هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تنشر "عربي21" في قسم "فلسطين الأرض والهوية"، توثيقا أسبوعيا لفلسطين كما تبدو فكرة ومفهوما في أذهان المثقفين والسياسيين والنشطاء الحقوقيين في العالم؛ على اعتبار أن هذه الكتابات هي جزء من وثائق التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر.
اليوم ننشر رأي السياسي المصري عبد الغفار شكر في القضية الفلسطينية.
على مدى النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين، شغل عبد الغفار شكر منصب أمين التثقيف في منظمة الشباب في مصر، ثم تولى رئاسة اللجنة الفنية للتثقيف في الاتحاد الاشتراكي. وحين تأسس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، سنة 1976، غدا شكر عضوا في أمانته العامة، مسؤولا عن التثقيف، إضافة إلى شغله موقع نائب رئيس مركز البحوث العربية والإفريقية بالقاهرة.
في كانون الثاني (يناير) 2008، تم الإجماع عليه أمينا عاما للجبهة العربية المشاركة للمقاومة الفلسطينية، عندما تأسست في القاهرة، كانون الثاني (يناير) 2008، وظل في موقعه هذه لمدة سنتين، وفي العام 2011 ترأس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، حتى أواخر العام 2014، والآن يشغل منصب نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان المصري. وله عدة مؤلفات في مسائل التنظيم، والتثقيف، وضرورة وحدة القوى التقدمية.
الكاتب والباحث الفلسطيني أحمد الدبش، التقى عبد الغفار شكر، وسأله في حوار خاص بـ "عربي21" عن علاقته بالقضية الفلسطينية.
تعود علاقة عبد الغفار شكر بالقضية الفلسطينية إلى مرحلة الشباب، يقول: "استغرق الأمر سنوات عديدة للتعرف على قضية فلسطين وتكوين موقف من هذه القضية، فقد بدأ تعرفي عليها وأنا في الثانية عشر من عمري، عندما ضبط شابان صهيونيان في إحدى دور السينما ومعهما عبوة ناسفة اشتعلت في جيب بنطال أحدهما، وباستجوابهما تبين أنهما شابان ينتميان إلى شبكة تجسس إسرائيلية مكلفة بإشاعة الذعر في المجتمع المصري، وقدما للمحاكمة وحكم عليهما بالسجن".
وأضاف: "كان ذلك بعد منتصف الأربعينيات، حيث ورد اسم فلسطين بالنسبة لي لأول مرة، وفهمت أن هذه المنظمة وغيرها من المنظمات ذات الطبيعة الصهيونية تتحرك لتهجير اليهود إلى فلسطين.. وازدادت معرفتي تدريجيا بهذه القضية وفهمت مما حصلته من معلومات أن يهود العالم ينقسمون إلى مجموعتين؛ إحداهما تعمل من أجل إنشاء دولة لليهود في فلسطين وهي المجموعة المسماة بالصهيونية، أما المجموعة الأخرى فهي مقتنعة بوضعها كمواطنين في الدول التي يقيمون بها، وأنهم يتمتعون في هذه الدول بحقوق المواطنة وليس هناك ما يدفعهم إلى مغادرة بلادهم للإقامة في فلسطين، التي لا تربطهم بها أي صلة".
وتابع شكر: "كانت مصر في هذا الوقت تموج بالاحتجاجات السياسية والاجتماعية سواء الطلابية أو العمالية أو حركات المثقفين، وكان هناك كثير من مظاهر الاضطراب الاجتماعي والاحتجاجات السياسية، وعمت البلاد موجات متتالية من الإضرابات والمظاهرات، اشتركت فيها كل فئات الشعب بلغت ذروتها عام 1948 عندما شارك قطاع من ضباط البوليس في هذه المظاهرات".
وأشار شكر إلى أن ذلك كان سببا في تحويل الملك فاروق اهتمام المصريين إلى الخطر الصهيوني، وقال: "شعر الملك فاروق بخطورة الوضع، وأراد أن يجذب انتباه المصريين إلى عامل خارجي، فأعلن الحرب على العصابات الصهيونية في فلسطين، بعد أن أعلنت الحركة الصهيونية قيام دولة إسرائيل في 15 أيار (مايو) 1948، واعترفت الأمم المتحدة بها تنفيذا لوعد بلفورد وزير خارجية بريطانيا الذي صدر سنة 1917، الذي ينص على أن حكومة بريطانيا تنظر بعين العطف والرعاية إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، على أن يكون مفهوما أن ذلك لا يمس الحقوق المكتسبة لأبناء الديانات الأخرى".
وحول علاقته بهذه التطورات، قال شكر: "تابعت مع المصريين جميعا ما يجري في فلسطين من معارك بين القوات المصرية وباقي الدول العربية وبين المنظمات الصهيونية، التي بدأت في إشاعة الرعب بين الفلسطينيين، وترتب عن ذلك هجرة عدد كبير منهم خارج قراهم، ونجحت المنظمات الصهيونية في تركيز وجود اللاجئين اليهود الذين جلبوهم من شتى بقاع الأرض للإقامة في المناطق التي يوجد بها اليهود بكثرة، والتي يطل معظمها على ساحل البحر الأبيض المتوسط؛ مثل عكا وحيفا ويافا وتل أبيب".
وتابع: "توالت المعارك الضارية بين الجيوش العربية التي شاركت القتال، وحظي الصهاينة بمساعدة الدول الغربية، وخاصة أمريكا وبريطانيا وفرنسا الذين قدموا مساعدات للعصابات الصهيونية، مكنتها من هزيمة الجيوش العربية التي اضطرت إلى الانسحاب لبلادها، وتمكنت هذه العصابات من السيطرة على الأراضي التي يوجد بها الإسرائيليون، وبدأت مقومات دولة إسرائيل تترسخ وتكتسب مزيدا من القدرات على تأمين وجودها والتصدي لأي محاولات عربية للقضاء عليها. وشاع في هذا الوقت أن جمال عبد الناصر الذي كان يقاتل في فلسطين في منطقة الفالوجة، قال لجنوده؛ إننا مطالبون بتحرير بلادنا من الاستعمار الإنجليزي، حتى نتمكن من القضاء على الوجود الصهيوني في فلسطين".
وأضاف: "هكذا بدأت علاقتي ومعرفتي بالقضية الفلسطينية، معلومات متفرقة تتناسب مع إدراك طفل صغير.. وبمضي الأيام ازدادت معارفي بالقضية واتسع نطاقها باعتبارها قضية شعب شقيق، وقع ضحية لحركة عدوانية غاصبة لأراضي شعب آخر، يساعدها في ذلك قوى دولية تفرض سيطرتها على كثير من البلدان النامية، التي تسعى شعوبها للتخلص من هذه السيطرة".
وأكد شكر أن "هذه كانت بداية الوعي بقضية فلسطين التي استقرت في وجداننا باعتبارها قضية شعب طرد من أرضه، وتحول معظمه إلى لاجئين يقيمون في البلاد العربية المجاورة؛ مثل الأردن ولبنان وسوريا ومصر".
وأضاف: "هكذا تبلور موقف عالمي يساند الفلسطينيين في استعادة أرضهم والحصول على حقوقهم الشرعية والتاريخية في وطنهم، وتبنت الدول العربية قضيتهم من خلال جامعة الدول العربية والعمل العربي المشترك، ومساندة الدول الاشتراكية بدرجة محدودة في مواجهة الدول الاستعمارية، وما قدمته لإسرائيل من مساعدات ضخمة مكنتها تدريجيا من أن تكون أقوى من الدول العربية مجتمعة، ونجحت في امتلاك القنبلة الذرية التي مكنتها من تهديد الدول العربية، وضمان حماية أمنها بامتلاكها هذا السلاح الرادع، وقدرتها على الحيلولة دون امتلاك أي دولة عربية لهذا السلاح، وضربها المفاعل النووي العراقي الذي كان على وشك امتلاك هذا السلاح".
وحول تشكل الوعي الفلسطيني المقاوم، قال شكر: "في هذا السياق، تبلورت رؤية فلسطينية أن الشعب الفلسطيني هو المسؤول عن تحرير أرضه، وتشكلت العديد من المنظمات الفلسطينية لهذا الغرض؛ مثل فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحماس والجهاد، وتزايد الوعي أن هذا التعدد في المنظمات لن يحقق الهدف من قيامها، فتشكلت منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع لهذه المنظمات، في وحدة وطنية تعبئ كل قواها من أجل استعادة حقوقها الوطنية المشروعة، ومازال الشعب الفلسطيني يواصل نضاله من أجل استكمال وحدته واكتساب القدرة على استعادة حقوقه المشروعة".
وأنهى شكر اعترافاته لـ "عربي21" بالقول: "هذه قصتي مع قضية فلسطين التي تحولت بمضي الزمن من معلومات متناثرة لدى طفل مصري، إلى قضية تحرر وطني لشعب عربي مازال في حاجة إلى استكمال وحدته الوطنية، ليتمكن من استعادة حقوقه التاريخية".