منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما
كتب مقالا يهاجم التطبيع، وعندما سمع عن احتمالية قدوم وزيرة خارجية الاحتلال ليفني للمغرب تقدم صفوف المتظاهرين رافعا حذاءه ومؤكدا أنه - أي الحذاء - الوحيد المؤهل لاستقبالها بِمَا يليق بها، وقبل أربعة شهور فقط تحدث بلغة حادة مهاجما
التطبيع ودعاته، ثم بقدرة قادر انقلب الموقف مئة وثمانين درجة ليتحدث رئيس الحكومة
المغربية ورئيس حزب
العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور سعد الدين
العثماني، مبررا التطبيع ومدافعا عنه! فما الذي تغير؟!
إنها أوامر الملك ورؤيته! والحزب في منهجيته يقدم الطاعة المطلقة للملك، وحتى لو كان الأمر بهذا الجلل، فلا أهمية لاستشارة قواعد الحزب ولا مؤسساته، ولا حتى البرلمان المنتخب من الشعب، ويمضي العثماني
ليوقع بنفسه الاتفاق دون وجود نظير له دبلوماسيا من قبل الاحتلال.
وكل ما ذكرته سابقا أصبح معروفا لدى أغلب الناس، إلا أنّ الدعوة في هذه المقالة هي لمبرري خطيئة العثماني أن يصمتوا قليلا، وللصامتين أن يتكلموا "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا.."، فلا يعقل أن تنتقد فتوى عبد الله بن بييه بشدة أمس ثم تغض الطرف عن العثماني اليوم!
وإياك أن تحدثني عن منجزات العدالة والتنمية في المغرب بغير بعض الخدمات البلدية المحدودة، وإن شئت أن أدلل لكلامي أفعل على سبيل المثال لا الحصر:
1- تعميم وزير الأوقاف في حكومة العثماني - والذي لا يعينه العثماني بالمناسبة وإنما الملك بصفته أميرا للمؤمنين - للأئمة بعدم التطرق للرسوم الفرنسية المسيئة فضلا عن دعوات مقاطعة البضائع الفرنسية.
2- معاناة مؤسسات الحزب الحاكم وشبيبة العدالة والتنمية والمنظمات المقربة منهم؛ عند تنظيم فعاليات ومواجهة عرقلة شديدة لأنشطتهم من السلطات الأمنية، والحكومة التي يرأسونها لا تستطيع صنع شيء لهم.
4- مواجهة المظاهرات السلمية للمعلمين (بشأن أنظمة تعيينهم) بالقمع والاعتقال في عهدهم.
5- عدم استطاعة أحد في المغرب سواء أكان جمعية أم فردا جمع تبرعات لفلسطين أو غيرها من القضايا الإنسانية.
6- في الوقت الذي فتحت ألمانيا أبوابها للاجئين السوريين أغلق في عهد العثماني دونهم الباب، وحتى أصحاب الإقامات في أوروبا والخليج منهم لم يسمح لهم بالقدوم لاستكمال دراستهم أو أعمالهم التجارية!
7- تم التضييق أكثر على جماعة العدل والإحسان، ومُنعت من إقامة برامجها الدينية وإحياء سنة الاعتكاف في المساجد في شهر رمضان المبارك.
8- تم إقرار مزيد من القوانين التي تعزز حضور اللغة الفرنسية في التعليم.
وغير ذلك من الأمثلة الكثير للأسف، فأنت أمام حكومة ذات مرجعية إسلامية وأياد نظيفة مشهود لها بالأمانة والنزاهة، ولكن ما فائدتها وهي لم تقدم شيئا في أي ملف من الملفات التي عانى لأجلها الإسلاميون ولا زالوا، سواء في حرية التعبير أو التظاهر، فضلا عن حرية أداء العبادات وتعزيز اللغة العربية في التعليم بدلا من الأجنبية، وفِي نفس الوقت لا يمكن لهذه الحكومة رسم السياسة الخارجية للدولة ولا التحكم بوزاراتها السيادية؟!
رغم ذلك كله بدأ الحديث لدى البعض عن فقه المقاصد والمصالح المرجوة من
التطبيع الذي أقدم عليه العثماني! وقد كان هذا الباب مغلقا من قبل!! وقد حاولت جاهدا وبتجرد التعثر بهذه المصالح أو المقاصد في الحالة المغربية فلم أَجِد! وأخشى أن العدالة والتنمية لم يحقق سوى مزيد من الخسارة في شعبيته وحضوره في الشارع، خلاف ما يأمله عزيز رباح، وزير الطاقة والقيادي المعروف في العدالة والتنمية.
الخلاصة لا شيء حقيقيا يخسره المغرب
بغياب حزب العدالة والتنمية عن الحكم، ولا شيء يخسره العمل الإسلامي كذلك للأسف بعدم وجود العثماني وإخوانه في تلك المواقع القيادية في الدولة، وسيرحل العثماني وفريقه ولكن يبقى مسجلا في تاريخهم هذا التوقيع البائس.