هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحدث الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، في كتابه الجديد والحائز على أصداء واسعة، عن نظرته للإسلام، وعلاقته به كونه ينحدر من عائلة مسلمة من كينيا، مظهرا قدرا كبيرا من الاطلاع على جوانب دينية وتاريخية وخلافية، ومتحدثا بشكل خاص عن "الوهابية" وتأثيرها.
ونشأ أوباما مع والدته الأمريكية، المسيحية، ستانلي آن دونهام، فيما كان والده، باراك أوباما الأول، الكيني الأصل، ملحدا، لأبوين مسلمين.
لكن الرئيس الأمريكي السابق لم يعش في طفولته مع والده، حيث كان ذلك الزواج قد انتهى مبكرا، لينتمي إلى الكنيسة البروتيستانتية "باختياره"، كما قال.
وعبر صفحات كتابه "أرض موعودة"، الذي اطلعت عليه "عربي21"، يلقي أوباما من وقت لآخر تلميحات حول تأثير اسمه وتاريخ عائلته على مسيرته السياسية، مستخدما عبارات من قبيل "اسمي الذي يبدو مسلما" و"تراثي الإسلامي الغامض"، فضلا عن حديثه مرارا عن خصومه بأنهم كانوا ينظرون إليه باعتباره مسلما اشتراكيا.
ولفت أوباما إلى أن اسمه وتاريخ عائلته وكونه أسودا، فضلا عن حمله أفكارا اشتراكية، جميعها عوامل وضعته أمام تحدي إثبات الولاء والعمل من أجل مصالح أمريكا، ولكن من جانب آخر مكنه كل ذلك من تجديد وجه البلاد أمام العالم والتقدم نحو إعادة توحيدها، وإرسال خطاب جديد للعالم الإسلامي، وهو ما ظهر في كلمته الشهيرة بجامعة القاهرة عام 2009، والذي تحدث عنه في العديد من فقرات الكتاب، محتفيا به.
وشدد أوباما على أن الأمريكيين لا يعرفون الكثير عن الإسلام، باستثناء ما تعكسه لهم الأفلام والشاشات عن صور "الإرهابيين ومشايخ النفط"، وفي المقابل، رأى أن أغلب المسلمين يعتقدون بأن سياسة الولايات المتحدة عدائية تجاه دينهم.
ولم ينكر أوباما ذلك التصور، بل إنه ذكّر في مقطع آخر بأنه قال في خطاب ببرلين إنه حمل على عاتقه مهمة إزالة الجدران بين الشعوب والثقافات والأديان، ولا سيما بين المسيحية والإسلام واليهودية، مقرا بوجود فجوات واسعة تهدد تعايش البشر.
وحذر الرئيس الأمريكي السابق من أن الترويج لفكرة المواجهة بين "جنود الله" و"جنود الشيطان" لا يقتصر أثرها على حشد "الجهاديين"، معربا عن قلقه إزاء استثمار ذلك في الغرب لتعزيز وصم المسلمين بأنهم مصدر ريبة وخوف.
وكان لافتا في كتابه انتقاده لما قال إنها "النسخة السعودية" للإسلام، معتبرا أنها لم تكن تتوافق حتى مع معايير الثقافة العربية التقليدية، وعملت على إقصاء أي نهج آخر، بما في ذلك التصوف والتشيع، معتبرا أن الطفرة النفطية في المملكة هي ما ساهم بانتشار "الوهابية".
وفي سياق حديثه عن زيارته الأولى إلى السعودية، أشار أوباما إلى أنه كان يفكر، إثر وصوله الرياض وسير موكبه في شوراعها، عن مدى "ضآلة التشابه" بين الإسلام في المملكة، و"نسخته الأخرى" التي عايشها طفلا في إندونيسيا.
وقال: "في جاكرتا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، احتل الإسلام في ثقافة تلك الأمة المكانة ذاتها، تقريبا، لتلك التي تحتلها المسيحية في أي مدينة أو بلدة أمريكية، فهو مرتبط (بالثقافة) ولكنه ليس مهيمنا عليها".
وأضاف: "تخلل أذان المؤذن للصلاة الأيام، واتبعت حفلات الزفاف والجنازات الطقوس الدينية المحددة، وتباطأت الأنشطة خلال أشهر الصيام، وقد يصعب العثور على لحم الخنزير في قوائم المطاعم".
ويستدرك بالقول: "بخلاف ذلك، عاش الناس حياتهم، حيث كانت النسوة يركبن الدراجات بتنانير قصيرة وكعب عال في طريقهن إلى وظائف مكتبية، والفتيان والفتيات يطاردون الطائرات الورقية، والشباب ذوي الشعر الطويل يرقصون على أنغام فرقة البيتلز وجاكسون 5 في الديسكو المحلي".
وتابع: "كان لا يمكن تمييز المسلمين إلى حد كبير عن المسيحيين أو الهندوس أو غير المؤمنين الجامعيين، مثل زوج أمي (بعد طلاقها من والده باراك أوباما الأول)، حيث كانوا يتكدسون في حافلات جاكرتا المكتظة، أو يملأون مقاعد المسرح في أحدث فيلم للكونغ فو، أو يدخنون خارج الحانات على جانب الطريق، أو يتجولون في الشوارع المزدحمة".
اقرأ أيضا: ماذا قال أوباما عن أردوغان وتركيا في كتابه "أرض الميعاد"؟
وفي المقابل، بحسبه، كان من النادر رؤية المتدينين بشكل علني في تلك الأيام، بل ربما كانوا موضوع سخرية، وشبههم بأتباع كنيسة "شهود يهوه" الذين يظهرون من وقت لآخر أثنا توزيع كتيبات في أحد أحياء شيكاغو.
أما السعودية فلطالما كانت مختلفة، بحسب أوباما، موضحا: "كان عبد العزيز بن سعود، أول ملك للبلاد ووالد الملك عبد الله، قد بدأ حكمه عام 1932، وكان شديد الارتباط بتعاليم رجل الدين محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر. زعم أتباع عبد الوهاب أنهم يمارسون نسخة غير فاسدة من الإسلام، معتبرين الإسلام الشيعي والصوفي هرطقة وملتزمين بالمبادئ الدينية التي كانت تعتبر محافظة حتى بمعايير الثقافة العربية التقليدية: الفصل العام بين الجنسين، وتجنب الاتصال مع غير المسلمين، ورفض الفن العلماني والموسيقى وغيرها من وسائل التسلية التي قد تشتت الانتباه عن العقيدة".
ويضيف: "في أعقاب انهيار الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، عزز عبد العزيز سيطرته على القبائل العربية المنافسة وأسس المملكة العربية السعودية الحديثة وفقا لتلك المبادئ الوهابية. وأتاح غزوه لمدينة مكة، التي ولد فيها النبي محمد، ووجهة جميع الحجاج المسلمين الذين يسعون إلى إتمام أركان الإسلام الخمسة، وكذلك المدينة المنورة، منبرا لممارسة تأثير كبير على العقيدة الإسلامية في جميع أنحاء العالم".
واعتبر أوباما أن اكتشاف حقول النفط في السعودية وما ترتب عليها من ثروة "لا توصف"، إلى زيادة تأثير تلك "النسخة" من الإسلام، لكن ذلك كشف أيضا عن تناقضات محاولة الحفاظ على مثل تلك الممارسات في خضم عالم سريع التحديث.
وقال: "احتاج عبد العزيز إلى التكنولوجيا والدراية الغربية وقنوات التوزيع لتحقيق استغلال كامل للكنز الجديد للمملكة، وشكل تحالفا مع الولايات المتحدة للحصول على أسلحة حديثة وتأمين حقول النفط السعودية ضد الدول المنافسة. احتفظ أفراد العائلة المالكة بشركات غربية لاستثمار ممتلكاتهم الشاسعة وأرسلوا أطفالهم إلى كامبريدج وهارفارد لتعلم الممارسات التجارية الحديثة".
ولكن، سرعان ما "اكتشف الأمراء الشباب عوامل الجذب في الفيلات الفرنسية والنوادي الليلية في لندن وغرف ألعاب فيغاس".
وتابع: "لقد تساءلت أحيانا عما إذا كانت هناك نقطة ربما أعاد فيها النظام الملكي السعودي تقييم التزاماته الدينية، معترفا بأن الأصولية الوهابية - مثل جميع أشكال الاستبداد الديني - كانت غير متوافقة مع الحداثة، واستخدمت ثروتها وسلطتها لتوجيه الإسلام إلى منحى ألطف، وبالطبع أكثر تسامحا".
وأجاب قائلا: "على الأغلب لا. كانت الأساليب القديمة مترسخة بعمق، ومع تصاعد التوترات مع الأصوليين في أواخر السبعينيات، ربما استنتج أفراد العائلة المالكة بدقة أن الإصلاح الديني سيؤدي حتما إلى إصلاح سياسي واقتصادي غير مريح أيضا"، في إشارة إلى إمكانية حدوث ثورة إسلامية، على غرار تلك التي شهدتها إيران.
ونتيجة لمضي الرياض في تبني ذلك النهج، بل وتغذيته بالمليارات لتعزيز الحفاظ على السلطة، فقد "نمت الأصولية من باكستان إلى مصر إلى مالي إلى إندونيسيا، وتراجع التسامح مع الممارسات الإسلامية المختلفة، وازدادت الدوافع لفرض الحكم الإسلامي بصوت أعلى، والدعوة إلى تطهير الأراضي الإسلامية من التأثيرات الغربية - من خلال العنف إذا لزم الأمر".
وأضاف: "يمكن للنظام الملكي السعودي أن يشعر بالرضى إزاء تجنب ثورة على النمط الإيراني، سواء داخل حدوده أو لدى شركائه الخليجيين (على الرغم من أن الحفاظ على هذا النظام لا يزال يتطلب خدمة أمنية داخلية قمعية ورقابة إعلامية واسعة)، لكنه فعل ذلك على حساب تسريع الحركة الأصولية العابرة للحدود الوطنية والتي احتقرت التأثيرات الغربية، وظلت متشككة في المداعبات السعودية مع الولايات المتحدة"، وصولا إلى ظهور شبان مسلمين يحملون أفكارا متطرفة ضد واشنطن، ولكنهم قريبون بالوقت ذاته من أمراء في الرياض، ويختزلهم شخص "أسامة بن لادن"، بحسب الرئيس الأمريكي السابق.