هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تناول الكاتب البريطاني الشهير ديفيد هيرست، شعبية زعيم العمال كير ستارمر، معتبرا أن صمت الأخير حول فلسطين ومعاملته لسلفه جيرمي كوربين وضعاه بصدام مع الكثيرين داخل حزبه.
واعتبر هيرست في مقاله في موقع "ميدل إيست أي" الذي يرأسه تحريره، أن "قرار ستارمر بتجميد عضوية كوربين سيعلق به كما علق قرار الحرب على العراق ببلير"، وفق قوله.
وحول موقف ستارمر من فلسطين، قال هيرست وفق ما ترجمته "عربي21"، إن "أحد الجوانب الأقل بروزا لهجومه على اليسار داخل حزبه، منذ أن أصبح زعيما لحزب العمال، هو صمته المستمر حول فلسطين".
اقرأ أيضا: MEE: كير ستارمر يمزق حزب العمال بتعليق عضوية كوربين
وقال: "لطالما كان إسكات اللوبي المناصر لفلسطين في بريطانيا هدفا من أهداف وزارة الشؤون الاستراتيجية في إسرائيل، والتي لم توفر جهدا في العمل على تكييف النقاش الذي يدور داخل حزب العمال حول إسرائيل".
وشدد على أن ستارمر "منذ أن أصبح زعيما لحزب العمال، تجنب أي تواصل مع القادة الفلسطينيين سواء في إسرائيل أو في بريطانيا".
وتاليا النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21":
سوف يعلق قرار تجميد عضوية كوربين بستارمر كما علق قرار الحرب على العراق ببلير
أحد الجوانب الأقل بروزاً لهجوم كير ستارمر على اليسار داخل حزبه منذ أن أصبح زعيماً لحزب العمال هو صمته المستمر حول فلسطين.
لطالما كان إسكات اللوبي المناصر لفلسطين في بريطانيا هدفاً من أهداف وزارة الشؤون الاستراتيجية في إسرائيل، والتي لم توفر جهداً في العمل على تكييف النقاش الذي يدور داخل حزب العمال حول إسرائيل.
في عام 2017، كشف فيلم وثائقي من إعداد قناة الجزيرة عن الجهود التي كان يبذلها رجل الوزارة في لندن، شاي مازوت، لإنشاء جناح شبابي داخل حزب العمال. كما تم تصوير مازوت سراً من قبل مراسل متخف وهو يقول إنه يريد "أن يطيح" بوزراء في الحكومة وبأعضاء في البرلمان لأنهم كانوا يسببون "المشاكل" لإسرائيل.
بعد أن انكشف أمر مازوت وتم طرده، بدأت تنساب معلومات وصور حول لقاءات جمعت فلسطينيين مع جريمي كوربين لما كان عضواً في المقاعد الخلفية للبرلمان، تعود في بعض الأوقات إلى ما يزيد عن العقد، وذلك بهدف إثارة السخط على الرجل الذي كان قد تولى لتوه زعامة حزب العمال.
لم تكن تغذية الجمهور بهذه المعلومات بلا معالجة.
اقرأ أيضا: ما أقدم عليه ستارمر يؤشر على أن إسرائيل ستنعم بالأمن معه
فعلى سبيل المثال، عندما التقى كوربين بثلاثة سياسيين من حركة حماس سُحبت منهم بطاقات هوياتهم المقدسية وجلسوا يعتصمون في مقر الصليب الأحمر (علماً بأن ذلك الحدث في حينه كان يجذب المشاهير بل وكثيراً من الإسرائيليين الذين ذهبوا للتعبير عن تضامنهم مع قضية هؤلاء الفلسطينيين)، كان حاضراً في اللقاء عضو برلماني آخر من حزب العمال هو آندي سلوتر، والذي لم يكن حليفاً لكوربين ولكنه كان مناصراً للقضية الفلسطينية. الذي حدث هو أن أندي سلوتر كان باستمرار يحذف من التقارير البريطانية.
إلا أن صورة لآندي سلوتر ظهرت في تقرير حصري بثته قناة i24 الإسرائيلية في 2018 حول ما ادعت أنه "زيارة كوربين السرية" أي بعد ثمانية أعوام من الزيارة التي قام بها عضوا البرلمان في نوفمبر / تشرين الثاني 2010.
دور الشين بيت
كانت تفاصيل زيارة كوربين إلى إسرائيل في عام 2010، بما في ذلك من كان يرافقه فيها ومن الذي رتبها ومع من التقوا أثناء الزيارة، قد رصدت بالكامل ووثقت ساعة بساعة من قبل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي الشين بيت.
وعندما انتهت الزيارات، استدعى جهاز الشين بيت السيدة التي كانت ترتب لكوربين لقاءاته، وحققوا معها على مدى خمس ساعات داخل مركز للشرطة في حيفا.
قال لها ضباط الشين بيت إنه لا توجد لديهم مشكلة مع ما تقوم به من عمل خيري دعماً للقضية الفلسطينية ولكنهم لن يتساهلوا مع أي نشاط تقوم به داخل البرلمان البريطاني.
وقالوا لها إنها إذا لم تأخذ إنذارهم على محمل الجد فسوف تقضي بقية عمرها في السجن باعتبارها عدواً للدولة. قال لها محاميها عند ذاك إن مثل هذه التهمة يمكن بالفعل تلفيقها لها وأنه فيما لو حدث ذلك فإن المحكمة الإسرائيلية يمكن أن تحكم عليها بالسجن، علماً بأنها مواطنة إسرائيلية.
في أقل تقدير، تؤكد التحذيرات التي وجهت لتلك السيدة التي كانت تشرف على زيارة كوربين محلياً أن أجهزة الأمن الإسرائيلية وضعت نصب أعينها عضو البرلمان قبل خمس سنين من توليه زعامة حزب العمال وقبل وقت طويل من بروز قضية معاداة السامية في حزب العمال وتصدرها عناوين الأخبار.
لم يأبه أحد في حزب العمال بما كان يقوم به كوربين من رحلات، والتي من المؤكد أنها لم تكن سرية إطلاقاً. فقد كان من نواب المقاعد الخلفية وعلى هامش الحزب. لم يسترع ذلك سوى انتباه الشين بيت.
كانت حملة تلطيخ سمعته فعالة إلى أقصى حد. بالطبع، انضمت إلى الحملة مجموعات أخرى، لأسباب مختلفة، بما في ذلك بعض الناس الذين لم يكونوا يأبهون بالصراع في فلسطين ولم يبدوا في الماضي أي اهتمام به.
ما كانت المواد التي استخدمت للنيل من كوربين والمتعلقة بمعارفه السابقين ليكون لها أدنى قيمة لولا انعقاد النية لدى كتلة حزب العمال البرلمانية والمقر الرئيسي لحزب العمال على وقف كوربين عن التقدم بأي ثمن. لكن الجهود التي بذلت ضده مجتمعة آتت أكلها بلا شك.
أجرت مؤسسة سيرفايشن استطلاعاً للرأي مع أفراد من الجمهور البريطاني لديهم معرفة بحكاية معاداة السامية في حزب العمال وسألتهم كم النسبة المئوية لأعضاء حزب العمال الذين اشتكوا من ذلك.
تراوح معدل إجاباتهم حول 34 بالمائة، مع أن الرقم الحقيقي كان جزءاً ضئيلاً من واحد بالمائة فقط. أي أن الانطباع حول تفشي معاداة السامية داخل حزب كوربين تجاوز 300 ضعف ما هو في الواقع.
خسارة فلسطين
منذ أن أصبح زعيماً لحزب العمال تجنب كير ستارمر أي تواصل مع القادة الفلسطينيين سواء في إسرائيل أو في بريطانيا.
وكانت قد سنحت فرصتان أمام ستارمر لإجراء مثل هذا التواصل.
في السادس والعشرين من يونيو / حزيران من هذا العام، كتب خمسة عشر عضواً من أعضاء الكنيست، يشكلون القائمة المشتركة، إلى جميع زعماء الأحزاب في بريطانيا لحثهم على القيام "بمعارضة فعالة" لمساعي إسرائيل ضم المناطق الفلسطينية بشكل أحادي.
معلوم أن القائمة المشتركة، التحالف الرئيسي الذي يمثل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، هي أكبر تكتل لأعضاء الكنيست داخل البرلمان الإسرائيلي. والذي وجه الخطاب هو يوسف جبارين، رئيس اللجنة الدولية في القائمة المشتركة.
كلف رئيس الوزراء بوريس جونسون أحد وزرائه، وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جيمس كليفرلي، بالرد.
كتب كليفرلي في رده يقول: "ما زلنا باستمرار نحث إسرائيل على عدم اتخاذ مثل هذه الخطوات. ولقد قام رئيس الوزراء بإبلاغ رئيس الوزراء نتنياهو في مناسبات عديدة بمعارضة بريطانيا لإجراءات الضم الأحادية."
لم يرد ستارمر على الخطاب الذي ورد إليه من جبارين الذي تلقى رداً آلياً من مكتب ستارمر يشعره بأنه يتلقى مئات الرسائل الإلكترونية كل يوم.
وفي السادس عشر من سبتمبر، كتبت مجموعة تتكون من رموز الجالية الفلسطينية في بريطانيا، كثير منهم أعضاء في حزب العمال وبعضهم ليسوا أعضاء فيه، خطاباً مفتوحاً إلى حزب العمال يصرون فيه على "حق الفلسطينيين على أن نصف بدقة ما مررنا به من تشريد واضطهاد" ويعبرون عن رفضهم لمحاولات حزب العمال المساواة بين مناهضة الصهيونية ومعاداة السامية.
ورافقت الخطاب رسائل إيميل موجهة إلى ستارمر تطلب موعداً للقاء به فقيل لهم إن ستارمر شديد الانشغال ولا يستطع اللقاء بهم، وتم تحويلهم إلى ليزا ناندي، وزيرة خارجية الظل، ولكنها هي الأخرى رفضت لقاءهم.
تقريع وتوبيخ
ولكن عندما دعا ستيفن كينوك، المصنف على يمين الحزب والناقد بشدة لكوربين، في نقاش برلماني إلى أن تفرض بريطانيا "حظراً على المنتجات التي ترد إليها من المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المحتلة" وجدت ناندي وقتاً للتدخل.
أخبرت ناندي مجلس المندوبين اليهود في بريطانيا ومجلس القيادة اليهودي – حسب مصدر نقل عنه موقع ميل أونلاين – أن كينوك، الذي يعرف عنه انتقاده المستمر منذ فترة طويلة للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، قد ناله "تقريع وتوبيخ" بسبب ما قاله أثناء النقاش الذي دار داخل مجلس العموم.
ونقل الموقع عن المصدر قوله: "لم تخف ليزا حقيقة أن زعيم الحزب كان ساخطاً على كينوك. وخاصة بعد كل ما تم إنجازه في محاولة لإصلاح علاقة حزب العمال مع الجالية اليهودية".
وقال المصدر إن ستارمر كان يشتعل غضباً.
وكانت ناندي نفسها قد اقترحت فرض حظر على استيراد البضائع من المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية ولكن فقط فيما لو مضت إسرائيل قدماً في إجراءات ضم الأراضي.
جاء تدخل ستارمر الوحيد في هذا النقاش عندما سألته صحيفة جويش نيوز عن العقوبات وأكد على الحاجة بدلاً من ذلك إلى "علاقة عمل قوية مع إسرائيل".
قال ستارمر: "لا أتفق مع الضم ولا أظن أنه جيد للأمن في المنطقة، وأظن أن من المهم جداً أن نقول ذلك. أن يتبع ذلك فرض عقوبات فهذه مسألة أخرى، ولكن دعونا في الوقت الحالي نحل ذلك بشكل صحيح. ولكن ذلك غير جيد للأمن في المنطقة، وينبغي أن يكون ذلك هو الاعتبار الأهم".
وعندما ضغطوا عليه أكثر، أضاف: "هناك حاجة لوجود علاقة عمل قوية تمكننا من تبادل وجهات النظر بشكل صريح، كما يفعل المرء مع حليف له، وفي بعض هذه القضايا يعتبر التبادل الصريح للآراء حاجة ماسة، في ظني".
تاريخ حزب العمال
يصادف يوم الاثنين مرور 103 أعوام على وعد بلفور الذي التزمت بموجبه الحكومة البريطانية بدعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
سبقت تلك الوثيقة في عام 1917 بروز حزب العمال كقوة سياسية في الأعوام التي تلت الحرب العالمية الأولى. إلا أن للحزب تاريخه الخاص به حول الشرق الأوسط، وهو تاريخ لا يسع زعيماً من زعمائه أن يتجاهله.
في عام 1944 عندما كانت فلسطين ما تزال تحت السيطرة البريطانية، صاغت اللجنة الوطنية التنفيذية لحزب العمال مشروع قرار، ما لبث أن أجازه مؤتمر الحزب، جاء النص فيه على ما يلي: "من المؤكد أن فلسطين، وانطلاقاً من اعتبارات إنسانية ومن أجل الدفع باتجاه تسوية مستقرة، يصلح أن يحدث فيها نقل للسكان. ولذلك، فليُشجع العرب على الخروج منها بينما يدخل اليهود إليها. وليتم تعويضهم بسخاء على أرضهم وليتم تنظيم استقرارهم في مكان آخر بعناية وبتمويل سخي".
بل إن للحزب تاريخاً أحدث من ذلك.
من الممكن مقارنة قرار تجميد عضوية كوربين في الحزب بعد صدور تقرير هيئة المساواة وحقوق الإنسان حول معاداة السامية الأسبوع الماضي بالأسلوب الذي تعامل به كوربين مع طوني بلير الذي تعرض للسلخ بوصفه رئيس الوزراء العمالي السابق من قبل تقرير تشيلكوت في عام 2016 بسبب قراره غزو العراق في عام 2003.
أدان تشيلكوت، وهو دبلوماسي كبير سابق، طوني بلير بشدة حتى أنه كاد أن يتهمه بالكذب على البرلمان.
قال تشيلكوت إن صدام حسين في وقف الغزو لم يكن يشكل تهديداً وشيكاً، وكشف عن رسالة خاصة بعث بها بلير لبوش في يوليو من عام 2002 يقول له فيها: "سأكون معك أياً كان الأمر."
في مؤتمر صحفي امتد لساعتين بعد صدور التقرير، ظل بلير مصراً على أنه لم يرتكب خطأ، وقال: "أعتقد أننا اتخذنا القرار الصحيح وأن العالم بات أفضل وأكثر أمناً."
وقال إنه تعامل مع الأمر بكل إخلاص وأمانة، بناء على المعلومات الاستخبارية التي توفرت حينها والتي قالت إن رئيس العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل. إلا أنه تبين فيما بعد أن ذلك لم يكن صحيحاً على الإطلاق.
تجميد عضوية كوربين
تقدم كوربين بالنيابة عن الحزب باعتذار تام عن قرار غزو العراق.
وقال: "أعتذر الآن بكل صدق نيابة عن حزبي عن القرار الكارثي بالذهاب إلى الحرب في العراق في مارس / آذار 2003. ندين بهذا الاعتذار بادئ ذي بدء إلى الشعب العراقي. فلقد أزهقت أرواح مئات الآلاف من الناس وما زال البلد يعيش التداعيات المدمرة للحرب وما انبثق عنها من قوى. لقد دفعوا ثمناً باهظاً بسبب أفدح خطيئة ترتكب في السياسة الخارجية خلال الستين عاماً الماضية".
ومضى يقول: "كما ندين بالاعتذار لعائلات أولئك الجنود الذين ماتوا في العراق أو الذين عادوا بجروح أو إعاقات. لقد قاموا بواجبهم، ولكن ذلك كان في صراع ما كان ينبغي أصلاً أن يزج بهم فيه."
حينذاك كان بلير مجرد عضو في الحزب، تماماً كما كان عليه حال كوربين في الأسبوع الماضي.
إلا أن كوربين لم يجمد عضوية بلير في الحزب لأنه لم يعتذر، ولأنه نطق بكلمات خالف بها الموقف الرسمي للحزب.
بل العكس تماماً هو الذي حصل. لقد شن "حزب الحرب" داخل المجموعة العمالية في البرلمان هجوماً شرساً ضد القيادة.
وراح أعضاء البرلمان الذين أيدوا الحرب على العراق، والذين كانوا باستمرار يصوتون ضد إجراء أي تحقيق فيها، يطاردون كوربين بلا هوادة.
من بين 71 نائباً صوتوا لسحب الثقة من كوربين في عام 2016 والذين يحتلون مقاعد داخل البرلمان منذ عام 2003، 92 بالمائة منهم صوتوا لصالح الحرب على العراق بينما صوت سبعة بالمائة ضدها.
في محاولة لتبرير قراره تجميد عضوية كوربين في الحزب، قال ستارمر إن الزعيم السابق تحدى رده على تقرير هيئة المساواة وحقوق الإنسان، والذي ندد بكل من يحاول الزعم بأن معاداة السامية جرى تضخيمها لأسباب سياسية.
في الليلة التي سبقت صدور التقرير، اتصل ستارمر بكوربين ليقول له إنه لن يندد به شخصياً في البيان الذي سيصدره رداً على تقرير هيئة المساواة وحقوق الإنسان. فطلب كوربين وفريقه من ستارمر مراراً وتكراراً إخبارهم ما الذي سيقوله في بيانه، فوعدهم بأن يوافيهم بالنص الذي سيصدر عنه.
وحتى نائب الزعيم، أنجيلا راينر، وعدت كوربين بأنها سترسل له نص بيان ستارمر، إلا أن كليهما أخفقا في ذلك، فلم يكن ثمة مهرب من أن تكون ردود أفعال الرجلين على وشك التصادم.
بدا كوربين كما لو أنه كان يتحدى القيادة، وذلك على الرغم من أنه حينما تكلم لم تكن لديه أدنى فكرة حول ما الذي كان سيقوله ستارمر بشأن نقطة أساسية باتت محل خلاف بينهما.
أخفق كوربين بالتالي في أن يتراجع، مع احتمال أن يكون فريق ستارمر قد علم بما كان سيقوله كوربين، بينما ظل كوربين في الظلام إلى أن فات الفوت.
اليسار يرد الصاع صاعين
لم يدافع كوربين عن نفسه في وجه المزاعم بأنه تساهل مع معاداة السامية أو أنه هو نفسه كان معادياً للسامية، وهي المزاعم التي مازال يُروج لها حتى اليوم. ولربما يتحمل هو نفسه قدراً من المسؤولية لأنه سمح لتلك الحملة بأن تمضي قدماً داخل المحكمة العليا دون أن يتحداها.
في نفس اليوم الذي أعلن فيه عن تجميد عضوية كوربين، وجهت الحملة ضد معاداة السامية، صاحبة الشكوى الأصلية المرفوعة لدى هيئة المساواة وحقوق الإنسان، رسالة إلى ستارمر ودافيد إيفانز، أمين عام الحزب، تطالب فيها بالتحقيق في 23 عضواً من حزب العمال، بما في ذلك أنجيلا راينر، النائب الحالي لستارمر، وعشرة آخرين من نواب البرلمان عن حزب العمال.
رداً على ذلك، نشرت سبع نقابات عمالية على ارتباط بحزب العمال، والتي دعمت ترشح ستارمر لزعامة الحزب، بياناً عبرت فيه عن "قلقها الشديد" بشأن الأسلوب والمنطق الذي اعتمد في تجميد عضوية كوربين، معتبرة أن القرار أضر بوحدة الحزب وبالإجراءات الديمقراطية.
بعيداً عن لحظة "الفقرة الرابعة" – تلك الحجة التي استخدمها طوني بلير لتحديد ملامح "العمال الجديد" من خلال التخلي عن التزام الحزب التاريخي بملكية الدولة للقطاعات الأساسية – يمكن لقرار تجميد عضوية كوربين أن يحدد ملامح زعامة ستارمر بنفس الطريقة التي أدى بها قرار بلير غزو العراق إلى إلقاء ظل على كل شيء فعله ذلك الرجل الذي انتخب ثلاث مرات رئيساً للوزراء. وما زال شبح العراق يلاحق طوني بلير أينما ذهب حتى يومنا هذا.
بغض النظر عن مصير كوربين، يوجد داخل الحزب من الدعم لفلسطين أكبر بكثير مما يرتاح له ستارمر. ففلسطين التي يعرف عنها أقل بكثير مما يعرفه كوربين، هي نقطته العمياء.
وما لم يعد لكوربين وضعه واعتباره على عجل، فإن قرار تجميد عضويته من الحزب سوف يشكل اللحظة الفارقة التي تحدد معالم زعامة ستارمر وتلطخ سمعته.
(عن موقع "ميدل إيست أي" البريطاني، مترجم خصيصا لـ"عربي21")