هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعاد السجال الدائر بين قيادات حركة "النهضة" التونسية حول مستقبل التداول على المناصب القيادية في إدارة شأن الحركة استعدادا لمؤتمرهم 11، إلى الواجهة مسألة التناوب على المناصب القيادية لدى التنظيمات الإسلامية بشكل عام.
والحقيقة أن هذا السجال المثار في تونس هذه الأيام، ليس هو الأول من نوعه، لا في تونس ولا في باقي التنظيمات المحسوبة على تيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية والإسلامية.. لكن الجديد في هذا الملف أنه يأتي بعد نحو عقد من الزمن من اندلاع ثورات الربيع العربي، وانتقال الإسلام السياسي من المعارضة إلى الحكم، ومن السرية إلى العلن..
وعلى الرغم من أن عددا من الحركات الإسلامية تعاملت بسلاسة مع مطلب التداول السلمي على المناصب القيادية كما هو الحال في مصر والمغرب وموريتانيا وفلسطين مثلا، إلا أن هذا التداول لم يسلم من خدوش سياسية وأحيانا شخصية طبعت تاريخ الإسلام السياسي الحديث..
"عربي21"، تسأل: كيف تعاطى الإسلاميون مع مطلب التداول السلمي على المناصب القيادية في تنظيماتهم؟
الكاتب والإعلامي العراقي محمد صادق أمين يعرض لتجربة الإسلاميين في العراق وتعاطيهم مع مسألة التداول على المناصب القيادية..
الأزمة القيادية الأولى
لم يلتزم شباب الإخوان المسلمين في العراق بقرار مراقبهم العام الثاني، العلامة الدكتور عبدالكريم زيدان بحل الجماعة والاكتفاء بالعمل الفردي عام 1970، بل أعادوا العمل على فترات متباعدة بشكل سري، تطاردهم أجهزة مخابرات حزب البعث العربي الاشتراكي، وتوجه لهم ضربات متتابعة تنتهي بنشطائهم ما بين سجين ومحكوم بالإعدام، وكان آخرها عام 1987.
الشيخ زيدان الذي قاد التنظيم بقوة العالم الأصولي، لم يكن يرى بإلزامية الشورى في تسيير عمل الجماعة، ولا يرى نهاية لولاية المراقب العام المنتخب من قبل مجلس الشورى سوى بالموت، وبناء على ذلك اتخذ قراره بحل الجماعة عام 1970.
وبحسب الأستاذ هاشم الطائي عضو البرلمان السابق عن الحزب الإسلامي العراقي، والقيادي البارز في الجماعة خلال حقبة تسعينيات القرن الماضي، فإن زيدان لم يكتفِ بتجميد العمل؛ بل أصّل للمسألة وأعطى فتوى بحرمة العمل الجماعي.
ويشير الطائي إلى أن جميع محاولات إقناع الشيخ بإعطاء الإذن باستئناف العمل باءت بالفشل، بل إنه كان يوبخ كل من يتواصل معه بهذا الشأن، وبذلك استمر العمل سرياً بعد إعادة هيكلة التنظيم التي أعقبت محنة عام 1987.
وجود الشيخ زيدان على رأس العمل، شكل أزمة قيادية أولى في عمل إخوان العراق، فالرجل الذي معه الشرعية لا يعمل بالشورى؛ والتي يرجح العديد من المتابعين أنها كانت تميل حينها لاستئناف العمل مهما كانت التحديات، ولا يقبل بالتنازل عن المسؤولية باعتباره منتخباً مدى الحياة، وهو ما جعل العمل التنظيمي يمضي دون غطاء شرعي.
قيادة عمل التسعينات
بداية حقبة التسعينيات من القرن العشرين، كانت مرحلة تحول في طبيعة النظام السياسي العراقي إثر انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، وخروج العراق منهكاً مثقلاً بتبعات الحرب وعلى رأسها أزمة الديون.
هذه الأزمة قادت الرئيس العراقي صدام حسين إلى حماقة غزو الكويت، والتي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تقود تحالفاً من 30 دولة لإخراج بغداد من الكويت، بعد تدمير البنى التحتية للبلد باستخدام الآلة العسكرية الجبارة التي تمتلكها واشنطن.
تداعيات غزو الكويت، والذي أعقبه حصار اقتصادي خانق وظالم على الشعب العراقي، إلى جانب خروج انتفاضة شعبية عمّت أكثر محافظات العراق وضعت النظام على شفير السقوط، هذه العوامل شكلت دافعاً مهما في طريق تحول النظام من الخصام الدموي مع الإخوان، إلى الموادعة الناعمة التي تغض الطرف عن تحركهم الميداني الدعوي دون أن تسمح لهم بأي شكل من أشكال العمل المنظم.
ولم يفوّت العاملون في الميدان هذه الفرصة، ليعيد التنظيم تشكيل نفسه، ويذكر هاشم الطائي أن طبيعة عمل حقبة التسعينات لم تكن قائمة على شكل التنظيم الهرمي المتماسك المعروف في الأحزاب والجماعات بسبب الظرف الأمني، إذ كان يتشكل مناطقياً بحسب ظرف كل محافظة.
وتابع: محاور العمل في المحافظات رأت عام 1992 أن الظرف أصبح مواتياً لإعادة التشكيل الهرمي للتنظيم، فالتقت في العاصمة بغداد وبحثت آليات تتناسب مع الظرف السياسي والأمني لتشكيل هياكل العمل واختيار القيادات.
واستدرك الهاشمي: ولحل معضلة الشرعية التقت مجموعة من القيادات تضم إخوة الداخل والخارج في تركيا، وأوفدت إلى الشيخ عبدالكريم زيدان الذي كان حينها غادر العراق واستقر في الأردن، لإقناعه بإعطاء الإذن باستئناف العمل الحركي، إلا أنه أصر على موقفه الرافض لإعادة العمل والتخلي عن تصدره له.
وتحدث الطائي القيادي السابق في الجماعة عن أن الإخوان لم يجدوا وسيلة لإقناع زيدان بالتخلي عن موقعه سوى أن يوفدوا إليه شخصية توازيه في المكانة العلمية، فوقع الاختيار على القاضي الفقيه الشيخ فيصل مولوي رئيس الجماعة الإسلامية في لبنان، الذي نجح في إقناعه خلال جلسة واحدة، فتخلى زيدان عن موقعه لتنتهي حقبته وتبدأ حقة جديدة من العمل التنظيمي.
بعد تشكيل مجلس الشورى المركزي الذي يقود العمل في العراق عامة، تم اختيار الدكتور أسامة التكريتي مراقباً عاماً خلفاً للشيخ عبدالكريم زيدان، والذي كان مقيماً في بريطانيا حينها.
ولتسيير عمل الجماعة في الداخل اختير على رأس التنظيم الاستاذ حاتم أبا عدي بحسب الهاشمي، الذي استدرك بالإشارة إلى أنه تم اختيار قيادات العمل في المحافظات وفق آلية الانتخاب والتي اعتمدت على مبدأ التوافق بين نشطاء العمل المناطقي، مؤكداً أن عملية الاختيار كانت تتم بسلاسة ولم تشهد أي خلافات ذات أهمية يمكن أن تذكر.
الحزب السياسي والجماعة
استمر عمل الإخوان بذات الوتيرة في حقبة التسعينيات، وتمكن التنظيم من الانتشار والتوسع مستغلاً حالة غض الطرف لدى النظام، وموظفاً ما عرف بـ (الحملة الإيمانية) التي أطلقها صدام حسين، في توسيع مناشطه المختلفة، التي شملت العمل الشبابي والطلابي خصوصاً الجامعي، وليمتد نحو المساجد متولياً تربية النشء واليافعين من خلال الدورات القرآنية والتربوية المنتظمة، خصوصاً خلال فترة العطلة الصيفية.
هذا الانتشار؛ مهد لدور محوري للإخوان بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003، حيث أعادت الجماعة تأسيس الحزب الإسلامي العراقي الذي حله عبدالكريم قاسم عام 1960، ليكون ذراعها السياسي في العملية السياسية الجديدة، ولتصبح بذلك الجماعة بجانحين؛ الأول سياسي والثاني تربوي تنظيمي.
مجلس الشورى الذي أسس للعمل السري عام 1992، التأم من جديد عام 2003 في العاصمة بغداد، وانضم إليه آخرون لغرض توسيع دائرة الشورى، وتم مناقشة إمكانية العمل بشكل معلن، وبحسب الطائي حدثت خلافات بين قيادات المحاور حول إمكانية الظهور العلني، من حيث تقدير الموقف الأمني والسياسي للعراق والمنطقة.
وفي عام 2004 توصلت الجماعة إلى قرار نهائي بالعمل المعلن من خلال واجهة سياسية هي الحزب الإسلامي العراقي، فيما تبقى الجماعة متوارية في الظل وتستمر بعملها التربوي والدعوي.
ويذكر الهاشمي أن مجلس الشورى اختار الدكتور زياد الراوي مراقباً عاماً للجماعة، فيما أصبح الدكتور محسن عبدالحميد أميناً عاماً للحزب الإسلامي العراقي، الذي خاض غمار العملية السياسية مع باقي مكونات الشعب العراقي.
الكاتب والباحث العراقي فارس السنجاري، اعتبر عمل إخوان العراق في ظل النظام الجديد إيذاناً بدخول التنظيم في مرحلة جديدة، يختلف شكلاً ومضموناً وأسلوباً مع كل مراحل عملها منذ التأسيسي منتصف القرن الماضي.
وأضاف سنجاري: أهم معالم هذه المرحلة هو؛ وجود قاعدة جماهيرية واسعة كشفت أن مؤيدي الجماعة أكبر من حجم التنظيم السري بأضعاف مضاعفة، وهو ما انعكس في السمة الثانية المتمثلة بالمشاركة في العملية السياسية والمشاركة في الحكم.
وتابع الباحث المطلع على مجريات عمل الجماعة: أن هذا التحول جعل العمل القيادي يتحول من دائرة المغرم الذي يمتاز به العمل السري، إلى دائرة المغنم الذي يمتاز به العمل العلني؛ ليكون ذلك مدخلاً إلى سلسلة خلافات بين قيادة الجماعة والقيادة السياسية، انتهت بفصل الحزب الاسلامي وقادته بالجملة من الجماعة عام 2019، بالإضافة إلى مجموعة انشقاقات فردية وجماعية.
ونوه السنجاري إلى أن الخلافات لم تقتصر على هذا الجانب، بل تطورت لتصل إلى دائرة قيادة الحزب الإسلامي العراقي، فبعد أن اختار الحزب الدكتور محسن عبد الحميد أميناً عاماً له، شهدت إدارته خلافات بين أركان الحزب على خلفية طريقة تعاطيه مع وجود الاحتلال الأمريكي، المختلفون وجدوا أن الرجل يتعامل مع الأمر كمفكر واستاذ جامعي، في الوقت الذي يحتاج الأمر إلى من يتعامل مع الأمر سياسياً وبأسلوب فيه حزم، فوقع الاختيار على السياسي العراقي والضابط السابق في الجيش طارق الهاشمي ليخلف عبد الحميد في إدارة الحزب عام 2006.
واسترسل الباحث العراقي في حديثه، بالقول: إن الخلاف بين قيادة الجماعة والهاشمي الذي شغل منصب نائب رئيس الجمهورية العراقية، في طريقة التعاطي مع مستجدات الساحة السياسية دفعه إلى الاستقالة من الحزب عام 2009، وأسس "قائمة تجديد" بعد أن انحاز إليه عدد من قيادات الإخوان، ثم انضم إلى التحالف الذي يقوده السياسي العراقي إياد علاوي الذي خاص الانتخابات البرلمانية الثانية التي شهدها العراق بعد الغزو الأمريكي في آذار / مارس 2003 وفاز بها.
وبخروج الهاشمي من المشهد عاد نجم إياد السامرائي للسطوع من جديد في سماء العمل السياسي، وتمكن الحزب من تحقيق العديد من الإنجازات خلال هذه الفترة، أبرزها ترأس السامرائي مجلس النواب العراقي (البرلمان)، وفي هذه الفترة كان الخلاف بين الحزب والجماعة متجددا لكنه مستتر وراء الحُجب.
الفترة الممتدة ما بين عامي 2018 و2019 شهدت خلافات حادة بين قيادات الحزب الإسلامي، لأسباب عديدة يمتد جذور بعضها للخلاف مع قيادة الجماعة ونظرتها للأمور، وأهمها مسألة التعامل مع إيران، فبعض قيادات العمل رأت أن المصلحة السياسية تقتضي التوجه نحو التفاهم مع طهران كونها اللاعب الأول والأهم في المشهد العراقي، ويرى هذا الفريق أن الوقوف بالضد منها جلب على الحزب والسنة العرب ويلات ومصائب خلال العقد والنصف الماضي، وأن التفاهم مع طهران دون الإخلال بالثوابت سيوفر بيئة عمل مناسبة تحقق المصالح وتدفع المفاسد.
في المقابل يرى الفريق المعارض، أن هذا الاتجاه يعد خروجاً عن الثوابت الوطنية، حيث يعتبر السواد الأعظم من العرب السنة الوجود والتأثير الإيراني في بلادهم احتلالاً لا يختلف عن الاحتلال الأمريكي الذي أرغم على الخروج من العراق عام 2011 تحت وطأة ضربات المقاومة السنية.
الخلاف بين الطرفين انتهى بخروج قيادات بارزة من الحزب، مؤثرين الالتحاق بالجماعة الأم التي قررت فصل الحزب الإسلامي وجميع أعضائه المتبقين من الجماعة فصلاً نهائياً لا رجعة فيه.
وفي مؤتمره الدوري الذي عقده الحزب الإسلامي بتاريخ 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، اختير رشيد العزاوي الذي تتحدث تقارير إعلامية عن كونه يقود التيار الداعي للتفاهم مع إيران، أميناً عاما للحزب، وعمار يوسف نائباً سياسياً للأمين العام، وفارس يونس نائباً ادارياً.
إقرأ أيضا: أضواء على تبادل المواقع القيادية داخل إخوان العراق (1من2)