كتاب عربي 21

الخديعة الكبرى!

حلمي الأسمر
1300x600
1300x600

العلاقات السرية بين الكيان الصهيوني وبين عدد من الدول العربية "المؤثرة" لم تنقطع حتى في أدق الظروف. كتب التاريخ التي ملأت أرفف مكتبات الغرب تتحدث بتفصيل ممل عن هذه العلاقات، واللقاءات على أكثر من مستوى. كثيرون لا يعلمون شيئا عن هذه العلاقات واللقاءات، بل ربما كانوا غير معنيين بهذه المعرفة، لأنهم أسرى لما يغذيهم به الإعلام الرسمي العربي، والأذرع المساعدة له من نخب صنعت على عين الأنظمة، ومهمتها الرئيسة الترويج للزعيم و"مسح الجوخ" له، وإبقاء الجمهور العربي في غيبوبة..

مع خروج العلاقات العربية الصهيونية إلى العلن، بدأ كثيرون ينبشون في كتب التاريخ، بحثا عن "جذور" هذه العلاقات، خاصة بعد اللقاء الثلاثي الذي حصل مؤخرا في "نيوم" بين ولي عهد السعودية ورئيس حكومة الكيان الصهيوني ووزير خارجية ترامب، الآفل عهده. وسائل الإعلام العبرية نشرت خبر اللقاء، وثارت ضجة "مفتعلة!" في الكيان الصهيوني، حول الضرر الذي يسببه هذا الإفصاح عن لقاء يفترض أنه "سري".. أقول مفتعلة لسبب جلي وواضح، وهو أن تسريب خبر اللقاء لم يكن ليتم إلا بتنسيق مع من حضره، لعدة أسباب، لعل أهمها فحص ردود الفعل لدى الجمهور العربي عموما والسعودي خصوصا، وربما تهيئة هذا الأخير لما هو قادم.

 

اللقاء وقع، وإفشاء سره تم بتنسيق بين الأطراف ذات العلاقة، فهل كان هذا اللقاء مقطوعا عن طبيعة العلاقة بين أطراف اللقاء

النفي السعودي الرسمي على لسان وزير الخارجية لا قيمة له هنا، في زمن تخصص كثير من المسؤولين العرب في نفي المثبت، لنعرف فيما بعد أن كل نفي وراءه حقيقة يراد إخفاؤها. في المحصلة اللقاء وقع، وإفشاء سره تم بتنسيق بين الأطراف ذات العلاقة، فهل كان هذا اللقاء مقطوعا عن طبيعة العلاقة بين أطراف اللقاء؟ بلغة أخرى: هل كان اللقاء "طفرة" عابرة، أم كان امتدادا لسياقات مدفونة في كتب التاريخ، حتى قبل قيام كيان العدو الصهيوني في فلسطين؟

من الصعب في عجالة كهذه أن يُشبع كاتب هذه السطور هذه النقطة بالذات لأنها تحتاج إلى سعة من المساحة والتعبير، مما لا يتوفر في مقالة، لكن ثمة موقفا شديد الدلالة على "جذر" العلاقة التي ربطت بين مملكة آل سعود وكيان العدو، مما لم يعد سرا، بل لم يكن كذلك في الأصل، لكن الحديث عنه كان بين نخب المثقفين، وضمن سياقات تجري على ارتفاعات شاهقة. وبوسع من يريد الاستزادة في هذا الموضوع البحث عن علاقة ملوك آل سعود بإخماد ثورة الشعب الفلسطيني الكبرى عام 1936، وقبلها وبعدها عن "التزامات" آل سعود بقيام "دولة" لليهود في فلسطين. وسيجد من يبحث عن هذه الوقائع الكثير من التفاصيل المثيرة، تجعله يفهم أن لقاء نيوم ليس مقطوعا عن لقاءات الملك عبد العزيز بن سعود وتعهداته للرئيس الأمريكي روزفلت بدعم قيام كيان العدو، والكثير الكثير مما يضيق المجال عن ذكره هنا.

كيان العدو الصهيوني لم يكن ليقوم أصلا لولا الدعم الكبير الذي وفرته أنظمة العرب له، ولم يكن ليستمر في التمدد والتعاظم لولا استمرار هذا الدعم عبر قنوات سرية في الماضي، تحولت اليوم إلى سياسات رسمية معلنة.

 

هكذا يمكن لنا أن نفهم سر إعلان "الإخوان المسلمين" تنظيما "إرهابيا" في مملكة آل سعود وإغواء ما يسمى هيئة كبار العلماء بإعلان بيان "انحرافهم!" عن الطريق القويم، وربما إخراجهم عن الملة

وهكذا يمكن لنا أن نفهم سر إعلان "الإخوان المسلمين" تنظيما "إرهابيا" في مملكة آل سعود وإغواء ما يسمى هيئة كبار العلماء بإعلان بيان "انحرافهم!" عن الطريق القويم، وربما إخراجهم عن الملة، ذلك أن هذا التنظيم تحديدا اتخذ موقفا مبدئيا صارما من المشروع الصهيوني، وقاتله على أرض فلسطين من خلال كتائب المجاهدين، إبان "نكبة فلسطين"، ولم يزل شوكة في حلوق "المطبعين" قديما وحديثا، وهو مع كثير من التنظيمات العربية يرفض التسليم بقيام دولة العدوان، عبر فصائله المختلفة في غير بلد، وخاصة في فلسطين تحديدا، عبر حركة المقاومة الإسلامية، ووضع راية المقاومة فعلا وقولا!

من المؤلم القول هنا أن "الكذبة" التي استمرت عقودا طويلة، باعتبار العرب قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى، لم تكن غير خديعة "تخديرية" هدفها تمييع القضية وابتذالها، وسحق أي محاولة تستهدف تحرير فلسطين فعلا. وكانت "الخديعة" إياها تأخذ أشكالا عدة من التآمر السري، وتمزيق الصف، وتخريب الوعي الجمعي العربي، وتشويه سيرة النضال الفلسطيني، وصولا إلى تهيئة هذا الوعي للتسليم بوجود الكيان الغاصب، بل الترويج له باعتباره منجزا يتعين الاستفادة منه في "نهضة العرب!"

وهنا يبرز دور القابضين على جمر فلسطين، في التصدي لهذا السيل الجارف من الكذب، ليس بالشتم واللطم، بل بإخراج وثائق الماضي، وقذفها في وجوه الذين لم يزالوا مخدوعين بأكاذيب النظام العربي وألاعيبه!

قيل قديما إن الطريق إلى القدس يمر عبر العواصم العربية، وربما كان هذا القول يثير سخرية البعض، بل عد أحيانا محفزا وباعثا على الفتنة، ولكنه اليوم أكثر من أي وقت مضى، أصبح حقيقة جارحة، بعد أن تأكد أن رعاة الكيان الحقيقيين لم يكونوا في واشنطن وباريس ولندن فقط، بل كان لهم أعوان مخلصون في غير عاصمة عربية، أصبحت اليوم تحتفي وتمجد وترحب بـ"الاحتلال" بوصفه "تطبيعا" لعلاقات كانت فيما مضى سرية وغدت علنية!

التعليقات (1)