هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يتم تحويل حماس تدريجياً من "حركة مقاومة" الى "حزب حاكم" أو ربما "حزب معارض"، يتنافس من أجل الوصول الى الحكم في سلطة تقع تحت سيطرة الاحتلال بالكامل. والانتخابات العامة المقرر أن تجري خلال العام الحالي ليست سوى جزء من هذا المشروع، وتصب في هذا الاتجاه، حالها في ذلك حال انتخابات العام 2006 التي تورطت بها حماس، مع الاقرار بأن الانتخابات المقبلة ستكون ذات أثر أسوأ بكثير من السابقة.
ثمة مشروع غربي اسرائيلي لتدجين حركة حماس وتحويلها الى حزب سياسي منزوع الدسم ومتماهي مع مشروع "سلطة الحكم الذاتي"، ويبدو أن قادة حماس لم يفهموا هذا المشروع حتى الان ولم يدركوا كيف يتم تحويل مسار الحركة منذ أكثر من 15 عاماً، والدليل أنهم وافقوا مجدداً على تجريب ما جربوه سابقاً، وهو المشاركة في الانتخابات، أي أنهم يريدون تكرار الخطأ ذاته الذي أنتج انقساماً داخلياً عميقاً وغير مسبوق من قبل في التاريخ الفلسطيني.
في العام 2006 تم استدراج حركة حماس نحو الانتخابات للمشاركة في السلطة التي كانت حتى ذلك الحين لا تعترف بها، وإذا بحماس أصبحت بشكل مفاجئ جزءاً من هذه السلطة، وهي سلطة حكم ذاتي تسيطر عليها اسرائيل، وتقوم بـ"ترييح الاحتلال"، أي أنها تقوم بتخفيف الأعباء عن المحتل، إذ إن الاحتلال ملزم بتقديم الخدمات الأساسية والرعاية الانسانية للمدنيين بموجب اتفاقات جنيف الأربعة وبموجب مواثيق القانون الدولي.. ومنذ جاءت السلطة أصبحت تتولى تقديم هذه الخدمات التي تشكل عبئاً على الاحتلال.
بعد انتخابات 2006 دخلت حماس الى السلطة وأصبحت تتقاسم هذا العبء مع السلطة في رام الله، وأصبح لدى الفلسطينيين سلطتان تتسولان المساعدات من أجل دفع الرواتب والانفاق على الخدمات العامة التي كان الأصل أن يتولاها الاحتلال بنفسه بموجب القانون الدولي.. لا بل إن الأنكى من ذلك والأسوأ أن اسرائيل التي كان ينبغي أن تمول احتلالها للضفة وغزة أصبحت تتقاضى رسوما وضرائب على هذا الاحتلال، حيث تقوم بمصادرة جزء من الأموال الواردة من الدول المانحة أو أموال المساعدات التي تصل للفلسطينيين!! وهكذا تحول الاحتلال من عبء على اسرائيل الى استثمار مربح ومفيد لها!!
المهم أن عملية استدراج حماس تسير بخطى ثابتة ومعلنة منذ 15 عاماً لتحويلها الى حزب سياسي منزوع الدسم وينشغل بالصراع مع حركة فتح لا مع الاحتلال، وإليكم خطوات الاستدراج:
- في العام 2004 اغتالت اسرائيل كلاً من الشيخ أحمد ياسين والرئيس ياسر عرفات، وهما القواسم المشتركة العليا للشعب الفلسطيني، إذ أنهما شخصيات اعتبارية قادرة على تسوية أي خلاف بين الفلسطينيين وتم تغييبها عمداً تمهيداً لإحداث انقسام داخلي عميق يُضعف الموقف الفلسطيني، خاصة بعد رفض عرفات التوقيع في "كامب ديفيد" في صيف العام 2000.
- في العام 2006 تم استدراج حركة حماس الى الانتخابات حتى تتحول الى جزء من سلطة تحت الاحتلال تمولها الدول المانحة وتعمل بآلية "التنسيق الأمني". ونتج عن الانتخابات انقسام عام، وحصار في غزة، و15 عاماً عجاف تصب في مصلحة الاحتلال الذي يقوم بتغيير الواقع على الأرض بينما لا جديد عند الفلسطينيين.
- في 31 يناير 2009 أجرت صحيفة "التايمز" البريطانية مقابلة حصرية مع مبعوث "الرباعية الدولية" ورئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، قال فيها بوضوح إنه "لا يمكن التوصل الى تسوية للصراع في الشرق الأوسط دون أن تكون حماس جزءاً منها"، وقال بلير بوضوح "إن سياسة عزل غزة لن تنجح وإن إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وحدها غير ممكن" (أنظر: صورة المقابلة أدناه).. كان بلير يومها مبعوثاً للرباعية، وكان يتحدث بعد أيام قليلة من انتهاء الحرب الاسرائيلية الأولى على غزة والتي فشلت في إسقاط حماس.
- في 2 مارس 2009، أي بعد شهر واحد من تلك المقابلة زار بلير غزة لأول مرة في حياته، ورآى المدينة التي صمدت أمام أكبر قوة في المنطقة.
- في 17 مارس 2009، أي بعد أقل من أسبوعين على الزيارة، أعلنت الولايات المتحدة أنها تريد من بلير القيام بدور أكبر في عملية السلام.
- في شهر أغسطس 2015 انفردت جريدة "التايمز" البريطانية مرة أخرى بتقرير مفاجئ، كشفت فيه عن لقاءات سرية أجراها بلير مع قيادة حركة حماس، وقالت إن لقائين على الأقل جمعا رئيس المكتب السياسي خالد مشعل مع بلير (أنظر الصورة أدناه). لم تعلن منذ ذلك الحين لا حماس ولا بلير ما الذي دار في تلك اللقاءات. لكن ثمة أمر مهم هنا، وهو أن نائب الرئيس الأمريكي في تلك الفترة كان جو بايدن.
- في 1 مايو 2017 أعلنت حركة حماس عن "الوثيقة السياسية" التي تتكون من 42 بنداً وتتضمن -لأول مرة- قبولاً بفكرة إقامة دولة على الأراضي المحتلة عام 1967، أي أنها تقبل بحل الدولتين، وتقبل ضمناً بحل سياسي على هذا الأساس.
- في يناير 2021، أي بعد شهرين فقط على وصول بايدن للرئاسة تم استدراج حماس مرة أخرى الى انتخابات. أصدر الرئيس الفلسطيني مراسيمه لإجراء الانتخابات، ووافقت حماس على الانتخابات في نفس يوم الاعلان عنها.
كل المؤشرات التي أمامنا تدل على أنه يتم استدراج حركة حماس من أجل المشاركة في العملية السياسية، وحتى إذا لم تشارك في التسوية بشكل مباشر فمطلوب منها أن تشارك في الانتخابات وأن تكون ممثلة في مؤسسات السلطة، وبعد ذلك سيكون لدى من يفاوض أو يتوصل الى تسوية الشرعية الكافية التي يحتاجها.
وعلى أقل تقدير فان المؤكد هو أن بايدن وإدارته ومعه الاتحاد الأوروبي و"الرباعية" يعتقدون بأن حماس يجب جرها نحو المشاركة في السلطة والعملية السياسية، والجديد هذه المرة أنه سيتم إشراكها في منظمة التحرير عبر بوابة المجلس الوطني الفلسطيني، وهو ما يعني ضمناً أنها ستعترف باسرائيل (كون المنظمة اعترفت رسمياً باسرائيل في العام 1993)، وفي سبيل ذلك تقوم دول عربية أيضاً بالضغط على حماس وتقديم الضمانات لإرضائها ومسايستها لتنفيذ المطلوب دولياً.