كتاب عربي 21

في ظل التغيرات الدولية والإقليمية: هل لا يزال التقريب بين المذاهب ضرورة؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
شكّل مشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية خلال القرن العشرين أحد أهم الأطروحات الفكرية والسياسية لمواجهة الانقسامات الإسلامية، وللتصدي لمشاريع الإحتلال والهيمنة الغربية وقيام الكيان الصهيوني، وللرد على كل التحديات التي واجهت المسلمين خلال القرن الماضي.

وبرزت خلال هذا القرن مؤسسات ومشاريع عديدة تولت رعاية التقريب بين المذاهب الإسلامية أو الوحدة الإسلامية، وأهمها مؤسسة التقريب في مصر والتي ضمت عشرات العلماء من مختلف الدول العربية والإسلامية، والتعاون بين الإخوان المسلمين والقيادات الإيرانية وخصوصا مع نواب صفوي، ولاحقا عبر تبني مشاريع دعم المقاومة الفلسطينية، وصولا للثورة الإسلامية في إيران وكل مؤسسات التقريب التي رعتها، ومؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها، وأخيرا مشروع الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين والاتحاد العالمي للمقاومة.

وقد تبنى هذا المشروع التقريبي والحواري مئات العلماء والمفكرين المسلمين، كما تبنته أحزاب وحركات إسلامية متنوعة دعت إلى دعم الوحدة الإسلامية ورفض الانقسامات المذهبية، والهدف الأساسي توحيد الأمة والتعاون فيما بينها لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية.
هل لا يزال مشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية هو الطريق الأفضل لمواجهة التحديات المستجدة، ولا سيما في ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم اليوم؟

لكن هل لا يزال مشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية هو الطريق الأفضل لمواجهة التحديات المستجدة، ولا سيما في ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم اليوم؟

مناسبة طرح هذا السؤال الهام اليوم، صدور كتاب جديد في بيروت للباحث اللبناني العميد الدكتور توفيق سليم بعنوان: "مدى الإسهام الشيعي اللبناني في التقريب بين المسلمين، من العام 1975 حتى العام 2015". وهذا الكتاب بالاساس دراسة جامعية أعدها الباحث لنيل شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الأوزاعي في بيروت، وهي من أرقى الجامعات الإسلامية التي اهتمت بالقضايا والتحديات التي تواجه العالم الإسلامي اليوم.

وفي هذه الدراسة الهامة يستعرض المؤلف مختلف الجهود الإسلامية من أجل التقريب بين المذاهب الإسلامية، ولا سيما دور علماء المسلمين الشيعة في لبنان في هذه الجهود المهمة. ويركز في الحديث على دور الإمام موسى الصدر، والإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والمرجع السيد محمد حسين فضل الله، والعلامة الشيخ محمد جواد مغنية، والعلامة السيد هاشم معروف الحسني، والعلامة السيد هاني فحص. كما يتعرض لدور كل من حركة أمل وحزب الله وتجمع العلماء المسلمين في عملية التقريب، وكل التطورات السياسية والفكرية والاجتماعية التي انعكست سلبا أو إيجابا على هذه العملية، وخصوصا التطورات السياسية التي حصلت في السنوات العشر الأخيرة في لبنان وسوريا والعراق ودول المنطقة.

وهذا الكتاب المهم يستكمل الجهد الفكري الذي قام به الباحث الألماني راينر برانر في كتابه بعنوان: "التقريب بين المذاهب الإسلامية في القرن العشرين.. الأزهر والتشيع محاولات وتحفظات"، وقد صدر في عدة طبعات في بيروت والقاهرة، وهو يستعرض مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلامية، إضافة لكتب ودراسات عديدة تناولت هذا الموضوع خلال السنوات العشر الأخيرة، والتي اعتبرت بمعظمها أن مسيرة التقريب الإسلامية تواجه اليوم تحديات عديدة سياسية وفكرية ومجتمعية.

والباحث الدكتور توفيق سليم يشير بوضوح إلى التحديات والعقبات التي تواجه مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلامية اليوم، ولا سيما في ظل الاتهامات والسجالات والصراعات بين القوى والحركات الإسلامية خلال السنوات العشر الأخيرة، وخصوصا بعد التطورات المؤلمة في سوريا والعراق ولبنان والبحرين، والصراع الحاد بين إيران والسعودية ودول عربية أخرى. ويركز الباحث على المعوقات الفكرية والسياسية أمام مسيرة التقريب اليوم.
مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلامية أو مسيرة الوحدة الإسلامية تواجه اليوم تحديات كبرى ومخاطر كبيرة. ولذا نحن نحتاج لرؤية جديدة حول العلاقة بين المسلمين جميعا، إضافة لمشكلات العلاقة بين كافة المكونات العرقية والدينية والمذهبية في العالم العربي والإسلامي


وما يمكن أن نستنتجه من هذا الكتاب ومن غيره من الدراسات والأبحاث الهامة؛ أن مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلامية أو مسيرة الوحدة الإسلامية تواجه اليوم تحديات كبرى ومخاطر كبيرة. ولذا نحن نحتاج لرؤية جديدة حول العلاقة بين المسلمين جميعا، إضافة لمشكلات العلاقة بين كافة المكونات العرقية والدينية والمذهبية في العالم العربي والإسلامي. ولا بد أيضا من إعادة تقييم كل هذه التجارب، ودراسة نتائجها ومعوقاتها والمخاطر والتحديات التي واجهتها وأدت إلى إعاقتها أو تراجعها.

وقد يكون الموضوع المركزي الذي يحتاج إلى بحث خاص اليوم من قبل المفكرين والعاملين في الساحة الإسلامية: هل لا زلنا بحاجة لعنوان التقريب بين المذاهب الإسلامية والوحدة الإسلامية؟ أم أننا بحاجة لعناوين جديدة للعمل والنضال اليوم، وأبرزها قيام دولة المواطنة الحقيقية وكيفية مواجهة التحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية، ولا سيما التطبيع مع العدو الصهيوني والعمل لتصفية القضية الفلسطينية، أو مواجهة الأزمات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، أو التطورات على صعيد النظام العالمي الجديد، أو الدعوات للتعاون والتكامل الإقليمي، أو غير ذلك من التحديات الجديدة؟

نحن إذن أمام متغيرات كبرى في العالم، وما جرى ويجري في الولايات المتحدة الأمريكية من أحداث هامة بسبب الصراع بين أنصار الرئيس دونالد ترامب والمؤسسات الأمريكية، كذلك التحالفات في آسيا ونمو دور الصين ودول أخرى، كل ذلك يتطلب من العرب والمسلمين إعادة النظر في أوضاعهم والبحث عن دورهم الجديد في العالم. ولا تمكن مقاربة التطورات من منظار مذهبي أو ديني أو قطري أو عرقي فقط، بل نحتاج لرؤية جديدة لأنفسنا وللعالم والكون، وعلى ضوء ذلك نحدد ما هو المشروع البديل المطلوب.

إن نقييم تجربة التقريب بين المذاهب الإسلامية مسألة مهمة وضرورية اليوم، ولكن الأهم أيضا البحث عن مشروع سياسي وفكري جديد يحمله العرب والمسلمون اليوم لمواجهة مختلف التحديات والمتغيرات، فهل هناك من يتصدى لذلك ويقدّم هذا المشروع المهم والضروري؟

 

twitter.com/KassirKassem

التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأربعاء، 13-01-2021 05:55 م
*** "التقريب بين المذاهب"، عبارة عامة مبهمة وغير محددة وذات معان متعددة، فعندما تصدر داخل أوساط المراجع الشيعية الدينية، فقد ينصرف المعنى إلى التقريب بين معتقدات أو فقه فرق الشيعة المختلفة، "وتقدر نسبتهم ب 15 % "، كزيدية اليمن، وإباضية عًمان وتونس، والإثنى عشرية بإيران والعراق وجنوب لبنان وما حولها، وقد يضم إليهم من والاهم ممن يسميهم اهل السنة بالفرق الباطنية لغموض وسرية عقائدهم، كنصيرية جبال العلويين حول اللاذقية بسوريا طائقة حافظ وابنه بشار الأسد، ودروز جبل لبنان وما جاوره، والاسماعيلية والبهرة بالهند وما حولها، وغيرها من الفرق الباطنية التي تحمل بعض المعتقدات المشابهة لما يعتقده الشيعة الإثنى عشرية والفرق الشيعية الأخرى، ودع جانباُ الفرق الشيعية المنقرضة كالفاطميون بشمال افريقيا ومصر، وكالقرامطة الذين نشطوا تاريخياً من البحرين وشرق الجزيرة، والتقريب بين المذاهب عندما يطرح بين علماء السنة، فينصرف المعنى إلى الدراسات المقارنة بين المذاهب الفقهية المعتمدة لأهل السنة كالحنبلية والحنفية والشافعية والمالكية، أما إن كان المقصود التقريب بين عقائد المتشيعة وأهل السنة، فلا أعلم أن أي من الفريقين قد غير من عقائده على مدى ما يزيد عن الف سنة، ولعل المعنى المقصود إن حسنت النوايا يكون بالتقريب بين أهل المذاهب أنفسهم، بمنع إشعال الحروب بينهم، كما هو الحال في عدوان الحرس الثوري الإيراني ومن ورائهم على أهل السنة بسوريا، ووقوف المرجع الشيعي الأكبر لشيعة لبنان نصر الله ومن معه، ومشاركتهم للمجرم بشار وعصبته في قتل وتدمير مدن أهل السنة بسوريا، فإن استطاع كاتب المقالة وهو إعلامي له صوت مسموع في الأوساط الشيعية اللبنانية، أن يدعوا طائفته لرد عدوانها على سنة سوريا، ووقف دعم الباطني بشار ومن يوالونه، فسعيه مشكور، والله أعلم.