كتب

كيف يعالج الفكر المعاصر تضارب مرجعيات الفلسفة التربوية؟

اختار المؤلف أن ينتهج طريقة نسقية منظمة في التعامل مع موضوعات الفكر الإسلامي المعاصر- (عربي21)
اختار المؤلف أن ينتهج طريقة نسقية منظمة في التعامل مع موضوعات الفكر الإسلامي المعاصر- (عربي21)

الكتاب: "الفكر التربوي المعاصر: مفاهيمه ومصادره وخصائصه وسبل إصلاحه"
المؤلف: الدكتور فتحي ملكاوي
الناشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي 
الطبعة الأولى 2020
عدد الصفحات: 658.

يندرج هذا الكتاب ضمن مشروع فكري، انخرط فيه المؤلف، منذ سنوات طويلة، وانتهى فيه إلى كتابة أكثر من كتاب.

بدأ المشروع، من حلقات التدريس الجامعي، عندما أسندت للمؤلف، مهمة تدريس مادة الفكر التربوي الإسلامي، فتفرغ لجمع مادته من المراجع العربية والأجنبية، وحاول استقراء هذا الفكر في المادة التراثية، من خلال الاطلاع على جهد العلماء والمدارس الفقهية والكلامية والصوفية، ومحاولة تخريج القول التربوي والتعليمي من هذا المتن التراثي، حتى اكتملت لديه مادة ثرية، استوعبتها ثلاث مجلدات، جمعها هم واحد، هو حصر المتن الفكري التربوي التراثي، وتم تصريفه في ثلاثة عناوين أساسية، هي: التراث التربوي الإسلامي، لمحات من تطوره وقطوف من نصوصه ومدارسه، ونصوص من التراث التربوي الإسلامي، ثم مشروعات بحثية في التراث التربوي الإسلامي.

اشتغل هذا المشروع في بدايته على الحفر على المادة التربوية في التراث الإسلامي، ومحاولة توصيفها، وتقديمها في إطار منظم، مع جهد في بيان تطور الفكر التربوي، والكشف عن بعض مدارسه، وخصائص كل مدرسة على حدة، مع جهد في تحليل هذا المتن التربوي، ركز بشكل كبير على مرجعية المقاصد فيه.

كانت هذه هي خلفية المشروع، الذي أخذ من المؤلف زمنا طويلا، حتى استوى على سوقه، وخرج في سلسلة بحثية ثلاثية، وذلك سنة 2018، جمعت بين ثلاثة أبعاد؛ استخلاص المادة التربوية التراثية وجمعها، ثم وصفها وتنسيقها، ثم تحليل هذه المادة، واستخلاص الفكر التربوي الإسلامي كما ارتسم في المادة التراثية، وتحليل مضمونه، وبيان خصائصه وتطور مدارسه.

من الفكر التربوي التراثي إلى الفكر الإسلامي المعاصر

يستكمل المؤلف مشروعه، لكن هذه المرة، من خلال التركيز على امتداد الفكر التربوي، وعلى حلقة مهمة منه، تغطي المعاصر منه، أي الفكر التربوي الإسلامي، الذي تم إنتاجه في الفترة المعاصرة، وظل يؤطر جوانب مهمة من الممارسة التربوية المعاصرة.

على أن قصد المؤلف لم يتوجه فقط إلى الفكر التربوي المعاصر الذي يواجه مشكلة الحاضر، ولكنه مد عينه إلى المستقبل، يحاول استشراف رؤية مستقبلية لفكر تربوي يتجاوز الأعطاب التي ألمت به، ويصحح مآزقه، ويضع شروط حيويته وفعاليته وخطوط انسجامه، ويساهم في مواجهة التحديات التي يعاني منها المجتمع المسلم اليوم، بل ويساهم في تشكيل العقل المسلم وصوغ شخصيته.

يشير المؤلف إلى المفارقة التي تحصل دائما بين النزوع الأكاديمي في دراسة مثل هذه الموضوعات، وبين قضايا الالتزام، وما يرتبط بهموم المجتمعات العربية الإسلامية، وحاجتها إلى ترشيد نظريتها التربوية وفكرها التربوي، فيقرر اعتماد نهج مختلف، في تضمين الاعتبارات الأكاديمية في البحث، وذلك بعيدا عن القواعد المدرسية، بحيث يكون الاعتبار والاشتغال بالقواعد الأكاديمية مجرد خوادم وأدوات وظيفية، يستعان بها على بناء فكر تربوي إسلامي، قادر على القيام بدوره في ترشيد الشخصية المسلمة، لتضطلع بأدوارها الرسالية وتمثيل القيم الخالدة المعصومة.

 

يمكن القول بدون تردد أن زبدة الكتاب وثمرته هو فصله الأخير (الفصل السابع)، لأنه انشغل بتوصيف الأزمة التربوية، وحصر محدداتها وتحليل أبعادها، وذلك من خلال تقديم لمحة عن واقع الفكر التربوي الإسلامي في واقعه المعاصر، كما تكشفه مناهج التربية والتعليم، المعتمدة في المؤسسات الجامعية، وكما تجليه البحوث الجامعية والدراسات البحثية المنشورة.

 



فقد حاول المؤلف أن يقسم بحثه إلى سبعة فصول، خصص الأول، للمقدمات المفاهيمية، التي تحدد مفردات البحث واصطلاحاته الأساسية، وما يتصل بها من اصطلاحات قريبة من الموضوع، مثل التراث التربوي، والفلسفة التربوية، والنظرية التربوية، ومبادئ التربية، والتربية الإسلامية، مع تقديم لمحة عن تطور الفكر التربوي في الخبرة البشرية. وحرص الباحث في الفصل الثاني، على تضمين خلاصة مستوعبة للكتب الثلاثة، التي أصدرها ضمن سلسلة التراث التربوي، مركزا على التطور الذي حصل في الفكر التربوي من خلال أعلامه ومضامينه ومدارسه وأدبياته. 

في مصادر الفكر التربوي الإسلامي المعاصر ومقاصده

اشتغل المؤلف، ببحث المرجعية التي استند إليها الفكر التربوي الإسلامي المعاصر في إنتاج مخرجاته وأدبياته، فخصص الفصل الثالث من هذا الكتاب، للتوقف على أهم مصادر هذا الفكر، فحاول حصر أربع مصادر أساسية.

وإذا كان المصدران الأولان، لا يثيران أي خلاف، بحكم أن أي فكر تربوي إسلامي تراثي أو معاصر، ينطلق ضرورة من مرجعية القرآن والسنة، ومن القيم المعصومة المتضمنة فيهما، فإنه حاول أن يسلط الضوء على مصدرين آخرين، يعززان المرجعية الإسلامية الأصلية في استمداد عناصر الفكر التربوي الإسلامي. يخص الأول، مصدرية التراث التربوي الإسلامي، مع تسجيل تفاوت في التعاطي مع مادته ومدارسه وأعلامه، ثم مرجعية التراث التربوي الذي أنتجته الخبرة التربوية البشرية المعاصرة.

يطرح المؤلف العديد من الأسئلة بخصوص تكييف هذه المكونات الأربعة، وشكل ترصيدها ضمن الفكر التربوي الإسلامي المعاصر، ومنهجية التعامل معها ومع مخرجاتها، ومدى انسجامها مع مقومات الأمة ومعادلتها الاجتماعية، خاصة ما يتعلق بالمنتوج التراثي، أو المنتوج التربوي الذي تحصل من تراكم الخبرة البشرية في هذا الحقل، فلا يجد مخرجا لذلك، سوى بإعادة التأكيد على المرجعية العاصمة، وعلى ما أسماه بالمقاصد التربوية الحاكمة، وهو ما شكل مضمون الفصل الرابع من كتابه، إذ لم يعن فقط بتخريج هذه المقاصد من النصوص الشرعية، متوقفا فيها على المقاصد التربوية العليا في القرآن، وإنما أضاف إلى ذلك، تجلياتها التربوية، ليبرر الانتقال من المقاصد كما توضحها النصوص، إلى تفعيلها وتحريك فعاليتها في التجربة التربوية والعمل التربوي المعاصر.

خارطة الفكر التربوي الإسلامي

اختار المؤلف أن ينتهج طريقة نسقية منظمة في التعامل مع موضوعات الفكر الإسلامي المعاصر، فبدل أن يتجه إلى استقراء وحداتها المتنوعة، ومحاولة حصرها، اتجه إلى تنظيم عناصرها، ضمن خارطة فكرية ترسم العناوين الكبرى لاهتمامات الفكر التربوي الإسلامي المعاصر. فاتجه أولا، إلى بحث حوار الفكر والعلم في الموضوعات التربوية، ثم عرض المضمون والمحتوى التربوي لهذا الفكر، مركزا على العلوم المنهجية أولا، ثم عرج على بعض الفروع العلمية للتربية (النظرية التربوية والفلسفة التربوية)، مركزا على مرجعية الإسلام في صوغ مختلف علوم التربية، وعلى مركزية القيم في هذه العلوم، والحاجة إلى إعطاء التربية على القيم دورها واعتبارها في هذه العلوم. 

ولم يغفل المؤلف الحديث عن خصائص الفكر التربوي المعاصر، فحرص ألا يجاري الكتابات التي استقرت عندها خطاطة نمطية في توصيف الفكر التربوي ورسم ملامحه وخصائصه، وإنما ركز على ثلاث خصائص أساسية، قدر أنها ترسم صورة واضحة عن هذا الفكر، وعن محتواه ووظائفه. فركز على خاصية التوازن والتكامل، لكونهما يرسمان المواصفات المرجوة في الشخصية المسلمة، وضرورة أن تتطابق خصائص الفكر التربوي المعاصر مع مخرجاته، أي تخريج الشخصية المسلمة. ثم خاصية الواقعية، لأن المقصود هو بناء شخصية مسلمة تعيش واقعها وتؤثر فيه، ولا تعيش في حالة اغتراب عنه. ثم خاصية السعة الامتداد في الزمان والمكان، ويقصد بها المؤلف، قدرة هذا الفكر التربوي، أن يقوم بأدوار في الحاضر والمستقبل، وأن يبرر فاعليته في مختلف الجغرافيات والأزمنة المتصورة.
  
أزمة الفكر التربوي المعاصر وخيارات إصلاحه

يمكن القول بدون تردد أن زبدة الكتاب وثمرته هو فصله الأخير (الفصل السابع)، لأنه انشغل بتوصيف الأزمة التربوية، وحصر محدداتها وتحليل أبعادها، وذلك من خلال تقديم لمحة عن واقع الفكر التربوي الإسلامي في واقعه المعاصر، كما تكشفه مناهج التربية والتعليم، المعتمدة في المؤسسات الجامعية، وكما تجليه البحوث الجامعية والدراسات البحثية المنشورة.

يتوقف المؤلف على مشكلتين كبيرتين، تواجهان الفكر التربوي المعاصر: الأولى، هي هيمنة المنتوج المستورد وتغطيته على كل جوانب البحث الجامعي. والثانية، هي تضارب المرجعيات الفلسفية المؤطرة للفكر التربوي وما نتج عنه ذلك من وعي عام بوجود أزمة عالمية للتعليم.

يمسك المؤلف بخيوط هذه الأزمة، ومظهريها الأساسيين، ليبرر الاشتغال على تطوير الفكر التربوي المعاصر، وترشيده وإصلاحه، ليشكل مرجعية قادرة على أن تلهم الباحثين، فيقتنعوا بقدرتها على التفاعل مع المشكلات، وقدرتها أيضا على أن تشكل مرجعية بديلة، لا تكتفي فقط بتدبير مشكلة تتضارب المرجعيات الفلسفية المؤطرة للفكر التربوي المعاصر، وإنما تسوغ بمفاهميها ومقاصدها وقيمها، الحاجة إليها، والحاجة إلى تفعيلها لحل المشكلة التربوية.

التعليقات (0)