سألني أحد الأصدقاء في جماعة الإخوان المسلمين عن رأيي في بيان الجماعة حول فوز جو
بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، فأجبته عليه في كلمتين "كلام موزون".
في مداخلة هاتفية على إحدى قنوات الأذرع الإعلامية
المصرية المقربة من
السيسي، خرج كبيرهم الذي علمهم السحر، عماد أديب، معلقا على فوز بايدن، ولكنه توقف لبعض الوقت عند بيان الإخوان المسلمين، وقال إن هذا بيان سياسي لم يكتبه أحد أفراد الجماعة، وإنما كتبه خبراء في تركيا وقطر يفهمون في السياسات الخارجية ويعلمون فن انتقاء الكلمات.
كلام عماد أديب يعني أن بيان الإخوان كان خطوة جيدة - للمرة الأولى منذ فترة - وهذا يفتح آفاقا لتساؤلات كثيرة عما يمكن أن تقدمه جماعة الإخوان المسلمين وتيار المعارضة في مصر بكل مكوناته السياسية والإعلامية والحقوقية في المرحلة المقبلة، للتعاطي بشكل آخر مع إدارة أمريكية جديدة ستكون "أكثر تحملا للمسؤولية"، كما وصفها جو بايدن في لقاء له مع مركز العلاقات الخارجية في واشنطن في آب/ أغسطس 2019.
"نحن لا نعيش في 2013، ومصر الآن أقوى كنظام ودولة من ذي قبل".. هذه هي التعليمات الجديدة التي أرسلها اللواء عباس كامل والمقدم أحمد شعبان إلى القنوات والصحف المصرية للتعاطي مع فوز جو بايدن. والرسالة كانت واضحة بأن المخاطب بها هو الداخل المصري وليس الخارج، محاولة طمأنة مؤيدي السيسي والمؤسسات الداعمة للنظام العسكري في مصر، بأن النظام لن يتأثر بسياسات جو بايدن تجاه مصر. ولكن الصورة أبدا لم تكن كذلك في الخارج المصري.
نظام السيسي وقع عقدا سنويا بقيمة 65 ألف دولار شهريا (ما يقارب مليون وربع المليون جنيه مصري) مع شركة جديدة للعلاقات العامة وجماعة الضغط "اللوبي" في واشنطن. اللافت في الأمر أن العقد تم توقيعه يوم التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، أي بعد ساعات قليلة من تأكد انتصار جو بايدن بالرئاسة الأمريكية. وما يثير الدهشة أن النظام الذي أقسمت أذرعه الإعلامية أنه لن يتأثر وأن مصر لديها الآن علاقات جيوسياسية قوية، هو نفسه النظام الذي طالب تلك الشركة في واشنطن بتحسين صورته وفتح قنوات اتصال مباشرة وسريعة مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
المشكلة من وجهة نظري ليست في صرف تلك الأموال أو التواصل مع شركات العلاقات العامة، فهذه سياسة تتبعها حكومات كثيرة وتنفق عليها أموالا طائلة، المشكلة الحقيقية هي في معسكر المعارضة المصرية وفي آليات تحركه منذ فوز جو بايدن، بعيدا عن بيان الإخوان المسلمين، فلم أجد على الساحة حتى الآن بوادر تحرك سياسي أو حقوقي بشكل مغاير، وربما قال البعض فلننتظر حتى حلف القسم في نهاية كانون الثاني/ يناير القادم، ثم نبدأ التواصل.
هناك ملفان رئيسيان يمكن للمعارضة المصرية أن تباشر العمل من خلالهما، هما ملف
حقوق الإنسان وملف حرية التعبير وحبس الصحفيين. إدارة بايدن ستتخذ من احترام حقوق الإنسان شعارا في رسم سياساتها الجديدة مع دول المنطقة العربية والشرق الأوسط، وفي القلب منها بالتأكيد مصر والسعودية وأبو ظبي، ما يعني أن التركيز على الحملات الحقوقية والحركة من خلال هذا الملف سيفتح قنوات اتصال حقيقية ومباشرة مع إدارة جو بايدن.
ومما أعجبني في الأسبوع الماضي، تلك المبادرة التي أعلن عنها الصحفي المصري سليم عزوز، حين طالب المعارضة بتشكيل لجنة متنوعة الاتجاهات والكفاءات للبدء في حملة حقوقية للإفراج عن النساء المعتقلات في مصر.
الملف الثاني الذي يمكن التحرك من خلاله بشكل فعال، هو ملف حرية التعبير والصحافة واستمرار احتجاز الصحفيين، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن الولايات المتحدة ترسم بشكل كبير السياسات الحاكمة في أوروبا، لأن ذلك يعطي مؤشرا على أن ملف حرية التعبير والصحافة سيكون على طاولة الحكومات الأوروبية في تعاملها مع السيسي ونظامه، وهذا ما يفتح آفاقا جديدة للمعارضة بأن تحرز نقاطا في معركتها ضد النظام العسكري في مصر.
لم أتحدث عن المشروع السياسي؛ لأنه في حقيقة الأمر لا يوجد مشروع سياسي حقيقي للمعارضة المصرية الآن، ولا يبدو في الأفق أن النخب السياسية المصرية الآن تسعى لذلك. فحتى لا تضيع الفرصة تلو الفرصة ويستمر المشهد بشكله القبيح طيلة السبع سنوات الماضية، يجب على رموز المعسكر المعارض لهذا النظام العسكري، أن يكونوا حاضرين إذا ما أرادت الإدارة الأمريكية الجلوس معهم أو الاستماع إليهم، لعلها تكون خطوة في مشوار طويل لإزاحة دكتاتور ترامب المفضل عن قصر الاتحادية.
twitter.com/osgaweesh