كتب

تاريخ الدولة العربية من الإسلام إلى العصر الأموي (1من2)

النتيجة الأولى لمقتل عثمان هي أن الخلافة القديمة قد انتهت في مدينة الرسول (عربي21)
النتيجة الأولى لمقتل عثمان هي أن الخلافة القديمة قد انتهت في مدينة الرسول (عربي21)

الكتاب: تاريخ الدولة العربية
المؤلف: يوليوس فلهوزن
المترجم: محمد عبدالهادي أبو ريدة
الناشر: كتاب إلكتروني صادر عن وزارة الثقافة المصرية 

ارتبط التاريخ السياسي العربي ارتباطا وثيقا بالإسلام، الذي شكل تشكلت على أساسه النواة الأولى للدولة العربية.. وعلى الرغم من تعدد التجارب السياسية العربية إلا أنها ظلت مشدودة في كثير من جوانبها إلى الخلفية الدينية التي نشأت على أساسها لأول مرة.

الكاتبة المصرية رباب يحيى تعيد ملف التاريخ السياسي للدولة العربية، من خلال عرض كتاب "تاريخ الدولة العربية" للمؤرخ الألماني يوليوس فلهوزن والذي نقله إلى العربية محمد الهادي بوريدة ونشرته وزارة الثقافة المصرية.. والذي ننشره على حلقتين..  


بين يدي الكتاب

أكثر الدراسات الاستشراقية الألمانية تأثيراً في الكتابة الأكاديمية العربية عن التاريخ الإسلامي المبكر، دراسة العالم والمؤرخ الألماني يوليوس فلهوزن J. Wellhause  بعنوان: "الدولة العربية وسقوطها"  Das Arabishe Reich und sein Sturz ـ وقد اختار المؤلف هذا العنوان الدقيق ليتتبع نشأة دولة المدينة زمن البعثة النبوية، واتساعها مع الفتوحات زمن الخلفاء الراشدين وحكام بني أمية.

ترجع شهرة فلهوزن إلى دراساته النقدية للعهد القديم، متبعاً منهج النقد العلمي، وقد درسه كما يدرس النص، فوجد أنه تنقصه الوحدة والانسجام، سواء من حيث الفكرة أو من حيث الأسلوب والعبارة، وبهذا فتح الطريق أمام الدراسات النقدية للكتاب المقدس. 

عرف الأكاديميون العرب دراسة فلهوزن عن الدولة العربية، في البداية من خلال ترجمتها الإنجليزية.
وقد أصدر فلهاوزن كتابه هذا عن تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية منذ ما يقرب من مائة وعشرين عاماً، وقت أن كانت الشعوب العربية تجاهد لاستعادة هويتها بعد فترة أفول طالت، ومنذ ما يقرب من سبعين عاماً، ومع تصاعد مد القومية العربية في مواجهة الإمبريالية العالمية وفي أعقاب اغتصاب الصهاينة لفلسطين، صدرت في مصر عن إدارة الثقافة بوزارة التربية والتعليم عام 1957، ترجمة عربية للكتاب ضمن مشروع لترجمة ألف كتاب.

وقد ظلّت هذه الدراسة محلَ اعتماد الدارسين العرب وثقتهم في ثلاثة مجالات: تحديد حقبة ما يُسمَّى بالدولة العربية بأنها الفترة الواقعة بين وفاة النبي عام 632م وحتى سقوط الدولة الأموية عام 750م. واعتماد تاريخ الطبري (الذي نشره دي غويه للمرة الأولى) مصدراً رئيسياً للتأريخ لتلك الحقبة أو ذلك العصر. إلى جانب رجوعه إلى التواريخ المهمة عند أمثال الطبري والبلاذري وابن الأثير، استعان أيضاً بدواوين الشعراء الجاهليين والإسلاميين، وبما ورد من أخبار في الموسوعات الأدبية المهمة، وهو يتفوق على الكثيرين من أسلافه الذين كتبوا عن الدولة العربية باعتماده أيضاً على مصادر غير عربية معاصرة للحوادث التي تناولها، وللأشخاص الذين يعرض لهم، مثل كتاب "تيوفانيس" المؤرخ البيزنطي، وكتاب الصلة لتاريخ ايزيدو، وبعض ما كتبه المؤرخون السريان.

راجع فلهوزن المصادر التاريخية المتصلة بموضوعه كلها تقريباً، ولاسيما تاريخ الطبري الذي تمكن من تمييز مصادره ومقارنتها بروايات عديدة بصرية (من البصرة)، وحجازية، وشامية، كروايات الدينوري والبلاذري والواقدي وابن اسحاق واليعقوبي، مضيفاً إليها المصادر السريانية المسيحية كتاريخ ايزيدور وكتابات معاصريه وسابقيه من المستشرقين ذات الصلة، مما أعانه على تكوين صورة متكاملة وشمولية للتاريخ العربي منذ فجر الرسالة وحتى سقوط الدولة العربية، وقيام دولة العباسيين على أنقاضها.

اعتبر فلهوزن ـ وهو من كبار دارسي العهد القديم في الأصل ـ أن الإشكالية الرئيسية في الدولة العربية الأولى، إشكاليةً ذات طابع قومي، أي بين العرب والعجم، أو العرب والفُرس. وقد وافق ذلك هوى كُتّاب التاريخ العربي في المرحلة القومية، في الخمسينيات والستينيات. وأيضا تلك الثقة التي أظهرها فلهوزن بالمصادر العربية للتاريخ وعلى رأسها "تاريخ الطبري". وطريقته كما هو معروف تظل قريبة من النص، وتقارن وتصدّق أو تنفي بعقلانية انتقائية يغلب عليها الذَوق أو النزوع الشخصي. وقد صمدت هذه الطريقة طويلاً لدى العرب المُحْدثين والمعاصرين، سواء ذكروا فلهوزن في كتاباتهم عن التاريخ الإسلامي الأول أم لا، بيد أن ما لم يصمد، ذلك الربط الفلهوزني بين فترة الخلفاء الراشدين (632 ـ 661م) وفترة الخلفاء الأمويين (661 ـ 750م)، لأن الراديكاليين من اليساريين والإسلاميين ما لبثوا أن فصلوا الراشدين عن الأمويين، باعتبار الأمويين مغتصبين للسلطة ومستبدين.

اشتمل الكتاب على مقدمة وفصول ثمانية، عن: علي بن أبي طالب والحرب الأهلية الأولى، وعن السفيانيين والحرب الأهلية الثانية، وعن مروان الأولين ثم وقفة مع عمر بن عبد العزيز والموالي، وعن المروانيين المتأخرين ثم مروان بن محمد والحرب الأهلية الثالثة وتناول أوضاع القبائل العربية في خراسان، وأخيراً سقوط الدولة العربية "الأموية" وقيام الدولة العباسية.

 

كان مقتل عثمان حادثاً حاسماً لا يكاد يدانيه في خطره حادث آخر في التاريخ الإسلامي، فمنذ ذلك الحين صار للسيف القول الفصل في أمر رئاسة الحكومة التيوقراطية، وفُتح باب الفتنة ولم ينسد بعد ذلك انسداداً تاماً... فالحقيقة أن الجماعة قد انشقت وتفرقت شيعاً وأحزاباً، كل منها يحاول أن يفرض سلطانه السياسي وأن يلجأ للسيف تأييداً لإمامه على الإمام الحاكم بالفعل"

 



بيَّن المؤلف كيف سقطت دولة العرب الأولى ـ وهي الدولة الأموية في رأيه ـ بسبب الصراع الداخلي والنزاع والقتال بين العرب، وكيف كان أعداؤها ـ وهم الأعاجم ـ قد دأبوا من قبل على تأليب الشعور على بني أمية، بدعوى أنهم حادوا عن مبادئ المساواة التي جاء بها الإسلام، ففرقوا بين العرب والأعاجم، وميزوا الأولين عن الآخرين، ثم جاءت مطامع العباسيين فاستغلها الأعاجم، وشقوا صفوف العرب بأن اجتذبوا قوماً منهم إلى اعتناق قضية المظلومين. وسقطت دولة بني أمية التي كانت تعتمد على العرب والعروبة، وقامت دولة بني العباس التي اعتمدت على الأعاجم من الفرس وغيرهم، على أساس مبدأ المساواة الإسلامي.

رأى المؤلف بناء على هذا، أن دولة العرب قد سقطت وانتهت بانتهاء حكم بني أمية، وهو لذلك عنون كتابه هكذا: "الإمبراطورية العربية وسقوطها"، ومعنى هذا أن دولة بني العباس ليست دولة عربية بل إسلامية فقط، لكن في هذا تحاملاً كبيراً، لأن العباسيين كانوا عرباً، كما أن دولة بني أمية قامت من جديد في الأندلس والمغرب.

ونظراً لأن تعريب العنوان الذي اختاره المؤلف لكتابه تعريباً حرفياً، يؤدي إلى اللبس ولا يتفق مع الواقع، فقد اختار المترجم ترجمة للعنوان بحسب الموضوع المحدد الذي اختاره المؤلف، وهو: "الدولة العربية، تاريخها من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية"، وجعل العنوان الألماني وترجمته الحرفية في ظهر الغلاف.

يقول المؤلف في صفحة (72): "نشأت من الدول العربية التي كان قد أسسها محمد (صلى الله عليه وسلم) إمبراطورية بعد موته، وكان سادة هذه الدولة هم العرب من حيث هم مسلمون، وفي الوقت نفسه من حيث هم محاربون وفاتحون، وتحولت الجماعة المحمدية إلى جيش تحولاً تاماً، وصارت الصلاة والصيام وبقية الشعائر الدينية في المرتبة الثانية بعد الجهاد، وأشرق الإسلام في نفوس أهل البادية على هذه الصورة، فكان بمثابة الراية التي تقودهم إلى النصر والغنيمة، وعلى أسوأ الاحتمالات إلى الجنة".

كان النبي (ص) هو خليفة الله والرئيس الديني الحقيقي، وكانت الحكومة التيوقراطية مرتبطة بشخصه ارتباطاً وثيقاً، وتوفي دون أن يكون قد تلافى ترك رعيته من غير راع، لقد ترك القرآن والسنة، ولكن لم يرد في القرآن والسنة من الذي يعين خليفة بعده، على أن ذلك لم يكن معناه إمكان الاستغناء عن خليفة بالكلية، بل كان لابد من إمام بعينه يؤم الناس في الصلاة ويرأس الحكومة، ولم تكن توجد طريقة للانتخاب المنظم ولا كان هناك حق وراثة النبوة.

يقول المؤلف في (صفحة 81): "كان أقرب الناس إلى الحكومة في عهد النبي (ص) هم أتباعه وأصدقاؤه القدماء من أهل مكة... وهم وإن لم تكن لهم مناصب رسمية، فإنه قد كان منهم في الحقيقة مجلس الرسول، وكان لهم مكان كبير عنده، فلما زالت عنهم حماية النبي لم يدعوا أمر الحكومة يفلت من أيديهم، وكان رئيسهم وعقلهم المفكر هو عمر بن الخطاب، وهو الرجل الذي يمكن أن يعتبر مؤسس الحكومة التيوقراطية الثانية، الحكومة التيوقراطية من غير نبي... لكنه قدم أبا بكر، أخص أصحاب النبي، ولما توفى أبو بكر، بعد فترة قليلة، تولى الخلافة عمر، فصارت له الرياسة من حيث الاسم أيضاً".

وقد تمت معظم الفتوحات في عهد عمر، وهو يعتبر المنظم لها.

ثم يتوقف المؤلف أمام ملاحظة مهمة فيقول في (صفحة 98): "كان مقتل عثمان حادثاً حاسماً لا يكاد يدانيه في خطره حادث آخر في التاريخ الإسلامي، فمنذ ذلك الحين صار للسيف القول الفصل في أمر رئاسة الحكومة التيوقراطية، وفُتح باب الفتنة ولم ينسد بعد ذلك انسداداً تاماً... فالحقيقة أن الجماعة قد انشقت وتفرقت شيعاً وأحزاباً، كل منها يحاول أن يفرض سلطانه السياسي وأن يلجأ للسيف تأييداً لإمامه على الإمام الحاكم بالفعل".

كانت النتيجة الأولى لمقتل عثمان هي أن الخلافة القديمة قد انتهت في مدينة الرسول، وأن الخلافة الجديدة جعلت مقرها بعيداً عن المدينة، وقُضى على قداسة الخلافة، وصار الحكم في النزاع عليها إلى السيف. ومنذ ذلك الحين نزلت جزيرة العرب عن مستواها الذي كان لها قبل الإسلام نزولاً كبيراً بسبب هجرة العرب منها على نطاق واسع، وما لحقها من خراب على أثر الهجرة، فلم تعد المدينة عاصمة الدولة، وكل الجهود التي بذلت لاسترداد مجدها المفقود ذهبت سدى، ولم يبق لها من الشأن سوى أنها أصبحت من التراث الإسلامي. كما أنها غدت ركناً تنزوي إليه الطبقة الساخطة، إلا أن المدينة قد احتفظت بجاذبيتها، من حيث أنها وطن لقوم يحبون أن يقيموا أينما شاءوا، أو لقوم أخفقوا في دورهم السياسي، أو لقوم انسحبوا لأسباب أخرى، وهكذا صارت مدينة أهل الصلاح والديانة، مدينة الطبقة الغنية من أشراف العرب الذين أرادوا اللهو، ومدينة التسلية والموسيقى والغناء.

التعليقات (0)