بعد حظر الحركة الإسلامية- الجناح الشمالي، في فلسطين المحتلة عام 1948، وملاحقة رئيسها الشيخ رائد صلاح بالاعتقالات المتوالية، وقبل ذلك إغلاق مؤسّساتها، وإبعاد قياداتها عن المسجد الأقصى، تجد اليوم قياداتها أنفسها، مستهدفة بالاغتيال برصاص مجهول، أو بغطاء من النزاعات العائلية الآخذة في تفكيك المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل.
فبعد محاولة اغتيال سليمان اغبارية، رئيس بلدية مدينة أم الفحم السابق، وأحد قيادات الحركة الإسلامية الذين تعرّضوا للاعتقال من الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة سابقاً، وقد استهدفته أخيراً ثلاث عشرة رصاصة أصابه أكثرها، يتمكن مجهولون من اغتيال محمد أبو نجم أحد قيادات الحركة الإسلامية في مدينة يافا.
لا انفصال بين استهداف الحركة الإسلامية- الجناح الشمالي، بالحظر والملاحقة والاعتقال والإنهاء المادي الممنهج لوجودها، وبين سعي الاحتلال إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتلّ
لا انفصال بين استهداف الحركة الإسلامية- الجناح الشمالي، بالحظر والملاحقة والاعتقال والإنهاء المادي الممنهج لوجودها، وبين سعي الاحتلال إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني في
الداخل المحتلّ، بتشجيع تجارة السلاح، وعصابات الجريمة، وإذكاء النزاعات العائلية، وامتناع شرطة الاحتلال عن إنهاء هذه المظاهر، المرتبطة عضويّاً بجهاز المخابرات الإسرائيلي (الشاباك). وكأيّ منظومة استخباراتيّة تفتقد المعايير الأخلاقية، يعتمد جهاز "الشاباك" الإسرائيلي على قفازات وسخة، لتنفيذ عملياته خارج إطار "القانون".
بما أن الفلسطينيين بعدّهم كتلة واحدة، لا يميّز "الشاباك" ولا المؤسسة السياسية الإسرائيلية بين الفلسطينيين على أساس أماكن وجودهم. بمعنى، لا يوجد تجمع فلسطيني داخل فلسطين الانتدابية أو خارجها، مستنثى من أدوات الاستهداف الإسرائيلي، فالفلسطيني من حيث هو خطر على الوجود الإسرائيلي، ولكن أدوات الاستهداف قد تختلف، بحسب أولويات الموقع ومستوى احتكاكه بالاحتلال وصدامه معه. وبقدر ما ينظر الاحتلال للفلسطينيين على أنهم خطر واحد، فإنّه يسعى للفصل بينهم، بتعزيز الفواصل الجغرافية والسياسية، وبخلق ظروف متباينة، إلا أنّ سياسات التفكيك والسلخ والإلهاء واحدة، وباتت تنتقل على نحو متصاعد من الداخل المحتلّ إلى القدس والضفّة الغربية.
يعتمد الاحتلال في أدوات التفكيك على تصريف فائض السلاح، في دولة تصنيع عسكري، إلى تجمعات الفلسطينيين، بعد ضمانه بعمليات ممنهجة سابقة وأخطاء سياسية فادحة اقترفها القادة الفلسطينيون، ألا يتحوّل السلاح إلى أداة مقاومة، فهو عبر وسطاء معلومين لـ"الشاباك"، يعملون في مساحات مراقبته وضبطه وهيمنته، ينتقل السلاح إلى عصابات الجريمة، والأطر العائلية، في تجمعات عربية معزولة عن التجمعات اليهودية.
يعتمد الاحتلال في أدوات التفكيك على تصريف فائض السلاح، في دولة تصنيع عسكري، إلى تجمعات الفلسطينيين، بعد ضمانه بعمليات ممنهجة سابقة وأخطاء سياسية فادحة اقترفها القادة الفلسطينيون، ألا يتحوّل السلاح إلى أداة مقاومة
تهدف عمليات التفكيك إلى تفتيت الوجود الفلسطيني، بتفتيت تماسكه، وتفريغه من المضمون السياسي. فالوجود المجرّد خطر على الاحتلال، وهو أكثر خطورة بفاعليته، وثمة علاقة جدلية متداخلة بين تفتيت الوجود وسحق فاعليته، ولهذه الغاية تستخدم أساليب الإفقار الاقتصادي، والخنق الديموغرافي والحضري، والتحييد السياسي، والإلهاء والسلخ، ونفي المعنى وإحلال العبثية.
سيكون للاختيارات السياسة الخاطئة، الآيلة إلى تحييد المجتمع وحصر نضاله عبر أطر نخبوية ضيقة أو في صور فلكلورية مخدّرة، وبما يزيد من ارتباطه بالمؤسسة الإسرائيلية، دور مهم في فتح البوابات على إمكانيات الفعل الإسرائيلي.
اختطت
الحركة الإسلامية- الجناح الشمالي، لنفسها طريقاً مختلفاً عن عموم الفعل السياسي للأحزاب العربية في الداخل المحتلّ، بخلق مجالات اشتغال خارج المسارات التي فرضتها المؤسسة الإسرائيلية، وبما يتناقض مع تلك المؤسسة، في فعل نضالي حقيقي مؤثر، ساهم أولاً في حشد الفلسطينيين في الداخل المحتلّ على قضية تتصل بالتحقّق الهوياتي، كقضية المسجد الأقصى، وثانياً في حماية المسجد وتسييجه وإعماره وتحويله إلى قضية تثوير في مقابل الإلهاء الإسرائيلي، وثالثاً في السعي لخلق مجتمع عصامي، قادر على الاستغناء، قدر الإمكان، عن المؤسسة الإسرائيلية، وهو ما يعني مواجهة سياسيات التفكيك التي تنتهجها "إسرائيل"، مما يجعل الحركة الإسلامية في عين العاصفة.
قد يكون العمل والتأثير من خارج المسارات التي يفرضها العدوّ، هو أكثر ما دفع الإسرائيلي لاستهداف الحركة الإسلامية، فالعمل خارج متاهات العدوّ والخصم فكرة لا تموت، حتّى لو تمكن العدوّ في سياق الصراع المفتوح من إحباط عمل معين، أو تفكيك جماعة معينة، إلا أن إشغال العدوّ بالعمل من خارج مساراته هو عملية استنزاف للعدوّ، وتأكيد مستمرّ على طبيعة الصراع، وتجديد دائم للحقائق، وتعبئة مثابرة للمجتمع.
twitter.com/sariorabi