ذكر لي أحد السياسيّين العراقيّين أنّ أحد رؤساء الوزراء السابقين كان من ضمن سياساته في التعامل مع "أنصاره وخصومه" أنّه يحاول أن يمسك "زلّة" عليهم، ويرتّبها في ملفّات خاصّة بهم، ويساومهم بها في التحالفات والمزايدات والمناقصات وغير ذلك من ألوان العمل السياسيّ المشروع وغير المشروع.
ويتعلّق أكثر تلك الملفّات بجرائم القتل والاختطاف والاعتقال غير القانونيّ، وحصولهم على حصص ماليّة في الوزارات، والظفر بنسب من مختلف المشاريع الحكومية، وكذلك المشاركة في عمليّات التهريب، وغير ذلك من الجرائم الإنسانيّة والاقتصاديّة التي يُحاسب عليها القانون العراقيّ.
هذه الملفّات والتهديدات الخطيرة قادت لانشقاقات حزبيّة ومليشياويّة، وربّما، حتّى فكريّة وعقائديّة.
وقبل عام تقريباً كانت هنالك تلميحات من بعض السياسيّين على شخصيّات دون ذكر الأسماء، لكن يبدو هذه الأيّام (ومع اقتراب السباق الانتخابيّ نحو البرلمان ورئاسة الحكومة في الانتخابات المبكّرة المقرّرة في حزيران القادم) أننا بدأنا نسمع بكشف لملفّات مخيفة وخطيرة، ربّما ستقلب المشهدين الأمنيّ والسياسيّ في
العراق!
وفي العاشر من كانون الأوّل/ ديسمبر 2020 فَجّر رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي قنبلة تضمّنت اتّهامات واضحة لرئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي، واتّهاما مبطّنا لرئيس المخابرات حينها، ورئيس الحكومة الحاليّ مصطفى الكاظميّ، حيث قال إنّ "الطائرة الأمريكيّة التي
اغتالت قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد، حصلت على موافقة عراقيّة".
وسارع مكتب عبد المهدي بعد ساعات لنفي اتّهامات العبادي قائلا: "ننفي نفياً قاطعاً ما تتداوله بعض وسائل الإعلام من أنّ جهات عراقيّة رسميّة قد أعطت موافقات على طيران أمريكيّ استهدف المهندس وسليماني ورفاقهما".
وبالمقابل تمّ نشر وثيقة مسرّبة في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2020 على مواقع التواصل الاجتماعيّ وفي بعض الوكالات العراقيّة والعربيّة؛ تؤكّد "موافقة العراق على دخول ثلاث طائرات مسيّرة إلى أجوائه ليلة اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبيّ"!
وكالعادة بقيت اتّهامات العبادي حتّى الساعة في دائرة الرأي والرأي الآخر دون فتح تحقيق رسميّ في الموضوع!
وضمن لعبة الملفّات، سبق لحكومة الكاظمي أن أخفقت في تطبيق القانون على بعض عناصر الفصائل الولائيّة الذين تمّ اعتقالهم بعد محاولتهم توجيه ضربات صاروخيّة على المطار والسفارة الأمريكيّة ببغداد!
وقد اضطرّت الحكومة لإطلاق سراحهم، وربّما حتّى لتكريمهم، بعد أن هدّدوها علانيّة عبر محاصرة بناية جهاز مكافحة الإرهاب الذي نفّذ العمليّة، ومكتب رئيس الحكومة باعتباره القائد العامّ للقوّات المسلّحة، وهو الذي أعطى أوامر الاعتقال!
وضمن لعبة الملفّات أيضاً تمّت قبل يومين عمليّة
اعتقال زعيم سرايا الخراسانيّ "حامد الجزائريّ" بعد أن جرّد من منصب قيادة اللّواء 18 التابع للحشد الشعبيّ، نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي!
وبعدها بأقلّ من 24 ساعة تمّ اعتقال "علي الياسري" أمين عامّ سرايا الخراسانيّ، وغلق ما سُمّيت "مقرّات مخالفة" واعتقال العشرات من الحشد!
وأظنّ أنّ الاعتقالات تدخل ضمن لعبة "فتح الملفّات"، ولا علاقة لها بتطبيق القانون، لأنّ هنالك قيادات أخطر من الجزائريّ والياسريّ، وهؤلاء أحرار طُلقاء، بل هم قيادات مؤثّرة في البلاد، ولم يُتّهموا، ولو بطريقة غير مباشرة، بأيّ جريمة من الجرائم الثابتة ضدّهم!
وأتصوّر أيضاً أنّ هذه الاعتقالات رغم أنّ هنالك من يقول بأنّها تتعلّق "برفض سرايا الخرسانيّ التوقّف عن ضرب المصالح الأمريكيّة في العراق"، لكنّني أرى أنّ القضية لها علاقة بتضرّر مصالح قيادات مليشياويّة، وبتضارب الولاء المليشياويّ، بعد أن قُسّم الحشد الشعبيّ إلى ثلاثة أجنحة "حشد حكوميّ، وحشد ولائيّ، وحشد المرجعيّة"!
فهل سنكون أمام بداية لمرحلة مواجهات حقيقيّة بين تلك الحشود؟
وهل هذه المرحلة ستربك الحكومة، وستكشف حقيقتها: هل هي حكومة قويّة قادرة على تحجيم
المليشيات، أم هي حكومة تدور في فلك القوى المليشياويّة؟
حرب الملفّات في العراق تتنامى، وآخرها الملفّ الذي فُتِح يوم الاثنين الماضي، إذ قرّرت محكمة التمييز منع رئيس حزب الجماهير أحمد الجبوري (أبو مازن) من المشاركة في الانتخابات المقبلة، بعد تشكيله لتجمع مناوئ لرئيس مجلس النوّاب
محمد الحلبوسي!
وهكذا يبدو أن حروب الملفّات ستستمرّ حتّى الانتخابات المقبلة، وستطيح بقيادات كبيرة، وربّما سيكون من بينهم رئيس الحكومة، الكاظمي، وقد نكون أيضاً أمام تصفيات جسديّة لقيادات فاعلة!
العراق مُقبل على مرحلة حرب ملفّات بركانيّة وقودها جرائم خطيرة ومذهلة!
twitter.com/dr_jasemj67