هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "الإسلاميون والدولة الوطنية في تونس"
المؤلف: د. ياسين كرامتي
الناشر: مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان
الطبعة الأولى: 2020
عدد الصفحات: 159 صفحة
ما انفكت التساؤلات مطروحة في ما يخصّ علاقة الإسلاميين بالحكم والدولة، قبل الربيع الديمقراطي وبعده. تساؤلات تفرضها باستمرار ما أسماها علي الصالح مولى، في كتابه "إسلامويّات: مشروع قراءة نسقيّة لظاهرة الإسلام السياسي"، بالديناميكية الاجتماعية والفكرية التي تعتمل نشوء الظاهرة الإسلامية وتطوّرها.
وعلى أهميّة الديناميكية التي وسمت الظاهرة الإسلامية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، فإن قراءة متأنية لتجارب حكم تيارات الإسلام السياسي، على قلّتها، قد أبانت على فلجة كبيرة تتعلق بمدى مطابقة الخطاب الإسلامي للمنجز الحداثي، وفق كثيرين، إذ خلُص محمد الكوخي وإبراهيم أمهال، في دراستهما "الإسلام السياسي ومأزق الدولة الحديثة: بحث في الجذور الاجتماعية للإسلام السياسي وتحولات الخطاب - المغرب أنموذجًا" إلى أنّ نشوء"ظاهرة" الإسلام السياسي، بوصفها ردة فعل مباشرة على إخفاق التحديث الذي عرفته المجتمعات العربية الإسلامية في القرن العشرين، اقترن بتكريس لخطاب هوياتي ديني أكثر تشددًا ورفضًا للتحديث ومقاومة له.
في هذا الإطار يتنزّل كتاب "الإسلاميون والدّولة الوطنيّة في تونس"، لمؤلفه د. ياسين كرامتي، أستاذ محاضر في علم الاجتماع وباحث بمركز الدراسات الإسلامية بالقيروان وحاصل على دكتوراه في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والتاريخية من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بباريس، الذي يتقصّى ديناميكيات الخطاب الإسلامي منذ ثمانينيات القرن الماضي وأبرز رؤاه ومجالاته وأفكاره، من خلال الحفر عميقا في مخاض انتقال الخطاب الإسلامي في تونس من خطاب "الجماعة" إلى خطاب الشريك السياسي الفاعل في مجتمع الانتقال الديمقراطي ما بعد الرابع عشر من يناير 2011.
ويجتهد د. كرامتي في مؤلفه في البحث على أجوبة لسؤالين مركزيين مناطهما: مدى قدرة الإسلاميين على تطويع فكرة "الدولة الوطنيّة" إلى مستوى النموذج الذي وضعه بعض منظّريهم في ثمانينيات القرن الماضي وإلى أيّ مدى نجحت "الدولة الوطنيّة" مع بداية القرن الواحد والعشرين في إخضاع الإسلاميين لناموسها واستحقاقاتها بما قد يغيّر من ملامح مشروع بداياتهم الدعوية والفكرية؟
مقتضيات فهم البنيات المجتمعيّة
يطمح الكتاب، وفق تعريف مؤلفه د. ياسين كرامتي، إلى دراسة بعض أوجه الحداثة السياسية لتونس في علاقتها بالمرجعية الإسلامية، والغاية من ذلك هي محاولة فهم أنواع التمثّلات والممارسات والتفاعلات وأشكال التبادل التي تحصل عند مشاركة "الإسلاميين" مباشرة في تسيير مؤسسات الدّولة انطلاقا من صفتهم الحزبية المعترف بها قانونيا والمشاركة في انتخابات متعددة، وذلك بناء على دراسة عينة من النصوص المرتبطة بالخطاب الإسلامي السياسي في تونس في فترة الثمانينيّات من القرن العشرين من جهة أولى ومن خلال الملاحظة المباشرة والاعتماد على العمل الميداني في دراسة تجربة التسيير المعلن لدواليب الدولة بعد سنة 2011 واستمرارية المشاركة في ذلك بمقادير مختلفة لاحقا، من جهة ثانية.
يضع الكتاب الخطاب الإسلامي على محكّ التجربة العملية وعلى صراط "الدولة الوطنيّة" من خلال استفزاز الإسلاميين بالسؤال عمّا إذا كان الالتزام الديني للأفراد ووجود أدبيّات ونصوص وخطاب سياسي "جاهز" يضمن بالضرورة، ممارسة إداريّة أفضل وحوكمة رشيدة عندما تسنح الفرصة لذلك؟ هل لأنّ المسؤول الإداري والسياسي يبدو ملتزما أخلاقيا ودينيا فهذا لوحده كاف ومؤداه في النتيجة حتما النجاح في تسيير دواليب الدّولة؟ ماذا عن البنيات المجتمعيّة وماذا عن دورها في هذه العمليّة؟ وكيف نفهم المواطنة في هذه السياقات الجديدة؟
تحدّيات الخطاب الإسلامي ورهاناته في علاقته بالدولة الوطنيّة
يسعى الكتاب إلى مقاربة بعض تحدّيات الخطاب الإسلامي السياسي في تونس ورهاناته في علاقته بالدّولة الوطنيّة، وهو يهتمّ بالتعرّض إلى ما يشبه "البنيات الذهنيّة حول بعض عناصر تفكير فئات من التونسيين وسلوكهم بخصوص المرجعيّة الدّينية والدّولة الوطنيّة، وخاصّة علاقة التمفصل بين التصوّرات والممارسات".
من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أنّ الدراسة تقتصر على الإسلاميين الذين مرّوا من فرو الجماعة إلى خيمة الحزب وهم يتطلّعون صحبة شركائهم في الوطن إلى تحمّل أعباء الحكم وإن بتمثيليات حكومية وبرلمانية متفاوتة منذ انتخابات أكتوبر 2011.
كتاب "الإسلاميون والدّولة الوطنيّة في تونس" ينفرد بطرح مقاربة سوسيو أنثروبولوجيّة ويعمّق النظر بالخصوص في الخطاب الإسلامي السياسي في تونس في الزمن الحاضر والرّاهن. ويهدف الكتاب بالتالي إلى "دراسة الروابط بين الإسلاميين والدّولة الوطنيّة انطلاقا من من معطيات الواقع".
على تنوّع الكتابات التي تعرّضت إلى مسألة الحكم في الإسلام وعديد النّصوص التي حبّرت في ذلك، على وجه الخصوص كتاب "الأحكام السلطانيّة والولايات الدّينيّة" لأبي الحسن الماوردي وكتاب "السياسة الشرعيّة في إصلاح الرّاعي والرعيّة" لتقي الدّين ابن تيميّة وكذلك كتاب "سلوك المالك في تدبير الممالك" لشهاب الدّين أحمد بن محمّد بن أبي الرّبيع، فإن كتاب "الإسلاميون والدّولة الوطنيّة في تونس" ينفرد بطرح مقاربة سوسيو أنثروبولوجيّة ويعمّق النظر بالخصوص في الخطاب الإسلامي السياسي في تونس في الزمن الحاضر والرّاهن. ويهدف الكتاب بالتالي إلى "دراسة الروابط بين الإسلاميين والدّولة الوطنيّة انطلاقا من من معطيات الواقع".
يتساءل د. ياسين كرامتي عن مدى استحضار النصوص التي تعرّضت إلى مسألة الحكم في الإسلام وعناصر الخطاب الإسلامي في الممارسات المتعلقة بتسيير دواليب الدّولة وعلى مستوى التطبيق ومضمون تمثّلات "الإسلاميين" وبعض أنصارهم بخصوص بعض الممارسات والاختيارات والديناميكيات التي حفّت بذلك وانعكاساتها على "الإسلاميين" و"جماعتهم" و"حركتهم" و"حزبهم".
مردّ هذا التساؤل الذي يطرحه كرامتي هو يقينه بأنّ الاهتمام بدراسة طرق اشتغال الدّولة بشكل يومي واستراتيجيات الحوكمة والإصلاح التي يدعمها بعض الفاعلين السياسيين وغيرهم وتأثيرها وانعكاساتها عليهم لم تحظ بالدراسة الكافية وخاصّة فيما يتعلّق بتجربة "الإسلاميين"، خاصّة وأنّ الإطار العام لهذا البحث هو دراسة ما يسميه كرامتي بـ"الحداثة السياسيّة وعلاقتها بالمرجعيّة الإسلاميّة"، على وجه الدقّة تجربة "الجماعة الإسلاميّة"، التي تفرّعت عنها لاحقا تجربة "حركة الاتجاه الإسلامي" ثمّ حركة "النهضة".
بنية الكتاب
اهتم المؤلف في مرحلة أولى من الكتاب بدراسة عيّنة من النصوص تعرّضت إلى الخطاب الإسلامي السياسي، على وجه الخصوص نهاية سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، في تونس. وفي مرحلة ثانية قام باستعراض جزء من الممارسات والتطبيقات للبعض ممّن انتموا إلى التنظيمات التي ساهمت في إنتاج الخطاب الإسلامي وخصوصا تجربة حركة "النهضة" التي تصدّرت المشهد.
ومع الأخذ بالاعتبار المسافة التي عادة ما تفصل النصوص عن التطبيق، حاول الكاتب التعرّض إلى لحظتين منفصلتين: لحظة "الجماعة" واختلافاتها والحزب الذي منعت عنه تأشيرة العمل السياسي طوال فترتي بورقيبة وبن علي، وذلك انطلاقا من عينة من الكتابات والنصوص (التي كتبت حول الإسلاميين من طرف بعض الأكاديميين والباحثين والخصوم السياسيين من جهة أولى، وكذلك تلك التي حبرها بعض الإسلاميين في سياقات مختلفة للتعبير عن "مشروعهم"/"مشاريعهم" من جهة ثانية)، ولحظة الحزب الفائز في الانتخابات انطلاقا من التمثلات وعلاقتها بالممارسات..
في عدم اكتمال الخطاب السياسي الإسلامي
يشير د. ياسين كرامتي إلى أنّ دراسته لعيّنة من نصوص الحركة الإسلاميّة في تونس في ثمانينيات القرن الماضي أبانت بوضوح أن الخطاب الإسلامي يتميز في الغالب بعدم الاكتمال والوضوح اللازم في ما يخصّ تصوّراته لمشروع مجتمعي وثقافي وهو يستعمل في عمومه لغة بسيطة قريبة من "المخيال الاجتماعي" الشيء الذي ييسّر استيعابها وتقبلها وانتشارها.
يتساءل د. كرامتي: هل كان يكفي حسم بعض المسائل الخلافيّة العقائدية والدّعوة إلى مقاومة الانحلال والفساد والأخلاقي واكتساب "قاعدة" ظرفيّة يحرّكها الولاء العاطفي للحديث عن مشروع مجتمعي وثقافي؟ هل يمكن الحديث عن مشروع مجتمعي وثقافي في ظلّ غياب نظرة تقييمية وموضوعيّة للتحوّلات التي يشهدها المجتمع التونسي ومن ورائه المجتمعات العربية والإسلاميّة؟ هل أنّ المشروع المجتمعي والثقافي اختيارات تتفاعل مع واقع متحرّك ومتغير باستمرار أم استعادة لنموذج تتضارب تمثلاته في أذهان العديد ممن يلتزمون بالإسلام سياسيا؟
يخلص د. كرامتي إلى أن تيبولوجيا الخطاب الاسلامي السياسي من خلال عينة النصوص التي نشرت في بداية تسعينيات القرن الماضي وقبلها تبرز اختلافا واضحا بين خطاب "الإسلاميين التقدّميين" وخطاب "حركة النهضة"، لا سيما في ما يوليه الإسلاميون التقدّميون من أولوية للمجال الثقافي عموما، وفي ما توليه حركة النهضة من أولوية للمجالين السياسي والاجتماعي.
ويذهب كرامتي إلى أن الخطاب الإسلامي السياسي في تونس بتلك المضامين لم يكن يتوفر على مشروع مجتمعي وثقافي يتميز بالوضوح اللازم والاكتمال وهو أمر كان يدعو لا محالة إلى طرح التساؤل حول مستقبل هذا الخطاب عند تولي تسيير دواليب الدولة...
كما يؤكد كرامتي على أنّه فيما يتعلق باللحظة التاريخية الثانية أي بعد حوالي 20 سنة وانطلاقا من فوز حركة النهضة بانتخابات المجلس التأسيسي فقد شهد المشهد على الغالب تعثرا في بناء الواقع الجديد لتونس وتحديد رؤية جديدة للعلاقات بين الأطراف الاجتماعية المختلفة من خلال "الكلمات" ونماذج السلوك التي تطرح كيف يجب على المجموعات المختلفة أن تفكر وأن تتصرف من خلال مخزون الذاكرة الوطنية التي هي جزء من الذاكرة الجماعية،وكذلك المواطنة في سياقاتها الجديدة...