هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أصدر الباحث والكاتب التونسي عبد الحق الزموري مؤخرا كتابا جديدا عن الشيعة والتشيع في تونس ومنطقة المغرب الإسلامي ماضيا وحاضرا، جمع فيه بين البحث الأكاديمي التاريخي ومناقشة الدراسات والمقولات التي تتحدث عن "زحف التشيع العقائدي والسياسي" اليوم في تونس ضمن ما تشهده المنطقة من استقطاب وتجاذبات سياسية استفحلت بعد تفجير الثورات العربية قبل 10 أعوام..
الكتاب صدر تحت عنوان "التشيع في تونس، قراءة علمية في التاريخ الطويل"، وجاء تتويجا لسلسلة إصدارات عبد الحق الزموري عن المرجعيات الفكرية والثقافية للأطراف الفاعلة سياسيا في المنطقة ولما يسمى بأحزاب "الإسلام السياسي" أو "تيار الإسلاميين الديمقراطيين"..
الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس التقى الباحث عبد الحق الزموري الفكري والمذهبي والعقائدي من جهة والتوظيف السياسي الجديد لقضية "التشيع" من جهة ثانية، فكان الحوار الآتي:
س ـ أولا لماذا هذا الكتاب عن الشيعة والتشيع في تونس؟
ـ يندرج ذلك أولا في سياق اهتمامي العلمي الأكاديمي بتاريخ الذهنيات بشكل عام، وبتاريخ الأفكار في تونس بشكل خاص؛ وثانيا لما تعرفه بلادنا مع ثورة 2010 من بداية "احتراب" بين الجماعات المكونة للبلاد التونسية حول الهويات المختلفة، ومنها من ينافحون عن "الانتماء الشيعي" في تونس؛ وثالثا لما نلاحظه من جهل كبير بتلك السرديات الكبرى التي يدّعي هؤلاء وأولئك الانتماء إليها، جهل وخلط بالفكرة وبالصور المُسوَّقَة عنها، بتاريخ تشكلها وسياقات فعلها وتطورها، وبخطورة بناء مستقبل جماعي حول الأوهام والمغالطات.
من هنا جاء اهتمامي بتاريخ الفكرة الشيعية في تونس، وبتتبع مختلف مراحل تشكلها وتأثيراتها على الاجتماع المحلي. ولعلي لهذا السبب اخترت إعطاء عنوان فرعي للكتاب "قراءة علمية لتاريخ طويل"، نأيًا بالنفس عن الانخراط في مواقف مسبقة من هذه السردية أو تلك، ودعوة مبطّنة للقارئ لبناء منطقة من الثقة في إحداثيات التاريخ وفي تفكيك تلك السردية على أسس معرفية متينة، قبل اختيار التموقع.
رفض متبادل وتشكيك
س ـ لماذا إصدار هذا الكتاب الآن بالذات؟ لماذا الآن؟
ـ بدأت بتحرير الكتاب قبل أكثر من ثلاثة سنوات، لما لاحظناه في تونس من تصاعدٍ لنبرة الرفض المتبادل، والتشكيك في النوايا، والتوظيفات السياسية لهذه الفكرة أو تلك، بل ووصلت أصوات الإقصاء بين مختلف الفرقاء في البلد إلى درجة الاشتباك المادي العنيف.
في ذلك الواقع المتفجر حصلت صدامات كان أتباع الفكرة الشيعية في تونس طرفا فيها. اخترت التريّث في نشر نتائج دراستي حتى تهدأ الأوضاع، وأتجنب مزيدا من التوظيف السياسوي والفئوي لأفكار الكتاب في ذلك التصادم.
التشيع السياسي يقتل "التشيع العقائدي"
س ـ ماهي أهم الاستنتاجات التي توصلتم إليها بالنسبة للتشيع في المنطقة المغاربية التي شهدت ميلاد دولة شيعية.. أسس تلامذتها لاحقا القاهرة؟
ـ وصلت من خلال الإبحار في ثنايا تاريخ التشيع في بلاد المغرب إلى مجموعة من النتائج التي تحتاج إلى مزيد التجريب والتمحيص، منها على سبيل المثال:
أن الفكرة الشيعية ـ تماما مثل غيرها من الأفكار المعارضة للسلطة المركزية (الخلافة الإسلامية) ـ قد التجأت نتيجة هزيمتها العسكرية في المشرق إلى الهجرة بعيدا عن ملاحقة السلطة، وقدمت إلى بلاد المغرب متسترة لإعادة بناء السردية الشيعية، لذلك لاحظنا ظهور عدد من الإمارات الشيعية المختلفة (متنوعة التوجهات العقدية داخل الساحة الشيعية) في القرون الأولى للهجرة؛ وكان لزامًا علينا أن يكون أحد معاولنا العلمية قراءة النشأة في هذا السياق، كشفا لـ "قدسيات" موهومة يحاول البعض إضفاءها عليها.
والنتيجة الثانية التي توصلنا إليها، هي أن التشيع في بداية انتشاره في بلاد المغرب كان يدور حول فكرة "حب بيت الرسول" (ص) لذلك عرف انتشارا سريعا وعميقا لدى الناس، تماما كحال انتشار أفكار "الأباضية" الأوائل (أتباع عبد الله ابن اباض ).
وعندما ما حُمِّلَتْ الفكرة الشيعية استراتيجيات سياسية متطرّفة حَكَمتْ على التشيع بالتحلل والانقراض، حصل ذلك على مدى قرنين من الزمن أو أكثر.
وكان بدأ الانفصال الشعوري بين رفعة الفكرة وما آلت إليه من واقع مع انتقام السلطة الشيعية في تونس (رأس الدولة الفاطمية) من أهم وأخطر دعاته وجنرالاته الذين مكّنوا له في إفريقية. لذلك استعملنا في كتابنا عبارة "التشيع السياسي يقتل التشيع"، بالأمس كما اليوم.
نتيجة أخرى وصلت إليها، هو أن توظيف الأفكار، وأخطرها الأفكار الدينية والمذهبية، في الصراعات السياسية كان سببا مباشرا في حصول مجازر دموية بشعة على طول القرون الثمانية الأولى للهجرة في بلادنا، سواء كانت تنتمي إلى السُنّة أو الشيعة أو الأباضية أو غيرها ...
تعددية داخل الشيعة
س ـ لماذا لم يتوسع تأثير الحركات الشيعية السياسية بعد الثورة الإيرانية في تونس والدول المغاربية بخلاف ما حصل في المشرق العربي والإسلامي وبعض دول أفريقيا جنوب الصحراء؟
ـ تثبت دراستنا أن "التسنن" (نسبة إلى السنة النبوية) في مذهبه المالكي وذي النزعة المغربية التي تميزت بعقلانية كبيرة في السلوك الاجتماعي (المقاصد) وبخليط هائل من الأفكار والنزعات الدينية وغير الدينية شكّلت عبر عشرات القرون (منذ ما قبل الإسلام) منزعا بسيكولوجيا وذهنيا خصوصيا، قد أصبح مع الدولة الحفصية (القرن السابع الهجري / 13 م) أداة توحيد للفضاء العام في إفريقية.
وعند دخول الأتراك العثمانيين إلى تونس في القرن 16م كان التناحر الديني والمذهبي والعرقي قد اضمحل بشكل نهائي من تونس.
لعل هذا واحد من الأسباب التي جعلت التشيع في تونس اليوم لا يأخذ ابعادا جماهيرية، وكذا غيرها من الحركات التبشيرية (المسيحية؛ اللادينية؛ ... الخ). إضافة إلى ارتباط التشيع اليوم بالنزعة "الإيرانية الفارسية الإمامية"، أي بتموقعات سياسية واستراتيجية بالأساس، وبالتالي بتحالفات وصراعات إقليمية ودولية تزيد من خشية عامة التونسيين وتربصهم من الشيعة، بالرغم من أن الشيعة أنفسهم ليسوا اليوم على قلب رجل واحد، داخل نفس المذهب أحيانا، وقد ضربت على ذلك أمثلة في الكتاب.