قضايا وآراء

في الحاجة للفلسطيني القديم

محمد أمين
1300x600
1300x600

يفصلنا أسبوع عن الذكرى الـ٣٣ لانتفاضة الحجر، وقت أن انتفض الشعب الفلسطيني بسلاح مبدع، ضد الاحتلال، متفردا بمصطلح "الانتفاضة" الذي اختزل فيه كل معاني المقاومة والنضال، وانخرط في انتفاضته الإسلامي والمسيحي واليساري واللاديني.. كانت انتفاضة عابرة للأيديولوجيات والولاءات، كانت صرخة أعلن الفلسطينيون عبرها رفضهم لنظام الفصل العنصري.

كانت انتفاضة ضد المحتل، واليوم ما أحوجنا لانتفاضة جديدة لكن داخلية، تقتلع الانقسام والمتسببين به من الطرفين، وتنهي سُلَط فلسطينية متخيلة تستنزف الأرض والإنسان، وتحرف مسيرة التحرر عن بوصلتها الصحيحة.. نحتاج لانتفاضة فكرية عابرة للتنظيمات والدول والارتهانات للخارج، نحتاج "تحريرنا" وتحرير ذواتنا، ثم تحرير الفلسطيني المختطف الذي سماه الجنرال دايتون وسلام فياض "الفلسطيني الجديد".. نحتاج بمقابله لاستعادة "الفلسطيني القديم"، الذي كان قبل أوسلو وسلطته، قبل دايتون وأموال دولته، فلسطيني كان قرار انتفاضته ذاتيا، وطنيا، ولم يكن يكترث لكل تلك السُلط وإكراهاتها، وإغراءاتها، ودولاراتها، نحتاج الفلسطيني القديم، الذي آمن بالله أولا، وبعدالة قضيته ثانيا وأخيرا، كانت حساباته السياسية بسيطة، ولم تكن معقدة، كان برنامجه الوطني محددا بنقطة واحدة: تحرير فلسطين وطرد المحتل.

 

ما أحوجنا لانتفاضة جديدة لكن داخلية، تقتلع الانقسام والمتسببين به من الطرفين، وتنهي سُلَط فلسطينية متخيلة تستنزف الأرض والإنسان، وتحرف مسيرة التحرر عن بوصلتها الصحيحة

فقبل أن يحار الفلسطينيون في الهرولة العربية نحو التطبيع، لا بد أن ينتفضوا في وجه العبث الفلسطيني الداخلي، لذلك فإن انتفاضة وطنية هي الوحيدة التي يعول عليها في التمهيد لانتفاضة ضد الاحتلال. إذ لم يعد مقبولا أن تخرج علينا فتح وحماس بفصل جديد في رواية المصالحة اللا منتهية..

سلطة رهنت قرارها بيد جنرال التنسيق الأمني كميل أبو ركن، لا يعول عليها لا في المصالحة، وبطبيعة الحال ولا في المقاومة، إنها سلطة وقيادة غير مؤتمنة على المشروع الوطني. كما لا يعول على الأطراف التي ما زالت تصدق أن ثمة نوايا صادقة لدى الطرفين بالمصالحة.

باختصار، لا الحاكمون في رام الله ولا غزة معنيون بالمصالحة. فقد كيّف الطرفان أوضاعهما على التعايش طويل الأمد مع الوضع القائم، لذلك نحتاج انتفاضة شعبية شبابية تحرر القرار من تلك القوى والفصائل، لصالح مشروع مقاومة شعبية تستلهم من فكر، ونقاء انتفاضة الحجر، وتعيد قلب الطاولة على الجميع.

 

لا الحاكمون في رام الله ولا غزة معنيين بالمصالحة. فقد كيّف الطرفان أوضاعهما على التعايش طويل الأمد مع الوضع القائم،

لم تكن السلطة يوما على مستوى الحدث، تعاملت طوال العقدين الماضيين كنظام عربي، يرمي للحفاظ على كيانه، غلّبت المصالح الضيقة للأشخاص المستفيدين من تلك البقرة الحلوب على مصلحة الوطن. ولذلك وبكل أسف فإن أولى شروط تصحيح المسار هو إزاحة تلك القيادات التي رهنت القضية الفلسطينية لمصالحها جانبا، وإفساح المجال للشباب الفلسطيني الذي يمكنه ابتداع وسائل جديدة وعلمية، وليست خطابات شعاراتية فارغة، في مواجهة أعتى مشروع فصل عنصري. فذلك الشباب المتعلم يعرف أنه لا يوجد احتلال يفكر في الرحيل، إذا لم يكن يدفع ثمن احتلاله لشعب ما. فكفى تشريعا "لاحتلال الديلوكس"، إنه لمن العار أن تتحول السلطة الفلسطينية لمخفر أمني، ينتظر المال والقرار من المحتل. هذه ليست شتيمة، هذا توصيف واقعي للحال الذي انتهينا إليه.

إن الاستمرار في الدوران في حلقة المفاوضات، هو قفرة في المجهول، وإن غياب الفلسطيني عن قضيته هو الذي جعل بعض العرب يتجرأون على إعلان التصهين (طبعا الفرق الوحيد اليوم هو فقط إعلانهم التصهين والمجاهرة به، ولا أقصد أن الضعف الفلسطيني هو الذي تسبب في التصهين، هو فقط جرأ المتصهينين على إعلان تصهينهم).

المطلوب روشيتة وطنية فلسطينية، تبدأ أولا بانتخاب قيادة فلسطينية جديدة تمثل الفلسطينيين في الداخل والخارج، ثم الاتفاق على تغيير وظيفة السلطة أو حلها، وبرنامج مقاومة شعبية طويلة الأمد تجعل الاحتلال يدفع الثمن، مصحوبة مع حملة دبلوماسية لكن هذه المرة دبلوماسية شعبية تعيد شرح القضية للعالم، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي نشأت جراء إصرار السلطة على رواية مفادها أن الصراع يجري بين طرفين متكافئين (دولة فلسطين بمواجهة دولة إسرائيل)، وتبيان أن حقيقة الصراع ليست كذلك، وإنما هو صراع بين دولة احتلال تمارس سياسة الفصل العنصري، وبين شعب محتل. هذه روشيتة وطنية مختصرة ولعلها مفيدة.

التعليقات (1)
رائد عبيدو
الأربعاء، 02-12-2020 05:16 م
هل نجح الفلسطيني القديم في تحقيق مطلبه الوحيد؟ وهل نجح في توريث صفاته القديمة لأبنائه؟ فما هي الحاجة للفلسطيني القديم؟ وهل بدأ بانتخاب قيادة تمثله؟ فلماذا تكون هذه الخطوة الأولى للفلسطيني الجديد؟ الخطأ القديم الجديد هو الاستعانة بأصدقاء العدو وحلفائه ومدحهم بدلا من نبذهم والتحذير منهم، وهو ما حول المناضل القديم إلى المفاوض الجديد. فعلى كل فرد يريد العودة إلى الطريق الصحيح لتحقيق المطلب الوحيد الواضح ألا يكون بينه وبين عدوه صديق مشترك، فمجرد قبول وجود مثل هذا الصديق يعني السير في طريق القبول بتحويل العداوة إلى خلاف، وبتجزيء المطالب والحقوق، والتنازل عن بعضها لمحاولة حل الخلاف.