هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا زالت التساؤلات بشأن الطريقة الأنجع للقضاء
على فيروس كورونا من الانتشار، بين مناعة القطيع واللقاحات المتوقع أن يبدأ
توزيعها خلال أسابيع، تطرح بين العلماء والمختصين، وإن كانت الترجيحات تميل إلى
اللقاحات.
وأعاد باحثون التذكير بانتشار فيروس إنفلونزا
الخنازير، في قارات العالم، لكن مع حدوث أثر عجيب للفيروس، وهو أن المصابين به
اكتسبوا مناعة شاملة ضد سائر أنواع الإنفلونزا، بسبب أن أجهزة المناعة في الجسم تطلق في الغالب أجساما مضادة
تستهدف رأس بروتين هيماغلوتينين السطحي على الفيروس.
لكن المشكلة أن فيروس الإنفلونزا من المعروف أنه
عدو مخادع، ويغير رأس البروتين باستمرار. ولهذا فإن الجسم يكتسب عادة مناعة ضد
السلالة التي تعرض لها جهاز المناعة فقط. أما سائر السلالات فلا يمكن لجهاز
المناعة التعرف عليها، ومن ثم قد نصاب بالإنفلونزا مرات عديدة متتابعة. ولهذا من
الضروري أن يحصل الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمضاعفات العدوى على التطعيم سنويا.
لكن في
حالة إنفلونزا الخنازير، لم تستخدم أجهزة المناعة أسلوبها الدفاعي الخاطئ المعتاد،
واستهدفت في المقابل المنطقة الثابتة والمستقرة من البروتين السطحي للفيروس التي
يطلق عليها الجذع.
ووظفت
هذه الملاحظات عن الاستجابة المناعية للفيروس في تطوير لقاح قد يصبح أول لقاح شامل
للإنفلونزا. وقد دخل هذه اللقاح في عام 2018 المرحلة الثالثة من التجارب السريرية
لتقييم فعاليته.
وتقول
بيات كامبمان، أستاذة العدوى والمناعة بكلية لندن للصحة العامة والطب المداري؛ "إن بعض الناس لا يكتسبون مناعة طويلة الأمد بعد الإصابة بالعدوى. وقد أثيرت
تساؤلات عديدة حول المناعة التي يكتسبها المصابون بفيروس كورونا، لأن الناس لا
يكتسبون مناعة طويلة الأمد بعد الإصابة بكورونا بشكل عام".
ولا
يزال الوقت مبكرا لمقارنة المناعة التي يكتسبها الناس بعد الإصابة بكورونا بتلك
التي توفرها اللقاحات المرتقبة. لكن النتائج الأولية للتجارب تشير إلى أن بعض
اللقاحات أدت إلى توليد استجابة مناعية أقوى مقارنة بالإصابة بالعدوى، إذ كانت
مستويات الأجسام المضادة في الدم بعد الحصول على هذه اللقاحات أعلى من مستوياتها
في دم المرضى المتعافين من المرض.
وثمة
ميزة أهم للقاحات، وهي أنها تكفل الحماية لأعداد كبيرة من الناس من المرض في وقت
واحد.
وتُعرف
مناعة القطيع بأنها المقاومة التي يكتسبها الناس وسط مجموعة سكانية ضد مرض معين عن
طريق تعرض جهاز المناعة للفيروس. ولا تقضي مناعة القطيع على الفيروسات تماما،
لكنها تحد من انتشارها في حال كانت معدية. فإذا كان بعض الناس عرضة للإصابة بمرض
معين، ستحد مناعة القطيع من فرص تعرضهم للفيروس.
ويتطلب
تحقيق مناعة القطيع في مجموعة سكانية، اكتساب نسبة معينة من السكان مناعة ضد المرض
من خلال إنتاج أجسام مضادة، لكن هذه النسبة تعتمد على مؤشر التكاثر، أي عدد
الأشخاص الذين قد ينقل لهم مريض واحد العدوى. وكلما ارتفع هذا الرقم، زاد عدد
الأشخاص الذين ينبغي أن تكون لديهم أجسام مضادة حتى تتحقق مناعة القطيع. فمناعة القطيع
ضد مرض الحصبة، الذي قد ينقل المصاب به الفيروس لنحو 15 شخصا، تتطلب وقاية ما
يتراوح بين 90 إلى 95 في المئة من السكان.
وبما
أن مؤشر تكاثر كورونا يختلف حول العالم باختلاف السلوكيات ومستوى المناعة وسط
المجموعات السكانية، فمن المستبعد أن يكون هناك نسبة محددة يعول عليها لعدد
الأشخاص الذين يتعين أن تكون لديهم أجسام مضادة للفيروس حتى تتحقق مناعة القطيع.
ولهذا
تفاوتت التقديرات حول هذه النسبة المطلوبة للقضاء على الوباء من بلد لآخر، فبينما
بلغت 85 في المئة في البحرين، فقد بلغت 5.66 في المئة في الكويت، بحسب دورية
"نيتشر". وهذا يعد واحدا من الأسباب التي حدت بالكثير من العلماء لرفض
استراتيجية مناعة القطيع.
وإذا كانت مناعة القطيع تتطلب إصابة 85 في
المئة من السكان بفيروس كورونا، فهذا يعني أنها لن تحمي سوى نسبة ضئيلة من السكان
الذين لم يصابوا بالفعل بالفيروس، وقد تصبح معها وقاية الفئات الأكثر عرضة للإصابة
بمضاعفات، غير مجدية.
وقد
يصاب الناس بكورونا أكثر من مرة، وينقلون العدوى للآخرين حتى من دون أن تظهر عليهم
أعراض في المرة الثانية، كما هو الحال مع بعض فيروسات نزلة البرد الموسمية. ومن ثم
قد تصبح مناعة القطيع مستحيلة.
وقد
تكون تكلفة مناعة القطيع باهظة. ففي مقاطعة بيرغامو وحدها، حصد الوباء أرواح 3100
شخص، بينما في ميناوس أسفر المرض عن مقتل واحد من كل 500 إلى 800 شخص. إن تعريض
الناس لمسببات المرض، وخاصة إن كان فيروسا جديدا، ينطوي على مخاطر جمة، قد لا
نكتشفها إلا بعد شهور أو سنوات. ففيروس الورم الحليمي البشري قد يسبب سرطان عنق
الرحم بعد سنوات، وربطت دراسات مؤخرا بين فيروس الهربس البسيط من النوع 1 وبين مرض الزهايمر.
وحذرت
دراسات من الآثار الصحية طويلة المدى التي قد يسببها كورونا للمصابين، فيما بات
يطلق عليه "كوفيد طويل الأمد".
ولا
أحد يعرف حتى الآن إلى أي مدى قد تستمر هذه الآثار طويلة الأمد، إذ يعاني واحد من
20 شخصا من المتعافين من كورونا، من متلازمة الإرهاق وضيق التنفس وصعوبة التركيز
وآلام المفاصل وغيرها.
وتشير
البيانات الأولية من إحدى الدراسات، إلى أن نحو 70 في المئة من المصابين بآثار كورونا
طويلة الأمد يعانون من اختلال في وظائف عضو أو أكثر من أعضاء الجسم، مثل القلب
والرئتين والكبد والكلى والطحال والبنكرياس، بعد أربعة أشهر من ظهور الأعراض.