قال موقع "
ذي
أتلانتك" إن جو
بايدن بدأ أول يوم كامل له كرئيس للولايات المتحدة، بقائمة
ثقيلة من تحديات السياسة الخارجية مثل أي من أسلافه تقريبا.
وأضاف الموقع في تقرير
ترجمته "عربي21" أنه بعد أربع سنوات من حكم دونالد
ترامب، يتعين على
الإدارة الجديدة التغلب على الشكوك حول قدرة أمريكا على التعامل مع الامتحانات
العظيمة التي تواجه العالم، بما في ذلك صعود
الصين كقوة عظمى في القرن الحادي
والعشرين، وانتشار الأسلحة النووية، والتغير المناخي الذي يتسبب به الإنسان. يمكن
إضافة مسألة جديدة إلى هذه القائمة: إصلاح التحالف عبر الأطلسي.
وفي الشهر الماضي، مع
اقتراب تنصيب بايدن في منصبه خلال أسابيع فقط، دفع الاتحاد الأوروبي والصين
بالاتفاق مبدئيا على اتفاقية
اقتصادية جديدة. لا تزال البنود الفعلية لاتفاقية
الاستثمار الصينية غير واضحة، ولكن الخطوط العريضة بسيطة بما يكفي لتشمل علاقة
تجارية أعمق تستند إلى معايير مشتركة وقابلة للتنفيذ على ما يبدو.
ووفقا للاتحاد الأوروبي،
تربط الاتفاقية بكين بـ"علاقة استثمار قائمة على القيم" جديدة من شأنها
حماية معايير العمل والبيئة، وتساعد على ترسيخ الصين في النظام العالمي القائم على
القواعد. هذه هي
أوروبا التي تؤدي الدور العالمي الذي وضعته لنفسها على أنها
"قوة تنظيمية عظمى"، تصدر وتدافع عن قيمها من خلال حجمها الاقتصادي.
ومع ذلك، فهذه ليست
الطريقة التي يُنظر بها إلى الاتفاقية في واشنطن. فقد مضت بروكسل قدما في الصفقة
على الرغم من المناشدة العلنية للإدارة القادمة للانتظار قليلا، يبدو أن أربع
سنوات من تقريع دونالد ترامب لأوروبا قد قست القلوب الأوروبية لصالح استعراض واضح
"للاستقلالية الاستراتيجية"، استقلالية ممّن قد تسأل؟ أمريكا هي الجواب
الوحيد.
وأشار الموقع إلى أن رفض
أوروبا الانتظار حتى انتقال السلطة بالأمس في واشنطن هو مؤشر على مدى تغير العالم
منذ أن كان بايدن في الحكم آخر مرة؛ فأوروبا اليوم ليست مستعدة
"للتشاور" مع أمريكا قبل التوقيع على اتفاقية بهذه الأهمية، كما طلب
مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، وهي ترفض الفكرة القائلة بضرورة ذلك. ويجادل
الاتحاد الأوروبي بأن مجرد دفاع أمريكا عن أوروبا لا يعني وجود نوع من عقيدة
بريجنيف للطاعة.
وباتت مشكلة بايدن في
أوروبا واضحة الآن، وهي أن القارة التي خاضت أمريكا حربين لتحريرها، ودفعت تكاليف
إعادة بنائها، وقضت 75 عاما في الحماية بتكلفة كبيرة وغير متساوية ومستمرة، هي
الآن تعقد صفقات من خلف ظهرها مع المنافس الاستراتيجي الرئيسي لها.
وتساءل الموقع: "هل
هذا فعلا حليف..؟ هكذا خلق حقد ترامب قصير النظر، والذي يصعب التنبؤ بتحركاته،
العالم الذي ادعى أنه موجود بالفعل، لكنه في الواقع لم يكن كذلك، عالم يتم فيه
استغلال أمريكا من قبل حلفاء ليسوا حلفاء في الواقع".
وقال إنه "يمكن
القول إن أوروبا لديها مشاكلها، لكنها لم تظهر أيا من الأعراض المرضية التي ظهرت
في مبنى الكابيتول هذا الشهر".
بينما من الواضح أن أمريكا
لديها مشاكل كبيرة يجب التغلب عليها، إلا أنه لا ينبغي أن تلقي بظلالها على بعض
التحديات المنهجية التي تواجه أوروبا، والتي قد تثبت في الوقت المناسب أنها أكثر
خطورة بكثير من تلك الموجودة في أمريكا.
أحد الجوانب البارزة
في الأسابيع القليلة الماضية هو تشويه سمعة الترامبية باستمرار كأيديولوجية
سياسية، ولكن دون تكلفة ثورة اقتصادية قد تؤدي إلى تآكل قوة أمريكا غير العادية،
على الأقل حتى الآن. أوروبا في نفس الوقت، حتى عندما اختارت بريطانيا، ثاني أكبر
اقتصاد لها، المغادرة، لم تواجه بعد لحظة أزمة، لأن تراجعها ليس واضحا جدا.
يشعر الدبلوماسيون
الأوروبيون بالقلق من أن القارة، بما في ذلك بريطانيا، ببساطة لا تمتلك القاعدة
الصناعية أو التكنولوجية للتنافس مع أمريكا أو الصين. ومن بين أفضل 50 شركة في
العالم من حيث القيمة السوقية، يوجد ثلاث فقط مقرها الرئيسي في الاتحاد الأوروبي،
وواحدة فقط من تلك الشركات تعمل في مجال التكنولوجيا.
على النقيض من ذلك،
يوجد في أمريكا 34 شركة، 10 منها تركز على التكنولوجيا. ومع مغادرة بريطانيا، أصبح
لدى الاتحاد الأوروبي جامعة واحدة فقط ضمن أفضل 50 جامعة في العالم، وقد فقد
الاتحاد لندن المركز المالي العالمي للقارة. حتى المحرك الاقتصادي للمنطقة،
ألمانيا، هناك علامات استفهام حولها: شركة سيارات تسلا، على سبيل المثال ، تساوي
قيمتها أكثر من جميع شركات تصنيع السيارات الرئيسية في ألمانيا مجتمعة.
علاوة على ذلك، على
الرغم من أن الاتحاد الأوروبي أظهر وحدة سياسية مثيرة للإعجاب بشأن خروج بريطانيا
من الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لا يزال اتحادا كونفدراليا ضعيفا سياسيا للدول التي
لديها اقتصادات ومصالح مختلفة بشكل كبير، تتميز بمستويات أعلى من عدم المساواة
الاقتصادية حتى من أمريكا، حيث يتخلف جنوب أوروبا الأفقر كثيرا عن دول الشمال
الغنية. كما يتعين عليها الآن التعامل مع منافس إقليمي مزعج في بريطانيا، والتي لا
يزال مستقبلها غير واضح.
وصف هنري كيسنجر ذات
مرة ألمانيا الموحدة حديثا بأنها "كبيرة جدا بالنسبة لأوروبا، ولكنها صغيرة
جدا بالنسبة للعالم". من بعض النواحي، وقد ينطبق الأمر نفسه الآن على الاتحاد
الأوروبي: إنه قوي وموحد بما يكفي ليتسبب بألم لزعيمه المشرف الإمبراطوري السابق،
ولكنه ليس قويا بما يكفي ليضرب بمفرده تماما.
ورأى الموقع أن هناك
نوعين من الحسابات الاستراتيجية التي يجب أن يأخذها بايدن في الاعتبار، وكلاهما
يمثل مشكلة. الأول أن القوة الدافعة وراء هذه الصفقة كانت ميركل. في الأساس، لا
تريد المستشارة الألمانية -وألمانيا بشكل عام- أن تنحاز إلى جانب في نزاع بين
أمريكا والصين،
والتحدي الثاني لبايدن
هو أن صفقة الاتحاد الأوروبي مع الصين تكشف عن تقبل ألمانيا للهوس الفرنسي
بالاستقلال الاستراتيجي عن أمريكا، ويتمثل الخطر الكامن في هذا في أنه سيصبح محققا
لذاته، ويمكن لأوروبا أن تحاول تحقيق الاستقلال الاقتصادي للتعامل مع الصين عبر
التحالف مع أمريكا لمواجهة التحدي الاستراتيجي المتمثل في الصعود الاقتصادي للصين.
وتعتبر أوروبا نفسها
واحدة من القوى الاقتصادية الثلاث الكبرى على وجه الأرض، ولكن هل تبالغ في لعب
ورقها؟ والملاحظ أنها استمرت في تعزيز التفاعل مع بكين حتى عندما يقول بعض
المؤيدين السابقين لسياسة التفاعل الأمريكية مع الصين الآن بأنها كانت خاطئة، وهي
محاولة استغلت من قبل بكين لبناء قوتها الخاصة التي لم تفعل الكثير لإضفاء الطابع
الغربي على سلوكها أو تحولها إلى الديمقراطية.
هدف بكين، كما كتب
هنري كيسنجر في كتابه عن الصين، ليس صداما قويا حاسما، ولكن "المراكمة
الصبورة للتميز النسبي"، فمن بين الصين وأمريكا وأوروبا يراكم بشكل واضح
التميز النسبي، ويعزز موقعه الاستراتيجي؟ كما يتساءل الموقع.
وشدد على أنه قد تتمنى
أوروبا ألا تضطر إلى الاختيار بين أمريكا والصين، لكنها قد لا تتمكن من تجنب ذلك. فقد
يكون من الأفضل لها أن تكون مع أمريكا المتقلبة من أن تلقى بمفردها في الاحتكار
القادم.
ولفت الموقع إلى أن
الخيار أمام بايدن سيكون أسهل، حيث ستشارك إدارته وتحاول إعادة بناء العلاقة عبر
الأطلسي، على المدى الطويل، وقد يتبين أن التحدي الأكبر ليس الاستقلال الأوروبي،
بل الضعف الأوروبي.