هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت وكالة "الأناضول" التركية، إن الساحة السورية تشهد صراعا عميقا بين روسيا وإيران.
وأوضحت الوكالة في تحليل لها أنه بينما تعمل موسكو على إحداث تغييرات جذرية في بنية الدولة السورية، وأخرى في المنظومة الحاكمة، خصوصا على صعيد الجيش والأمن، من أجل ضمان هيمنتها المطلقة على سوريا، يسعى نظام الأسد إلى شراء الوقت لإبقاء الأمور على ما هي عليه، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية عام 2021.
وفي المقابل، تعمل إيران على تجميد كل شيء على حاله، إلى حين استبانة ما ستؤول إليه الأمور في الولايات المتحدة الأمريكية عقب الانتخابات الوشيكة في شهر نوفمبر المقبل/تشرين الثاني، التي تعول إيران الكثير على نتائجها، وتتجرع من أجلها سم الضربات الإسرائيلية والحصار الاقتصادي الأمريكي الخانق.
من المؤكد أن ما يعني الروس على الأرض في سوريا، هو كونهم المنتصر الرئيسي في الحرب السورية، وكيف يقطفون ثمار هذا النصر. لكن التجارب التاريخية تشير إلى صعوبة التعايش بين قوتين خارجيتين محتلتين أو متحكمتين في مكان واحد. هذا ما بدأ يظهر جليا على طبيعة العلاقة بين روسيا وإيران في سوريا، حيث برزت في الآونة الأخيرة مواقف كثيرة تشير إلى التباعد بين الجانبين أكثر فأكثر، خصوصا حيال المسائل الأساسية، مثل تركيبة الدولة السورية بعد الحرب، ومسألة بقاء بشار الأسد على رأس السلطة، ودور الأكراد.
وبالرغم من الانسحاب الإيراني الجزئي بداية شهر أيار/ مايو الماضي، إلا أنه لا يمثل تغييرا استراتيجيا، إذ تجد روسيا نفسها في وضع لا يمكنها بموجبه، ليس فقط السيطرة على تصرفات إيران في سوريا، بل وضبط أداء نظام الأسد أيضا. وكل رهان على فصل المنظومة الأسدية عن إيران يبدو وهما لا طائل تحته، لأن العلاقة بين الطرفين تشبه "التوأم السيامي"، كما عبر عنها الكاتب اللبناني د. خطار أبو دياب. ولذا سيكون التجاذب الروسي – الإيراني الخفي عاملا مؤثرا في بلورة إعادة تشكيل المشهد السوري. في هذا السياق، يجدر التنويه إلى أن نظام الأسد اليوم، لا يمثل أي بعد لدولة قُطرية، بل يعتبر كانتونا في هيكل دولة؛ حيث من يملك القرار النهائي في سوريا، مجموعة من القوى الخارجية الفاعلة.
صراع على المؤسسة العسكرية
باتت المؤسسة العسكرية السورية نتيجة المواجهة المفتوحة مع الثورة السورية، وسياسة حلفاء النظام، موسكو وطهران، خارج السيطرة الفعلية لقيادة النظام، وتعتبر التشكيلات الرئيسية والفاعلة تحت القيادة المباشرة للحلفاء أكثر منها للقيادة العامة، وتحتل موسكو المساحة الأكبر في خارطة النفوذ على مستوى الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والقوى الجوية والدفاع الجوي.
وتسود خلافات داخلية على مستوى قيادة الجيش، نتيجة رفض ماهر الأسد سياسة شقيقه بشار بصفته القائد العام للجيش، حيث اتجه ماهر إلى تأسيس تكتل عسكري موالٍ له بشكل مباشر، في الساحل السوري والمنطقة الجنوبية. ويشرف العميد غياث الدلة على إدارة ملف الساحل، حيث نظم في النصف الثاني من 2020 عدة لقاءات لقادة تشكيلات عاملة في الساحل، منها الفوج 53 مشاة/قوات خاصة في طرطوس، فيما كان التركيز على تشكيلات الدفاع الوطني والقوات الرديفة في الساحل، واستطاع "الدلة" تأسيس حاضنة قوية لصالح ماهر الأسد، حيث شهد النصف الثاني من 2020 عملية نقل عدة تشكيلات رديفة ليصبح نشاطها تحت قيادة الفرقة الرابعة. أما في المنطقة الجنوبية، فقد أشرف يعرب زهر الدين، مسؤول مكتب أمن الفرقة الرابعة في السويداء، على تكثيف عمليات التجنيد والتسويات الأمنية لصالح الفرقة الرابعة في المحافظة.
انعكاسات ميدانية
ميدانيا، يعاني جيش النظام من عجز كبير بشري ولوجستي، لدرجة أنه أصبح غير قادر على خوض عمليات قتالية على مستوى المحافظات، بسبب نقص العنصر البشري، إضافة إلى حصر الدعم اللوجستي والعسكري من قبل حلفاء النظام، بتشكيلات ممولة من قبلهم وليس وزارة الدفاع؛ حيث بدأت كل من موسكو وطهران، منذ مطلع 2019، بتركيز الدعم على تشكيلات رديفة، تأسست بإشراف مباشر منهما. وبينما تدعم روسيا الفرقة 25 مكافحة الإرهاب والفرقة 30 حرس جمهوري، تقوم إيران بدعم لواء الباقر. أما بقية تشكيلات جيش النظام الأخرى، فتعاني من عجز كبير على جميع المستويات.
على المستوى الأمني، يسيطر الروس فعليا على الأجهزة الأمنية، من خلال مكتب استخبارات الجيش الروسي الموجود في منطقة المهاجرين بدمشق، حيث هو المسؤول الفعلي عن النشاط الأمني، ولا سيطرة فعلية من طرف النظام على تلك الأجهزة.
هذا الوضع، دفع ماهر الأسد للبدء بتأسيس نواة جهاز أمني مستقل، من خلال منح مكتب أمن الفرقة الرابعة صلاحيات واسعة، ويعتبر المكتب حاليا جهازا أمنيا مستقلا، ويمارس مهامه خارج مظلة وزارة الدفاع، التي تعتبر الجهة الرسمية المسؤولة عن وحدات الجيش، وبعيدا عن شعبة الأمن العسكري، الجهة الأمنية الرسمية المسؤولة عن ملف أمن المؤسسة العسكرية.
الإيرانيون من جانبهم، بواسطة مكتب استخبارات الحرس الثوري في دمشق بمنطقة المزة، أدوا الدور الأهم في تفكيك الأجهزة الأمنية من خلال كسب/شراء ولاءات ضباط تلك الأجهزة، بالإضافة إلى التركيز على نقل الكوادر والضباط الموالين للحرس الثوري إلى المناطق الساخنة، التي يشرف عليها الحرس الثوري، لا سيما في المنطقة الشرقية ومحافظة حلب، حيث جرت العادة أن يتم تقديم لوائح تعيينات مقترحة، سواء من قبل الجانب الروسي أو الجانب الإيراني، قبيل كل فترة تعيينات دورية تصدر، ويتم التركيز من خلال هذه اللوائح على فرض تعيينات في عدد من المواقع، بما يتناسب مع حماية مصالح هذه الأطراف ونفوذها الأمني، الأمر الذي أدى إلى تفكك الأجهزة الأمنية، وفرض حالة من التضارب في آلية العمل.
وتيرة النقد الروسي لنظام الأسد في تصاعد مستمر، خصوصا فيما يتعلق حالة التخبط التي تعاني منه الأذرع الأمنية في القصر الجمهوري، الذي بلغ مداه في أثناء تحديد قائمة المرشحين لمجلس الشعب في الانتخابات الأخيرة، حيث تم تغيير القائمة عدة مرات، مما دفع فارس الشهابي رئيس غرفة صناعة حلب إلى الإشارة للفساد وتدخل الأجهزة والحزب بالانتخابات، وذلك عبر تصريح غير مباشر وغير واضح.
"الأناضول"، قالت إن المرحلة القادمة سوف يكون الروس أكثر استعدادا للتعاون الأمني والمعلوماتي مع الأمريكان والاحتلال الإسرائيلي، بخصوص أذرع إيران، وربما يقومون بفتح خطوط أكثر مع المعارضة السورية، وسوف تستمر روسيا في إضعاف بشار الأسد من جهة، وإحكام السيطرة أكثر على المؤسسات الرئيسية والحيوية في سوريا من جهة أخرى. من أجل ذلك لن تكون مكترثة بضرب إيران، بل ستبدي قدرا من التعاون في استهداف الوجود الإيراني في سوريا، من أجل إرغام الأسد على الدخول الفعلي في عملية المفاوضات.
لا ينحصر التنافس الروسي – الإيراني، على منع إيران من الاستحواذ على مرفأ في الساحل السوري، الحيوي بالنسبة للوجود الروسي، أو في الاستثمارات والتغلغل داخل البنية السورية، بل يتصل بالهدف النهائي للتنسيق؛ إذ تريد روسيا الوصول لبناء دولة اتحادية مستقرة تضمن مصالحها، بينما تبذل طهران كل جهودها لتكريس بقاء سوريا في النادي الإيراني، حيث تتلاشى الدولة أمام منطق الهياكل الموازية خدمة للمشروع الإمبراطوري الإيراني.
باختصار، سيشتد التنافس ويغيب التنسيق بين الروس والإيرانيين، بانتظار متغيرات حاسمة، وإذا قرر القيصر الروسي أن يبقى ملك اللعبة على رقعة الشطرنج السورية، فلن يكون من السهل عليه إبعاد إيران عن الغنيمة السورية بعد كل هذا الاستثمار. ومن ثم، ستكون موسكو محرجة أكثر فأكثر في تحريك أحجار الشطرنج بين إسرائيل وإيران وواشنطن وأنقرة، بحسب "الأناضول".