هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة
"الغارديان" مقالا لأستاذ القانون والتاريخ في جامعة ييل صمويل موين قال
فيه إن السؤال الكبير لرئيس أمريكا المنتخب، جو بايدن، الذي اتخذ شعار "إعادة
البناء بشكل أفضل" هو ما إذا كان هذا سيعني تجديدا حقيقيا أم مجرد ترميم.
الأمريكيون
بحاجة ماسة إلى محور بعد جنون دونالد ترامب. وعندما يتولى بايدن مقاليد السلطة من
سلفه، فلا شك في أن إعادة ضبط كبيرة ستأتي. لكن خطر استعادة الرضا عن النفس ليس
أكبر مما هو عليه في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لا سيما أنه مجال يتمتع
فيه مكتب الرئيس بقدر كبير من السلطة، حتى في خضم الجمود التشريعي.
يقول البطل
الأرستقراطي في رواية جوزيبي دي لامبيدوزا، The Leopard،
التي نشرت عام 1958: "يجب أن يتغير كل شيء حتى يظل كل شيء على حاله".
ويبدو أن هذا هو شعار النخب الحالية المتلهفة لقصر سنوات ترامب بين قوسين باسم
الوضع الذي كان سابقا.
ومنذ صدمة عام
2016، طورت نخب السياسة الخارجية في واشنطن، سواء من الديمقراطيين العاديين أو حلفائهم الجمهوريين الرافضين لترامب، سردية متشابهة عن دورهم الخيري في العالم. وتسير السردية على هذا النحو:
كانت أمريكا ذات يوم انعزالية، لكنها التزمت بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة
"نظام دولي قائم على القانون"، وهي عبارة يصعب تجنبها بشكل متزايد في
تقييمات الانتقال الرئاسي. وبحسب هذه السردية، مثّل انتخاب ترامب النزعة
اللاأخلاقية والفجور، وعودة القومية المكبوتة بحق في الداخل والخارج. وردا على
ذلك، يجب أن يكون جدول الأعمال هو استعادة مصداقية أمريكا وقيادتها باعتبارها
"الأمة التي لا غنى عنها" من خلال تبني الأممية مرة أخرى.
إن سجل حكماء
واشنطن، الذين دللوا الدكتاتوريين، وعسكرة العالم، ورسخوا الظلم الاقتصادي في
الداخل والخارج، فتح فرصة غير عادية لغوغائي مثل ترامب، مما جعل صعوده ليس مسألة
ميل للعودة للماضي من أي شكل آخر من أشكال الانتكاس لتكرار الأخطاء التي ارتكبتها
أمريكا على الدوام في الخارج. وإذا كان وجوده قد أحرج نخب السياسة الخارجية
الأمريكية، فذلك لأنهم ساعدوا في جعل هذا الوجود ممكنا.
اقرأ أيضا: بايدن يظهر للمرة الأولى بعد إصابته بقدمه (شاهد)
وليس هناك شك
في أن ترامب غير سياسة الأمن القومي بعدة طرق. لكن الفكرة القائلة بأن النظام
الدولي القديم كان قائما على القانون في الواقع هو خيال يستحيل الحفاظ عليه - خاصة
فيما يتعلق بأمريكا، التي لطالما لوت عنق القانون أو خرقته في جميع أنحاء العالم
طوال الحرب الباردة، عندما كانت تخشى خصمها السوفيتي. وبعد 11 أيلول/ سبتمبر، صاغت
أمريكا نسختها الخاصة من القانون الدولي، وشكلته ليتماشى مع مصالحها الخاصة - في
عهد كل من جورج بوش الابن وباراك أوباما، وضد الكثير من المقاومة من الآخرين في
أنحاء العالم.
وفي المسائل
الاقتصادية منذ عام 1945، لم يكن الأمر يتعلق بأن أمريكا إما أن تكون قد قامت
بتزوير أو تمزيق نظام قائم على القانون، بل إنها تحولت من مجموعة واحدة من
القوانين إلى مجموعة جديدة تماما. ولعقود من الزمن بعد الحرب العالمية الثانية،
أتاح النظام للحكومات الأخرى مساحة كبيرة للمناورة في سياساتها الاقتصادية. لكن بعد
ذلك، ساعدت أمريكا في فرض نظام نيوليبرالي صارم مستمر حتى يومنا هذا، بما في ذلك
من خلال المؤسسات المالية الدولية التي هيمنت عليها.
وكانت مواقف
ترامب تجاه الحرب والسلام متناقضة. لقد تغلب على منافسيه الجمهوريين في عام 2016
من خلال إدانته لحرب العراق بشكل صادم، مدعيا كذبا أنه كان على الجانب الصحيح من
التاريخ طوال الوقت، قبل أن ينتصر على كلينتون من خلال مناشدة المحاربين القدامى
والأمريكيين الآخرين الذين أنهكهم التدخل العالمي غير المجدي لبلدهم. نتيجة لذلك،
رفع بايدن نفسه شعار "إنهاء الحروب التي لا نهاية لها" لأن ترامب ساعد
في جعلها بادرة إلزامية.
وفي السلطة،
أصبح ترامب آخر رئيس يدين الحروب الأمريكية "الغبية" - كما فعل أوباما
من قبله - بينما كان يبني جيشا أكبر، ويأمر بمزيد من ضربات الطائرات بدون طيار
ومهام القوات الخاصة. ومع ذلك، فهو لم يُلغِ توغلات أوباما في عمق أجزاء من أفريقيا
فحسب، بل واصل التحول من حروب البصمة الكبيرة إلى أنماط الحرب ذات البصمة الصغيرة
أو بدون بصمة عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط، حيث واجه "مقاومة" الجيش
لمحاولته سحب القوات من أفغانستان والعراق في أيامه الأخيرة.
وسوف يعيد
بايدن الاتفاق مع إيران إذا استطاع ذلك، ويعيد الدخول في اتفاقيات باريس للمناخ.
وسيتحدث هو وموظفوه أكثر عن أهمية الجوانب الرئيسية من السياسة الخارجية للولايات
المتحدة في الماضي، من حقوق الإنسان إلى التعددية ومن الناتو إلى الأمم المتحدة.
وسوف يقدم دعما أقل قليلا لزعيم اليمين الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والأمير
السعودي محمد بن سلمان.
لكن من المرجح
أن يتوقف التحول عند هذا الحد، لأنه لا يوجد دليل إضافي على أن بايدن يدرك الحاجة
إلى التعامل مع تقاليد أمريكا العدائية. صحيح أن بايدن تعلم شيئا من دعمه لحرب
العراق الكارثية. لقد تحدث ضد بعض التدخلات كنائب للرئيس أوباما وثبت أنه كان محقا
بذلك. ونتيجة لذلك، سوف يهز سيف أمريكا بشكل أقل عدوانية. إنه بحاجة إلى الالتزام
بوعده بوقف الدعم الأمريكي للحرب السعودية المفجعة في اليمن، والتي مكنها أوباما
واستمر فيها ترامب. ومع ذلك، لسوء الحظ، قد يأتي نهج أكثر حذرا تجاه القوة
العسكرية الأمريكية فقط مقابل استعادة العداء مع روسيا، ومواصلة الطريق إلى الحرب
الباردة مع الصين التي أشعلها ترامب.
إن فرصة أن
ينهي بايدن "الحرب على الإرهاب" غير المبررة هي فرصة ضئيلة للغاية، وليس فقط في أفغانستان والعراق. أنتوني بلينكن، الذي اختاره بايدن وزيراً
للخارجية، سيلغي الكثير من الضرر الذي ألحقه ترامب بالخدمة الخارجية الأمريكية
وسمعتها الدولية. ولكن كما أوضح في بودكاست حديثا، فإن الإدارة الجديدة ستلتزم
بالتحول من الاستراتيجيات "واسعة النطاق" إلى المجهرية ومن المرئية إلى
غير المرئية التي كان بوش وأوباما رائدين فيها، كما لو أن المشكلة هي أن ترامب
استخدمها حتى مع المزيد من الذوق.
أفريل هينز،
التي رشحها بايدن لإدارة الاستخبارات الوطنية، ساعدت في ابتكار عمليات القتل
المستهدف خلال عملها في وكالة الاستخبارات المركزية. إن الحملة الأبدية للطائرات
المسيرة المسلحة والقوات الخاصة ليست تحقيقا لوعد "إنهاء الحروب التي لا
نهاية لها". إنه مجرد شعار من أجل الاستمرارية.
استمرارية
الموظفين مثل بلينكن، الذي كان كبير مساعدي بايدن عندما صوت لغزو العراق، هي
الطريقة التي تعمل بها عملية الترميم بالفعل. كتبت سوزان رايس، مستشارة الأمن
القومي السابقة في عهد أوباما ومرشحة بايدن لمنصب نائب الرئيس تقريبا، والثي تم
ذكرها أيضا لمنصب رفيع، أن بايدن يجلب "مجموعة من الخبراء ذوي المؤهلات
العالية والمطلعين". وما هو أقل وضوحا هو ما إذا كان هؤلاء المعاونون قد
تعلموا ما يكفي في وعودهم لقلب إرث ترامب بينما لم يدركوا مدى استفادته من أخطائهم
الجسيمة التي استمر بها.
في حين أنه من
الصعب التنبؤ بحروب المستقبل، فإن سياسته الاقتصادية هي مؤشر أفضل عما إذا كان
بايدن ينوي الترميم أو التجديد. على الرغم من وعود الحملة الانتخابية باستعادة
التصنيع الأمريكي، إلا أن بايدن لديه سجل طويل في دعم التجارة الحرة في العلاقات
الخارجية لأمريكا، بصفته مؤيدا قويا لـ Nafta والشراكة عبر المحيط الهادئ (قبل أن تصبح الأخيرة مثيرة للجدل سياسيا). كان بايدن
حذرا بشأن ما إذا كان سينضم إلى أحدث اتفاقية من هذا القبيل. في كلتا الحالتين، كيف سيوازن بين فوائد التجارة الحرة ونتائجها الخطيرة لعدم المساواة والركود أمر
لا يزال ينتظر رؤيته.
وليس فقط
انهيار النظام الذي أدى إلى انتصار ترامب في عام 2016، ولكن إخفاقه بهامش بسيط عام
2020 يعني أن الوقت ليس وقت التراخي. ولكن إذا كانت رئاسة بايدن تمثل ما هو أكثر
قليلا من الحنين إلى السياسة الخارجية الضائعة، فإنها لن تفوت فقط فرصة تاريخية
لإعادة تشغيل أمريكا. إن إحياء الأخطاء القديمة لن يؤدي إلا إلى زحف وحش جديد نحو
واشنطن، واعدا بإنقاذ أمريكا منهم.