورات الربيع العربي بقصد إثارة الفوضى، فضلا عن تأييدهما لحكم الإخوان في
مصر!!
وإذا سلمنا جدلا بصحة هذه التسريبات، لكن تبقى هناك إشكالية: ما مدى صدق ناقل هذه الرسائل لكلينتون، الذي منحه الإعلام الانقلابي عصمة مطلقة، ومصداقية بلا حدود؟!!
وقد أبرزت تسريبات كلينتون، بشكل كبير، حجم وقوة جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها أكبر قوة سياسية في مصر. والطريف أن الاعتراف بقوة الإخوان كان الهاجس لدى جميع النشطاء السياسيين، والجميع متفقون على أن أكبر قوتين منظمتين في مصر على الساحة، هما الجيش والإخوان، لذلك كانت هناك "تلكيكات" من كافة القوى السياسية بتأجيل الانتخابات، بزعم أن القوى الشبابية غير مستعدة لأي استحقاق في الوقت الراهن، مما جعل "إبراهيم عيسى" يقول بعد أحداث ثورة
25 يناير 2011: "الثورة أظھرت بشكل بالغ الوضوح أن الإخوان المسلمين جزء من المجتمع المصري وليس المجتمع المصري، ولا يمكن أن يتجاوز 10-15 في المئة من المجتمع المصري، ومن حق الإخوان المسلمين إنھم يشتغلوا ومن حقھم إنھم ينزلوا في الشارع، ومن حقھم إنھم يتظاھروا ومن حقھم إنھم يترشحوا في الانتخابات".
وواصل إبراهيم عيسى قوله: "إنما الخيابة بقى والبلاھة بتاعت اللي بيقولوا: أصل الإخوان ھيسيطروا.. ده معناه: العجز البّين لدى القوى الوطنية والتيارات الوطنية الأخرى، كده مفيش ديمقراطية بقى، كده ھنبدأ من الأول ونفتح ورق فاضي ونقوم بديمقراطية الاستبعاد والإزاحة؟! لا إنتوا متخشوش لا إنتوا متعملوش، إيه ده؟! ديمقراطية إيه دي اللي على الدواق دي؟! إحنا بنفتح بطيخة؟!".
فالكل كان يعلم بالوزن النسبي لجماعة الإخوان المسلمين.
كما أظهرت تسريبات "كلينتون" ضرورة تقديم النصائح لإشراك جماعة الإخوان في العملية السياسية والتفاوض بينها وبين الجيش حينئذ، والحديث عن لقاء تم بين "هيلاري كلينتون" مع الرئيس محمد مرسي، الذي تطرق فيه مرسي لكيفية دعم أمريكا لمصر بخبراء أمن لتقديم خبراتهم في شأن "إعادة هيكلة وزارة الداخلية المصرية"، باعتبارها أحد أهداف ثورة يناير.
وقد فسر الإعلام الانقلابي تسريبات كلينتون على أنها أدلة لإدانة جماعة الإخوان، وأنها نسقت مع الأمريكان، وأن ثورات "الربيع العربي" ما هي إلا مؤامرة أمريكية، دعمتها ومولتها قطر، بهدف نشر الفوضى، وتسليم السلطة في مصر لجماعة الإخوان.
ومباشرة قام إعلام مسيلمة الكذاب بنسج قصة من بنات أفكاره، بأن الرئيس مرسي خطط لتفكيك وهيكلة جهاز الشرطة، حتى يتسنى له السيطرة عليه.
وسوف أركز على هذه الجزئية بالذات وضحدها بالبراهين والأدلة الدامغة، لبيان كذب وافتراء هذا الإعلام "المأجور".
فعندما كنا في مجلس الشورى، في عام 2012، وفي لجنة حقوق الإنسان، برئاسة الدكتور "إيهاب الخراط"، وكنت أشغل منصب وكيل اللجنة، تقدمنا من خلال اللجنة بمشروع لهيكلة جهاز الشرطة، بالتعاون مع اللواء "عبدالهادى بدوي"، مساعد وزير الداخلية الأسبق لمباحث الأموال العامة، والدكتور "عبد الخالق فاروق"، الخبير في شؤون الموازنات العامة الحكومية في المنتديات الدولية، وتقدمنا باقتراح لتطوير الأداء الأمني للشرطة، وحضر مندوبا عن الداخلية: اللواء "عبد الفتاح عثمان"، مدير الإدارة العامة للإعلام والعلاقات العامة بوزارة الداخلية.
وقدم الدكتور إيهاب الخراط ورقة عن تطوير الأداء الأمني، كما قمت أنا بتقديم ورقة أخرى عن هيكلة جهاز الشرطة وتطوير الأداء الأمني.
وهذا
رابط الفيديو الذى أذيع في حينه على قناة صوت الشعب، التي كانت تغطي جلسات مجلس الشورى.
وكانت لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى بتاريخ 18 آذار/ مارس 2013 برئاسة الدكتور إيهاب الخراط، ناقشت خطة التطوير الأمني، وقدمت اقتراحا بإنشاء مجلس أعلى لتطوير الأداء الأمني يتشكل من رئيس الجمهورية أو من ينوب عنه، ويكون الدكتور "أحمد فهمي" - رئيس مجلس الشورى - نائبا، ووزير الداخلية نائبا ثانيا، ويضم ثلاثة من قيادات الشرطة الحاليين واثنين من القيادات السابقة، وخبراء من حقوق الإنسان، وواحد أو اثنين من أعضاء لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى.
فالأمر لا دخل له بالرئيس "محمد مرسي" - رحمه الله - لا من قريب ولا من بعيد، وكونه ناقش مع كلينتون الأمر، فكان فقط من باب الاستفادة من خبرات الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الجانب، لأن هيكلة جهاز الشرطة وتطوير أدائه الأمني كان مطلبا ثوريا، مثله مثل إقالة النائب العام؛ الذي قامت الدنيا بإقالته ولم تقعد!!
كما أن الإعلام الانقلابي والأذرع الإعلامية التي ملأت الدنيا ضجيجا وصراخا وعويلا، وطالبت مرارا وتكرارا بسقوط حكم المرشد، تبين لها من خلال التسريبات أن الرئيس "محمد مرسى" كان يحكم منفردا، ولم يكن يخضع لمكتب الإرشاد.
لكن للأسف، الإعلام الانقلابي أغفل عن عمد الحديث عن تسريبات "كلينتون" حول تورط "السيسي" و"العصار" في مجزرة رفح الأولى في شهر رمضان بسيناء عام 2012. فقد كشفت التسريبات عن تورط قائد الانقلاب وعصابته في المجازر التي وقعت عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وأن "السيسي" والعصار - مهندس التنسيق مع أمريكا والكيان الصهيوني- متورطين بشكل أو بآخر فى عملية قتل الجنود المصريين برفح عام 2012.
وكان اللواء المتقاعد طاهر عز الدين، قد أشار فى حديث له عام 2013م، إلى أن "“السيسي" هو من كان ينفذ مخطط المجلس العسكري منذ البداية، بتعليمات من المشير "محمد حسين طنطاوي"، والذي بدأ بحادثة مقتل الجنود المصريين برفح في رمضان لتوريط الرئيس مرسي فيها، ومن ثم الإطاحة به.
كما تجاهل "أرجوزات" الإعلام الانقلابي أن الانقلاب تم على الرئيس مرسي برضا أمريكي كامل، ومطالبة صهيونية من نتنياهو، وتمويل سعودي إماراتي، وأن السيسي أعلن صراحة أنه كان على اتصال بوزير الدفاع الأمريكي آنذاك "تشاك هيجل" لإطلاعه على تفاصيل تحركات الجيش للانقلاب على الرئيس "محمد مرسي".
وفي حديث لمجلة "النيويوركر" تحت عنوان "ثورة مصر الفاشلة"، قدّر هيجل عدد مكالماته مع السيسي بنحو الخمسين، قائلا: "لقد كنّا بالمعنى الحرفي نتحدث ما يقرب من مرة أسبوعيا، وكانت بعض المكالمات تستغرق ساعة أو أكثر".
وكم حاول إعلام العار أن يروج مع قائد الانقلاب في كل مناسبة بأن ثورة يناير كانت مؤامرة، لجعلها شماعة يعلق عليها فشله!!