صحافة دولية

NYT: خروج بريطانيا قوّى الاتحاد الأوروبي.. لكن الجميع خسر

يروج كاتب المقال إلى أن خروج بريطانيا سيفتح أفقا أمام سياسة جديدة للاتحاد كانت لندن تعرقلها- جيتي
يروج كاتب المقال إلى أن خروج بريطانيا سيفتح أفقا أمام سياسة جديدة للاتحاد كانت لندن تعرقلها- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز "مقالا للصحافي روجر كوهين، قال فيه إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيفتح المجال أمام انطلاقة وسياسة جديدة للاتحاد، من شأنها منحه قوة وحضورا جديدا رغم خسارة الجميع بطبيعة الحال من هذا الخروج.

 

ولفت كوهين في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إلى إن الكتلة الأوروبية ستشهد تحفيزا في بعض النواحي، كما أننا سنشهد تغلبا على بعض العقبات، وإعادة تشغيل المحرك الفرنسي الألماني للوحدة الوثيقة.

 

وقال فرانسوا ديلاتر، المسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية: "إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس خبرا جيدا لأي شخص، لكنه ساهم بلا شك في إعادة توحيد أوروبا، ما أظهر وحدتها طوال المفاوضات".


وأضاف: "لقد فعل الاتحاد الأوروبي بدافع من خروج بريطانيا مواجهة جائحة فيروس كورونا، ومواجهة عداء ترامب وهي أشياء لم يكن من الممكن تصورها في السابق بصورة أقرب للفيدرالية ولطالما عارضتها بريطانيا دائما".


وأشار المقال إلى أن خروج بريطانيا دفع ألمانيا إلى التخلي عن سياسة التقشف العنيد، حيث أصبحت فيدرالية الديون الأوروبية، التي كانت من المحرمات الطويلة بالنسبة للألمان، ممكنة، كما أنه يمكن للاتحاد الأوروبي الآن الاقتراض كما تفعل أي حكومة - وهي خطوة نحو المكانة السيادية ووسيلة لتمويل صندوق التعافي من الأوبئة البالغة ميزانيته 918 مليار دولار والذي كان من المحتمل أن يعرقله الوجود البريطاني.


وقال كارل كايزر، الرئيس السابق للمجلس الألماني للعلاقات الخارجية: "لقد جعل بريكزيت أنغيلا ميركل مستعدة للتخلي عن المواقف التي كانت مقدسة.. فلطالما كان هناك نقاش حول توسيع أو تعميق الاتحاد الأوروبي. حسنا، لقد تم تعميقه".


وجزء من هذه العملية كان إعادة التفكير في دور أوروبا. فيتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الآن كثيرا عن الحاجة إلى "الاستقلال الاستراتيجي".

 

ووفق المقال فإن في قلب هذه الفكرة يكمن الاقتناع بأنه في مواجهة روسيا والصين والولايات المتحدة التي أصبحت عدم موثوقيتها واضحة، يجب على أوروبا تطوير ذراعها العسكرية لدعم السياسات المستقلة.

 

اقرأ أيضا: هكذا غطّت صحف بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي


وقال ماكرون للمجلة الأسبوعية الفرنسية L’Express في كانون أول/ ديسمبر: "من كان سيقول قبل ثلاث سنوات إن أوروبا ستلتزم بهذه السرعة بإعادة إطلاق الميزانية من خلال الديون المشتركة، والاستقلال العسكري والتكنولوجي الاستراتيجي؟.. هذا ضروري، لأن مصير فرنسا يكمن في أوروبا ذات السيادة"، ملمحا إلى أوروبا المستقلة التي تعمل "إلى جانب أمريكا والصين"، وهو ترتيب له دلالته.

 

وقال كوهين إن الاتحاد وافق من خلال صندوق الدفاع الأوروبي الخاص به، في عام 2020 على استثمار أكثر من 10 مليارات دولار في تطوير المعدات العسكرية المتقدمة والتكنولوجيا وقدرة أكبر على الحركة، بشكل مشترك، وذلك لم يكن كثيرا، وأقل من المخطط له، ولكنه يكفي للإشارة إلى حالة عقلية أوروبية جديدة، فعندما تخطط فرنسا وألمانيا لصناعة طائرة اليورو المسيرة فإن شيئا ما قد حدث.


من شبه المؤكد أن هذا التغيير سيؤدي إلى توترات بين الاتحاد الأوروبي والإدارة القادمة للرئيس المنتخب جوزيف بايدن جونيور الذي كما قال أحد المسؤولين إنه يشكل "جزءا من الديكور الأوروبي الأمريكي".


بايدن، العضو المنتظم في مؤتمر ميونخ للأمن منذ عقود، هو من خلال تشكيله وخبرته رجل ذو رؤية تقليدية للتحالف: الولايات المتحدة تقود، والحلفاء ينتظمون في الصف. ولكن العالم قد تغير. لا يمكن ببساطة التخلص من تأثير سنوات ترامب، وأثر غياب أمريكا خلال الأزمة العالمية التي سببها الوباء.


بهذا الشأن قالت المحللة السياسية الفرنسية نيكول باشاران: "لا يمكنك أن تفقد الثقة إلا مرة واحدة.. فمتى ذهبت ذهبت. لقد تعلمنا أن الرئيس الأمريكي يمكنه فقط التراجع عن الأمور".


ولفت كوهين إلى أن رحيل ترامب يسعد معظم الحكومات الأوروبية، إنهم يعتقدون أن اللياقة الأمريكية قد عادت مع بايدن.

 

ومع ذلك، فهم لا يوازنون بالضرورة بين ارتياحهم وقضاء شهر عسل طويل، حتى لو كان الرئيس القادم وأنطوني بلينكين، مرشحه لمنصب وزير الخارجية، على دراية بتغير الزمن، وأن حل المشكلات الكبيرة يتطلب الأخذ والعطاء وهو ما تجنبه ترامب.


وفي ما يتعلق بسياسة الصين وإيران والصراع الإسرائيلي الفلسطيني وقضايا المناخ، فستكون أوروبا المحاصرة بتجربة الرئيس الأمريكي الذي احتقر الناتو ودلل روسيا أكثر حزما.

 

لقد تعاونت فرنسا وألمانيا بالفعل في ملف ضخم يغطي جميع القضايا الدولية الرئيسية وسلمته إلى المسؤولين في إدارة بايدن المستقبلية.


بطبيعة الحال، لم يتعاف الاتحاد الأوروبي المريض الذي أنتج خروج بريطانيا ولم يتوقف تصاعد القومية.

 

اتحاد يُنظر إليه على أنه بيروقراطي للغاية وغير ديمقراطي بما فيه الكفاية. لن تختفي الانقسامات التي ابتلي بها كيان مؤلف من 27 عضوا، مع 19 دولة تشترك في عملة لكن لا يتقاسم أي منها حكومة.


ومع ذلك، فقد اندفع الاتحاد الأوروبي نحو إحساس جديد بقيمته، ويبدو أن خروج دولة من الاتحاد الأوروبي لن يتكرر.

 

لقد رأت دول أوروبا عن كثب أن الطلاق هو دائما هزيمة والمفاوضات التي تكون نقطة نهايتها حواجز جديدة هي أيض كذلك أيضا.


كان قرار بريطانيا بالمغادرة جوهريا. فعل مستوحى من ماض خيالي ويرفعه مستقبل خيالي تغذيه وسائل التواصل الاجتماعي ويمكّنه تلافي الحقيقة.

 

لقد كان فشل حلم "الولايات المتحدة الأوروبية"، في القارة التي ماتت القوات البريطانية والأمريكية لتحريرها من النازيين، وهو ما تحدث عنه لأول مرة ونستون تشرشل في عام 1946. لقد فقد الجميع في أوروبا وبريطانيا شيئا ما. ولكن كما أشار جان مونيه، أحد الآباء المؤسسين لما تشكل الاتحاد الأوروبي: "من الأزمات أوروبا تصنع نفسها".

 

 

التعليقات (1)
محلل سياسي متواضع
السبت، 02-01-2021 12:55 م
غريب من الصحافي هذا التناقض إذ كيف تجتمع القوة مع الخسارة في نفس العملية ؟ هذا الطرح لا يتوافق مع البديهيات العقلية و العلمية . مثلاً ، لنفترض أن بلداً خسر 100 مليون دولار من صندوق مالي لا يمكننا القول أنه ازداد قوة في الحال و لا يمكننا أن نجزم بحصوله على قوة في المآل . اعتقد أن الانجليز -بذكائهم المعروف - وجدوا أن الاتحاد الاوروبي "فارغ من حيث الجوهر " و أنه مزيج غير متجانس ليس له أفق للصعود ، و بالتالي تركوه ل "نابليون فرنسا" الذي يتوقع أن يزيد "الاتحاد" ضعفاً بحماقات -مثل تشكيل جيش اوروبي موحد مع وجود الناتو - لا يقبلها العقلاء من ذوي التفكير الاستراتيجي.