هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون إن على الرئيس
القادم، جوزيف بايدن، إلغاء قرار دونالد ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية لأنه
يقوض سياسة أمريكية حذرة مضى عليها عقود من النزاع على المنطقة.
وفي مقال نشره في مجلة "فورين بوليسي" قال إن إعلان الرئيس
عن اتفاق التطبيع الذي لا علاقة له بالصحراء، اعترف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء
الغربية ورمى سكان الصحراء تحت الحافلة وتجاهل ثلاثة عقود من دعم الولايات المتحدة
لحق تقرير المصير لهم من خلال استفتاء.
ويقول إن السناتور جيمس إنهوف كان محقا عندما قال في مجلس الشيوخ يوم
10 كانون الأول/ديسمبر إن الرئيس كان يمكنه التوصل إلى اتفاق بين المغرب وإسرائيل بدون
"أخذ حقوق هؤلاء الناس الذين لا صوت لهم". ولدى إنهوف خبرة طويلة في النزاع
الصحراوي من خلال عمله في لجنة الشؤون الخارجية ولجنة القوات المسلحة التي يترأسها
الآن.
ويرى بولتون أن العلاقات الدافئة بين المغرب وإسرائيل ليست جديدة. وفكر
المغرب بالاعتراف بها منذ وقت. وحاول الملك الحسن الثاني متابعة هذا الخيار في التسعينيات
من القرن الماضي كما فعلت دول عربية أخرى. كما أن العلاقات السرية المغربية- الإسرائيلية
معروفة. وعلاقات تطبيع اليوم ليست جديدة أو صعبة التنفيذ. وبدأت الإمارات العربية المتحدة
والبحرين الطريق وهناك إمكانية لمتابعة دول عربية أخرى لهما. ولكن ما وافق عليه المغرب
ليس واضحا، فقد أنكر أنه سيفتح أكثر من مكتب تنسيق في إسرائيل وهو ما فعله في التسعينيات
من القرن الماضي. ولم يقل إن الاتفاق يعني علاقات دبلوماسية كاملة.
وفي قراره المتسرع لم يشاور ترامب جبهة البوليساريو التي تمثل الصحراويين
ولا الجزائر أو موريتانيا الجارتين القلقتين ولا أي طرف آخر. وهذا ما يحدث عندما يدير
هواة السياسة الخارجية الأمريكية وهو واضح من تصرفات ترامب القائمة على المقايضة. وبالنسبة
له كل شيء صفقة ممكنة ويتم التعامل معها برؤية ضيقة وفترة وجيزة. فأسلوبه لا يشتمل على
الموازنة بين المزايا والأرصدة التي تدخل في السيناريوهات الدولية المعقدة. ولا يهتم
بالتداعيات المستقبلية أو معرفة الجذور التاريخية للمشكلة. ولم يتوصل ترامب لاتفاقيات
نووية مع كوريا الشمالية أو إيران وربما تخيلنا ما كان سيتنازل عنه لو وافق البلدان
على تسوية معه.
ويرى بولتون أن طريقة ترامب العرضية من أجل الحصول على نصر دولي تثير
أسئلة حول الاستقرار في عموم منطقة المغرب العربي. وتجاوز إنهوف الذي أعيد انتخابه
لفترة ست سنوات أخرى في مجلس الشيوخ هو خطأ كبير. وقال: "أعرف ما يشعر به إنهوف
بشأن الصحراء الغربية. وكنت موجودا في المكتب البيضاوي في 1 أيار/مايو 2019 عندما تحدث
السناتور عن أوكلاهوما موضحا دعمه للاستفتاء، وقال ترامب إنه لم يسمع بالصحراء الغربية
أبدا، وقال له إنهوف لقد تحدثنا من قبل ولكنك لم تكن تسمع".
وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" أن ترامب كان منزعجا من إنهوف
لعدم تنازله للرئيس الذي طالب بتعديلات في ميزانية قانون صلاحية الدفاع. ونصح مستشارو
الرئيس أن يتشدد في موضوع الصحراء الغربية انتقاما منه.
لكن المواجهة لم تنته بعد، فإنهوف مؤيد مصمم للصحراويين، ومن موقعه
كرئيس للجنة القوات المسلحة القوية فسيكون قادرا على تقديم النقاش المطلوب لإلغاء قرار
ترامب وتقديمه لبايدن لو احتاج إلى هذا.
وتساءل عن أثر قرار ترامب المتهور على بايدن ومصالح الحكومات الأجنبية
المهتمة بالصحراء الغربية. والجواب يكمن في مهمة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء
الغربية التي أنشئت بقرار 690 عام 1990. فعندما انهار الاستعمار الإسباني للصحراء بعد
وفاة الجنرال فرانكو عام 1975 وبعد مواجهة بين المغرب وموريتانيا والبوليساريو انقسمت المنطقة وتركها بدون حل.
وفي 1991 وافقت البوليساريو على تعليق المواجهة مع المغرب مقابل الاستفتاء
على الاستقلال أو الوحدة. وفهم الملك الحسن الثاني هذا القرار "استفتاء على تقرير
مصير شعب الصحراء الغربية" والخيار كما جاء في الفقرة الأولى من قرار 690 هو
"الإختيار بين الاستقلال أو الاندماج مع المغرب". وأكدت اتفاقيات هيوستن
في 1997 والتي وقعت برعاية جيمس بيكر بصفته المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة.
ولكن المغرب كما يقول بولتون الذي عمل مع بيكر عندما كان في الخارجية وساعده بصفته
المبعوث الشخصي إن المغرب قضى العقود الثلاثة الماضية وهو يحاول منع الاستفتاء. وحاول
مع عدد من حلفائه في مجلس الأمن مثل فرنسا التشويش على حقيقة قرار 690 وقدم عددا من
العروض للحكم الذاتي، لكن لم يكن أي منها قريبا للاستفتاء مقابل الحكم الذاتي ولم تقبله
البوليساريو، لأن ما قدم إليها كان دائما "خذ أو اترك".
وبالنسبة للرباط فهذه الحلول لا تعني استمرار سيطرة الجيش المغربي على
مناطق شاسعة من الصحراء الغربية بل عملية توطين فيها بحيث يتفوق القادمون من مناطق
المغرب الأخرى على الصحراويين. وفي بيان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش
دعوة للحفاظ على قرار 1991 ولكنه طالب باستئناف محادثات السلام.
ويقول بولتون إن البوليساريو لم تتخل عن القتال مع المغرب من أجل محادثات
سلام فاشلة ولكن للاستفتاء. وهناك خيار هو وقف مهمة الاستفتاء والعودة للوضع القائم
والعداء بين المغرب والبوليساريو. ويقول إن المغرب لو لم يقبل الاستفتاء فهو لا يستحق
قوة حفظ سلام أو وقف إطلاق النار. مشيرا إلى أن خرقا كبيرا للوضع حدث الشهر الماضي،
ولا يعرف إن كان هذا بداية للأعمال العدوانية أم لا. إلا أن جبهة البوليساريو تقف اليوم
على منعطف طريق. وسيكون خيار العودة للسلاح مبررا، لكن هذا القرار يعتمد على مواقف
موريتانيا والجزائر وما يتوفر لديها من مصادر. ويقول إن الصحراويين ليسوا وحدهم من
خيب ترامب أملهم بعدما كان موقفهم صلبا. ومن حق الدول تغيير مواقفها بناء على مصالحها
القومية لكن اتخاذ قرارات متعجلة بدون استشارة ولا علاقة لها بقرار التطبيع أمر غير
مقبول. ومن حسن الحظ، ففترة ترامب في الحكم انتهت. ومن منظور الولايات المتحدة الأفضل
قيام بايدن بعد تسلمه الحكم بإلغاء القرار. ولن يكون سهلا بناء على التوقعات من جانب إسرائيل
والمغرب. ولو أراد بايدن اتخاذ قرار والتحول 180 درجة فعليه اتخاذه مباشرة من أجل تخفيف
الأضرار.
ويناقش بولتون أن مبرر المغرب ضد الاستفتاء وأنه قد يؤدي لتقويض الملكية
ليس صحيحا، فعلى مدى العقود الماضية قامت الرباط بهندسة عملية تغيير سكاني في المنطقة
مما يعني أن مخاوفها والخارجية الأمريكية التي تبنت هذه المواقف ليست في محلها. كما
لم تعد الرباط قلقة على علاقتها مع إسرائيل وأثرها على استقرار الملكية. وما حدث هو
أن المغرب بات يصدق دعايته بشأن الصحراء. والسبب الحقيقي وراء تمسك المغرب بالصحراء
هي المصادر الطبيعية المخزنة تحت الرمال وأرصدة الصيد وإمكانية بناء منتجعات سياحية
فيها.
وبالطبع سيكون لدى بايدن عدد آخر من القضايا بعد 20 كانون الثاني/يناير
لكن عليه مع مستشاريه وضع خط تحت قرارات ترامب وربط اعتراف الولايات المتحدة بسيادة
المغرب على الصحراء بنتائج الاستفتاء. وربما حاول المغرب خنق هذا الخيار لكن لا مفر
له إلا القبول به لو أصرت عليه أمريكا. وبالنسبة لقادة الجزائر وموريتانيا وإسرائيل
والاتحاد الأوروبي فلن يخسروا شيئا لو ألغى بايدن قرار ترامب الضال. وستكون خطوة مرحبا
بها لتأجيل النزاع في الصحراء. وعلى هذه الدول الإصرار على عدم وضع مستقبل الصحراء
الغربية جانبا، وهو أمر لن يستفيد منه سوى المغرب وسيطرته الفعلية على المنطقة.
ويرى بولتون أن الإمارات والبحرين حررتا إسرائيل من العزلة الدبلوماسية،
ومهما فعل المغرب ردا على قرار لبايدن بشأن الصحراء الغربية لن يؤثر على تل أبيب إلا
قليلا. والقبول بما يقرره بايدن بشأن الصحراء الغربية سيكون من صالح بنيامين نتنياهو.
وسيعزز موقفه مع بايدن، خاصة أن الصحراء الغربية ليست مهمة له وسيكون قادرا بالضغط
في موضوعات أخرى مثل إيران. وعلى دول الاتحاد الأوروبي خاصة إسبانيا القوة الاستعمارية
السابقة وفرنسا حامية المغرب، الحديث عن حق تقرير المصير للمساعدة في العملية. وإن لم
تقولا أي شيء فعليهما الصمت والوقوف في موقع المتفرج وتجنب مفاقمة خطأ ترامب. ويعتقد
أن اتفاقا في مرحلة ما بعد تولي بايدن الحكم مع الكونغرس برعاية إنهوف قد يصحح خطأ
ترامب.
اقرأ أيضا: كوشنر يتوجه إلى الرباط بطائرة مباشرة قادمة من تل أبيب