يُعدّ مجلس النوّاب في
العراق السلطة التشريعيّة الأكبر، والعين الرقابيّة الأبرز على السلطة التنفيذيّة (الحكومة).
وبحسب المادّة (61) من الدستور يختصّ المجلس بما يأتي:
"أولا: تشريع القوانين الاتّحاديّة.
ثانيا: الرقابة على أداء السلطة التنفيذيّة.
ثالثا: انتخاب رئيس الجمهوريّة.
رابعا: تنظيم عمليّة المصادقة على المعاهدات والاتّفاقيات الدوليّة.
خامسا: الموافقة على تعيين:
أ- رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتّحاديّة، ورئيس الادّعاء العامّ، ورئيس هيئة الإشراف القضائيّ.
ب- السفراء والدرجات الخاصّة".
"تاسعا: أ- الموافقة على إعلان الحرب وحالة الطوارئ"!
وغيرها من المهمّات الخطيرة التي تمسّ الأمن الوطنيّ، ومكانة العراق الخارجيّة!
ومع كلّ هذه الأهمّيّة لمكانة مجلس النوّاب وجدنا اليوم، وبعد أكثر من (17) عاما على العمليّة السياسيّة، مَنْ يكشف حقيقة ما يجري في أروقة المجلس، والآليّة (العجيبة) في تمشية التشريعات التي تخصّ حياة الإنسان والوطن!
ففي الأوّل من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 أطلق رئيس ائتلاف الجماهير، أحمد الجبوري (أبو مازن)، تصريحات خطيرة طعن فيها بآليّة وشرعيّة القوانين التي تُمرّر في مجلس النواب برئاسة محمد الحلبوسي!
وكشف الجبوري أنّ "القوانين كانت تُمرّر بلا أغلبيّة، وبلا نصاب، وأنّ أغلب القوانين تُمرّر بصفقات سياسيّة، وفق مقاسات الأحزاب، إذ مُرّر بعضها بـ(12) صوتا فقط"!
وأكّد الجبوري "أتحمل مسؤوليّة كلامي بشأن تلك القوانين، لكن لا يمكن الطعن بشرعيّتها بسبب المشكلة الحاصلة في المحكمة الاتّحاديّة"!
وفي نهاية الشهر الماضي كشفت مصادر سياسيّة مطّلعة، طلبت عدم كشف هويّتها
في تصريح لصحيفة "عربي21" أنّ "الهدف الأساس من تشكيل "الجبهة العراقيّة" السنّيّة المكوّنة من (35) نائبا، هو إقالة رئيس
البرلمان الحاليّ محمد الحلبوسي، وأنّ هنالك حالة من الامتعاض الشديد تنتاب هذه القوى من محاولات الحلبوسي تزعّم المكوّن السنّيّ، والاستئثار بالقرار السنّيّ، وعدم إشراكها في أيّ قرارات مصيريّة"!
وبعيدا عن الشخصيّة المُرتقبة لزعامة المجلس ينبغي تسليط الضوء على جوهر الخلل، وهو قضيّة، أو آليّة تمرير التشريعات في السلطة التشريعيّة الأولى في البلاد!
كلام الجبوري الخطير، وهو السياسيّ القريب جدا من المطابخ السياسيّة السنّيّة والشيعيّة والكرديّة، ربّما، يجبرنا على طرح عدّة أسئلة كبيرة ومعقّدة، ومنها:
- كيف سمح النوّاب الذين أقسموا على صيانة الدستور بأن يُمرّروا قوانين لم يتمّ التوافق عليها؟
- هل الواقع التشريعيّ، غير المتّفق مع الدستور، يشمل الدورة الحاليّة فقط، أم أنّ غالبيّة التشريعات الداخليّة والخارجيّة الماضية تمّت بذات النهج؟
-ما هو الحكم القانونيّ لما أقرّ من تشريعات في هذه الدورة البرلمانيّة، أو حتّى الدورات السابقة؟
-هل بقاء حالة "الشلل القانونيّ" في المحكمة الاتّحاديّة المسؤولة عن "الفصل في المنازعات المتعلّقة بدستوريّة وشرعيّة التشريعات كافّة، وإلغاء ما يتعارض منها مع الدستور"، هو أمر مقصود ومتعمّد؟
- لماذا لم يُقرّر المجلس القرارات الأصيلة التي ترفع الظلم والحيف عن المواطنين، ومنها قرار العفو العامّ عن المعتقلين، وغالبيّتهم من الأبرياء، وضحايا المخبر السرّيّ، والمادّة 4 إرهاب؟
ومع هذا الواقع المُدهش بشهادة من داخل المطبخ السياسيّ يتوجّب على المحكمة الاتحاديّة، بعد إتمام نصابها، تشكيل لجنة عُليا لمراجعة الدائرة الإعلاميّة للمجلس، والتي يظهر فيها أعداد الذين صوّتوا لكلّ تشريع، ومقارنتها بمحاضر الجلسات ليكون الشعب العراقيّ على بيّنة من اتّهامات الجبوري، والذي يصرّ بأنّها ليست من فراغ، وبأنّه مُستعدّ لتحمل تبعاتها القانونيّة إن لم تكن حقيقية!
المجلس ليس ميدانا للبورصات السياسيّة والحزبيّة والشخصيّة، وليس فرصة لاستغلال النفوذ السياسيّ لتحصيل أكبر قدر مُمكن من المنافع على حساب الوطن والجماهير!
المنصب البرلمانيّ يعني أنّ النائب الواحد يحمل أمانة (100) ألف مواطن، ولا يمثّل موقفه الشخصيّ، وهؤلاء المئة ألف وضعوا ثقتهم في ضميره وشرفه، فحينما يتناسى غالبيّة البرلمانيّين هذه الحقيقة نكون أمام لحظة انهيار المنظومة الرقابيّة والتشريعيّة الأهم في البلاد!
مجلس النوّاب جزء من المشكلة المركّبة في العراق لأنّه لم يقم بدوره الرقابيّ على الحكومة وأذرعها العسكريّة والأمنيّة، ومن هنا تأتي خطورة، وربّما مصداقيّة، ما نسمعه من استمرار الصفقات السياسيّة في أروقة المجلس!
أيّها البرلمانيّون تذكّروا أنّ مسؤوليّتكم مُضاعفة، وأنّ الناس الذين وضعوا ثقتهم بكم، وغالبيّتكم لم يحفظوا هذه الثقة، لن يستمرّوا بالسكوت على الواقع الحالي المُزري في عموم الدولة العراقيّة!
twitter.com/dr_jasemj67