هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: ميزان السّلم و الحرب.. دراسة مقارنة لمفهوم السلم والحرب في التاريخ والأديان ووثائق الأمم المتحدة
الكاتب: الدكتور الأرقم الزعبي
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، الطبعة الأولى 2020.
(327 صفحة من القطع الكبير).
على نقيض العنف والحرب، يُعرف السلم بأنّه التّجانس المُجتمعي والتّكافؤ الاقتصاديّ والعدالة السياسيّة، وهو أيضاً اتّفاقٌ مُتعدّد بين الحكومات وغياب القتال والحروب، وقد يُعَبِّر عن حالةٍ من الاستقرار الداخليّ أو الهدوء في العلاقات الدولية. والسّلم عنصرٌ أساسيّ في الإسلام، والدّليل على ذلك أنّ السّلام إسم من أسماء الله الحسنى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، كما أنّ لفظ السّلم ومُشتقّاته تكرّر في القرآن 133 مرّة، بينما تكرّر لفظ الحرب 6 مرّات.
أما مفهوم الحرب فهو الوَيْل والهلاك، وكم هو معبّر عمّا تلحقه الحروب بالبشرية من أذى ودمار وويلات تَطال الأرواح والممتلكات، فالحروب هي الكلمة المرعبة التي إن وقعت على السّمع فإنه لا يمكن تخيّل ما تحدثه من ويلات ومصائب إذا ما استعرت نيرانها، وإن كان لا بد من نشوب الحروب أحيانًا لإعادة الحقوق إلى أهلها والدفاع عن الأوطان، ودفع المعتدين، إلا أن أغلب الأسباب كانت للحصول على المكاسب والغنائم والثروات الطبيعية للبلاد التي غالبًا ما تكون ضعيفة التسليح، فتقوم البلاد القوية بمحاربتها بهدف الاستيلاء على ثرواتها كما هو حاصل في الوقت الحالي.
واليوم مازالت أهزوجة السلام تتردد هنا وهناك ـ رغم تفاوت الرغبة الصادقة في تحقيق السلام، ويبحث العالم عن طريقة لتخليص الإنسانية من قلق الحرب، وما تحمله معها من ويلات واضطرابات وإيذاء للإنسان روحاً ومادة.. فما هو الخلاص؟وكيف لنا أن نحقق السلام في عالم يشهد في كل يوم خللاً في نظامه القيمي والأمني يبعث الخوف والقلق، والهم؟
كيف لنا ذلك، وفي كل يوم تظهر أسلحة جديدة وتحالفات وأفكار ومحاور جديدة؟ وهل الهيئات والمواثيق الدولية مثل "هيئة الأمم المتحدة ـ مجلس الأمن ـ نص حقوق الإنسان ـ اتفاقيات الحد من الأسلحة ـ اتفاقيات إنهاء الحروب".. تساهم في تحقيق السلام والاستقرار العالمي؟
إنها الحقيقة التي يجب أن نعترف بها، إننا نسير في كل يوم نحو الهاوية إلى الحرب وإلا ما المعنى من تحقيق سلام الأمر الواقع هنا والسلام المفروض هناك، وتعزيز الترسانة العسكرية سراً وعلانية أو الدعوة الى الحد من التسليح تحت ستار تحقيق السلام في الظاهر، ولكنها تعود لأسباب اقتصادية في الباطن، أو الدعوة للتسليح بحجة الحفاظ على السلام ورد خطر حرب قادمة.. ما هو المخرج والعالم يعيش قلق العنف الفردي والجماعي..؟ ما المعادلة التي تحقق التوازن بين الحرب و السلم وتجعل من السلم قاعدة، ومن الحرب وسيلة مكروهة لتحقيق السلام غاية الإنسانية؟
كل هذه التساؤلات، وغيرها طرحها الدكتور الأرقم الزعبي في كتابه الجديد"ميزان السلم والحرب: دراسة مقارنة لمفهوم السلم والحرب في التاريخ والأديان ووثائق الأمم المتحدة، وبحث عن أجوبة لها من خلال دراسة هذا الكتاب، الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب في سنة 2020، والذي يتضمن مقدمة، وثلاثة أبواب، حيث يحمل الباب الأول عنوان: ميزان السلم والحرب في الأديان "التقرير المثالي"، ويتضمن أربعة فصول، أما الباب الثاني، فيحمل اسم: ميزان السلم والحرب في العلاقات الدولية "التقرير الواقعي"، ويتضمن فصلين، و ويتضمن الباب الثالث، ملاحق الكتاب، المتعلقة بأهم مذاهب الرقابة والحد من التسلح التقليدي و النووي، والجزية قديمها وحديثها ـ الجزية في اليهودية ـ المسيحية ـ الإسلام ـ جدول مقارنة، وأخيرا ثبت تاريخي لهم المعاهدات الدولة المتعلقة بالحرب والسلام.
منهجية البحث
قضت طبيعة البحث انتهاج المنهج التكاملي (النقلي والعقلي) نظراً للمرونة التي يحملها المنهج وانطواء العديد من مناهج البحث كمفردات تحت عنوان.. مما مكنَّ الباحث الأرقم الزعبي من تحقيق الباب الأول وفق المنهج المقارن والباب الثاني وفق المنهج النقلي الجمعي المترافق مع المنهج العلمي.. والباب الثالث وفق المنهج النقلي الجمعي المترافق مع التحليل ورصد الملاحظات.
أما طريقة المعرفة الفكرية فإن اختيار الباحث الأرقم الزعبي لدراسة مسألة الحرب والسلم وضعته وجهاً لوجه أمام قضايا عديدة (اقتصادية، سياسية، اجتماعية، عسكرية، تاريخية، دينية..) لها علاقات متداخلة ومتباينة بهذه المسألة، مما دفعه لتتبع علاقة النوع الواحد من هذه القضايا بالباقي، والدخول فيما يسمى فقه العلوم أو مقدار تداخل علاقة العلم الواحد بباقي العلوم والبحث في هذه العلاقة بالعمق الكافي للبحث.
"البحث في قضية السلم والحرب هو من صلب عمل هيئات ومراكز وبحوث ذات اهتمامات عالمية ومركبة (اقتصاد، تسليح، موارد، علم اجتماع...) وليس من صلب عمل الأفراد، لأنه من الصعب أن نجد شخصاً يلم بتقاطعات هذه الاهتمامات وعلاقتها بقضية الحرب و السلم,
لم يرغب الباحث الأرقم الزعبي في تسييس هذا البحث، بل أبقى عليه بحثاً يتعلق بدراسة الأدبيات الدينية والثقافية والمادية بأنواعها لقضية الحرب و السلم.. فكانت انطلاقته من الدارة الدينية والتاريخية أولاً إلى الدارة المادية ثانياً لاعتقاده أنَّ أي فكرة أو مفهوم عندما يقام على أسس دينية أو فكرية يتضاعف في نفوس معتنقيه، وتصبح قوة الدوافع النفسية لتحقيقه أكبر..
فضلاً عن تفاقم الحاجة للبحث في مستقبل القيم وأثرها في قضية الحرب والسلم وتفعيل القيم الروحية والثقافية والإنسانية لتسهم في منهج النظرة المستقبلية لقضية الحرب والسلم بعداً أوسع وأكثر توازناً بعد أن أخذ الكثيرون يشككون في مستقبل الإنسانية على قاعدة إخضاع التطورات الاجتماعية والروحية للتغيرات الاقتصادية فقط، أو تصوير المستقبل على أساس تطور المخترعات وهيمنة العقلية الصناعية فقط والسيطرة على الأسواق العالمية.. والنفاذ من كل هذا إلى السيطرة على القرار الدولي.. على أنني لن أسقط العوامل المادية بل أنظر إليها من منظور القيم الشريفة العادلة للإنسان وليس العكس.
يقول الباحث الأرقم الزعبي: "البحث في قضية السلم والحرب هو من صلب عمل هيئات ومراكز وبحوث ذات اهتمامات عالمية ومركبة (اقتصاد، تسليح، موارد، علم اجتماع...) وليس من صلب عمل الأفراد، لأنه من الصعب أن نجد شخصاً يلم بتقاطعات هذه الاهتمامات وعلاقتها بقضية السلم والحرب، وعليه فقد اعتمدت على تقارير مراكز الأبحاث الاستراتيجية والأمم المتحدة، والموسوعات العالمية ذات الصلة كمصادر أساسية للبحث، واستفدت من بعض المراجع والملاحظات والتوجيهات التي أيدها بعض الأشخاص ممن اطلعوا على مسودة البحث.."(ص 13 من الكتاب).
قضايا السلم والحرب في الأديان القديمة
لقد عرف الإنسان ظاهرة الحرب منذ وجوده على الأرض، وهي ظاهرة أكثر التصاقاً وجاذبية بنفسية الشعوب من السلم.. وظاهرة الحرب رافقت الإنسان على مر العصور وأخذت تتطور أسبابها ومفاهيمها وشكلها وقوانينها وأدواتها.. مع تطور الإنسان ولم يلغها التطور والتمدن الذي حققته البشرية على مرّ الأزمان، بل نقلها من شكل إلى آخر.. قديماً التصقت ظاهرة الحرب بالأسطورة والحكاية الشعبية. فالمتصفّح لتاريخ معتقدات الشعوب القديمة يجد أن بعض الشعوب مثل جماعة "اللانغو Lango" يسرون بالحرب ليس من أجل الغنام، بل من أجل الحرب نفسها أو لتسلية الأبناء... أو لتجنيد المشاغبين والتخلص منهم في الحروب، أو عقد الحروب لكي يتخلص الكبار من منافسة الشباب... أسباب متعددة بعضها له علاقة بالعبثية.
وكانت الحروب تخاض بأمر الإله ولأسباب دينية مثل حروب اليونان القديمة (كثيراً ما تقع لأسباب دينية. وكان يرى أن أكل الميت سبباً لانتقال فضاله إلى الآكلِ.. وكان القلب الإنساني هو الغذاء الوحيد الذي يناسب الإله...
يقول الباحث الأرقم الزعبي: "إن الآلهة (أمروا شعوبهم) بأن يتحاربوا ويقتلوا بالتقابل بغية أن يقدموا.. غذاءها الضروري) ولا عجب بذلك فقد كانت الآلهة القديمة تأكل وتشرب، تحبّ وتكره، تتصالح وتتحارب، تثور وتهدأ.. هذا ما يدلنا عليه (ألواح جوديا) التي تنصّ على أن الأشياء ـ الموت ـ التي ترتاح لها الآلهة وتفضلها على غيرها "الثيران، الضأن، واليمام، والدجاج، والبط، والسمك، والبلح والتين... والزيت، والكعك". وعرفت بعض الشعوب القديمة آلهة خاصة بالحرب تماماً مثل إله السلم فقد عرف المصريون القدماء الإله "سيت" إلهالحرب و الشرورمزوا له برأس الحمار،والإله"سيت" هذا قتل إله السلام والخير (أوزوريس) الذي يتجسد بنهر "النيل" سبب البقاء، وقد تغلبت ظاهرة القسوة على الرحمة في حضارتي وادي الفرات والنيل.. هذا ما يظهر لنا من خلال تصرفات حكام هاتين المنطقتين الذين خاضوا فيما بينهم حروب عديدة، (ص20 من الكتاب).
كذلك عدَّ (الكلدانيون) أن الحرب وإلهها (بيل) بحالة تصارع مع الخير والعقل أو الفهم والمعرفة المتجسدة بالإله (حُوا).. وعرَّف البابليون الإله (نرجل) إله الشمس الذي يمثل القوة والقدرة على التدمير وهو إله الحرب وسيّد العالم، وهو مثل الإله "مارس أوراس" عند اليونان وإله الحرب والقتال أحد أفراد مجلس الآلهة الأولمبية الاثني عشر الذي يقابله الإله (زفس)أبو الآلهة و البشر.. واشترك الرومان مع اليونان في عبادة إله الحرب(مارس) وتقديسه ولكنهم كانوا ميالين نحو الحرب أكثر من اليونان الذين عبروا عن ميولهم الحربية بالمسابقات الأولمبية على يد "هرقل" المتحوّل من إله بطل حرب إلى بطل سلام فادّعوا أنهم خُلقوا من سلالة إله الحرب (مارس) وليس من أبي الآلهة والبشر "زفس" وهو ما قد يفسر قسوة حروب الرومان وكثرتها..
وكذلك كان للآلهة المتجسدة بشكل المرأة دور في حروب الحضارة القديمة مثل "أشتار" المرأة الآلهة عند البابليين "واستارتي" أو "استرتي" عند "اليونان" و"انزليس" آلهة الحرب والحب عند المصرين و"سمت" التي لها رأس كرأس اللبوة آلهة الحرب والمرض .
قصة الحرب والسلم في التوراة
لقد اعتمد الباحث الأرقم الزعبي في تحقيقه لقضية السلم و الحرب في الديانه اليهودية على كتاب (العهد القديم)، بوصفه مصدرًا أساسيًا للبحث وهم القسم المتعلق بالشريعة اليهودية في الكتاب المقدس(العهد القديم و العهد الجديد) و يقصد بالعهد القديم مواعيد "الله" مع "إبراهيم" المكتوبة بدم الحيوانات، و المتعلقة بعهود تعهد الرب بتحقيقها لنصرة شعبه ـ الشعب اليهودي ـ و مباركته وتتوزع هذه البحوث في تسعة وثلاثين سفرًا تشكل أسفار(العهد القديم).
من هنا أخذ الباحث الأرقم الزعبي الحدث التوراتي كما هو أدبيات حية وملزمة لمعتنقيها ومؤثرة في توجههم النفسي والاجتماعي والاقتصادي، وأثر هذه الأدبيات في حركة التاريخ اليهودي خاصة والإنساني عامة..
يقول الباحث الأرقم الزعبي: " تبدأ قصة الحرب في التوراة من أول أسفارها إلى آخرها، ولا يكاد يخلو سفر من أسفار العهد القديم من قصة عن حرب وقعت بين بني إسرائيل وغيرهم أو بين الشعوب التي عاصرت زمن تكون الحدث التوراتي... فبنو إسرائيل يعبدون إلهاً "الله" يدعى بـ"رب الجنود". وهذه العبارة ترجمة للعبارة العبرية "يهوه صباؤون" وتعني أن الرب هو رئيس قوات العبرانيين.. وتعني جماعة الرب ـ جنود الربد اليهود.. وتعني أيضاً أن الله يضبط جيوش الأمم وكل قوات الطبيعة، وكان من عادة بني إسرائيل أن يحملوا في حروبهم ما يسمونه "تابوت العهد أو الشهادة". وكانوا يرددون عند حمله "قم يا رب فلتبدد أعداؤك، ويهرب مبغوضك من أمامك" (سفر عدد 10: 35) .وهم يعتقدون أن الرب بجسده المادي يحارب معهم أو عنم ضد الذين يحاربونهم "فيخرج الرب ويحارب تلك الأمم... وتقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون.. وهذه تكون الضربة التي يضرب بها الرب كلّ الشعوب الذين تجندوا على أورشليم لحمهم يذوب.. عيونهم تذوب.. وفي ذلك اليوم لا يكون بعد كنعاني في بيت رب الجنود "زكريا" 14: 3-4-12-21).(ص 32 من الكتاب).
في عقيدة الديانة اليهودية، "رب الجنود" هو إله القوة في السماء والأرض كل قوى الكون وهو المعني أولاً وأخيراً بتهيئة أسباب نصرة اليهود وإطلاق النبوات على ألسنة أنبيائهم إما بالتهديد بالحرب وسيلة من وسائل العقاب لهم (السبي الأول والثاني) لخروجهم عن الشريعة، وإطلاق النبوءات التي من شأنها دب الحماس في الجيش وتأكيد النصر مثل نبوءة "أرميا" بخصوص مستقبل بني إسرائيل في حربهم مع البابليين والكلدانيين "هكذا قال رب الجنود.. سيف على الكلدانيين.. وعلى سكان بابل وعلى رؤسائها وعلى حكامها.. سيف على خيلها وعلى مركباتها، وعلى كل الذي في وسطها فيصيرون نساء، سيف على خزائنها فتنهب، حر على مياهها فتنشق..." أرميا (50: 33 ـ 35 ـ 37).
وفي كل الأحوال فإن الرب معني بنصرة بني إسرائيل أخيراً، لأن نصرتهم هي من العهود التي قطعها الرب على نفسه وهي بالنتيجة ليست متعلقة بقوتهم أو التزامهم بالشريعة إنما هي اختيار من الرب لسبب متعلق به لجماعة خاصة ولغرض خاص أراده الله وقطع الرب عهداً على ذاته.