هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفيين، كيث برادشير وآمي تشين، قالا فيه إن صدى الأذان لا يزال يتردد في أزقة الحي الإسلامي في "سانيا"، الذي يبلغ عمره حوالي 1000 عام، حيث ترتفع المآذن التي يعلوها الهلال فوق أسطح المنازل.
كانت حملة الحكومة على المجتمع الصغير المتدين للغاية في هذه المدينة الواقعة جنوب الصين خفية.
وغُطيت اللافتات الموجودة على المتاجر والمنازل التي كُتب عليها "الله أكبر" بالعربية بملصقات عريضة تروج لـ"حلم الصين"، وهو شعار وطني رسمي.
وتمت إزالة كلمة "حلال" من لافتات المطاعم وقوائمها. وأغلقت السلطات مدرستين إسلاميتين وحاولت مرتين منع الطالبات من ارتداء الحجاب.
اقرأ أيضا: تقرير يكشف تعرض مسلمات من الإيغور للاغتصاب بمعسكرات صينية
ويعد الأوتسول، وهي مجموعة عرقية لا يزيد عدد سكانها عن 10000 مسلم في سانيا، من بين أحدث المجتمعات التي ظهرت كأهداف لحملة الحزب الشيوعي الصيني ضد الأديان والنفوذ الأجنبي.
وتُظهر معاناتهم كيف تعمل بكين على محو الهوية الدينية حتى لأصغر الأقليات المسلمة، في محاولة لثقافة صينية واحدة مع الأغلبية العرقية من إثنية الهان في جوهرها.
والقيود الجديدة في سانيا، مدينة في جزيرة هاينان السياحية، تمثل انعكاسا في سياسة الحكومة.
فحتى سنوات عدة، كان المسؤولون يدعمون هوية الأوتسول الإسلامية، وعلاقاتهم بالدول الإسلامية، بحسب الزعامات الدينية المحلية وسكان تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، لتجنب انتقام الحكومة.
وقال الحزب إن القيود التي يفرضها على الإسلام والمجتمعات الإسلامية تهدف إلى كبح التطرف الديني العنيف.
واستخدمت هذا المنطق لتبرير حملة قمع ضد المسلمين في إقليم سنجان أقصى غرب الصين، في أعقاب سلسلة من الهجمات قبل سبع سنوات. لكن سانيا شهدت القليل من الاضطرابات.
قال ما هايون، الأستاذ المساعد في جامعة فروستبيرج في ولاية ماريلاند الذي يدرس الإسلام في الصين، إن تشديد السيطرة على الأوتسول "يكشف الوجه الحقيقي للحملة الشيوعية الصينية ضد المجتمعات المحلية.. هذا يتعلق بمحاولة تعزيز سيطرة الدولة. إنه عداء بحت للإسلام".
نفت الحكومة الصينية مرارا أنها تعارض الإسلام. لكن تحت قيادة شي جين بينغ، الأمين العام للحزب، هدم الحزب المساجد والأضرحة القديمة والقباب والمآذن الإسلامية في شمال غرب ووسط الصين.
وركزت حملتها القمعية بشدة على الإيغور، وهم أقلية مسلمة من آسيا الوسطى يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة في سنجان، وكثير منهم محتجزون في معسكرات اعتقال جماعية وأجبروا على نبذ الإسلام.
وتسارعت جهود "إضفاء الطابع الصيني على الإسلام" في عام 2018 بعد أن أصدر مجلس الدولة توجيها سريا يأمر المسؤولين بمنع العقيدة من التدخل في الحياة العلمانية ووظائف الدولة. وحذر التوجيه من "التعريب" وتأثير السعودية أو "السعودة" في المساجد والمدارس.
في سانيا، يلاحق الحزب مجموعة لها مكانة مهمة في علاقات الصين مع العالم الإسلامي. فقد استضاف الأوتسول مسلمين من جميع أنحاء البلاد بحثا عن المناخ المعتدل لمقاطعة هاينان، وقد عملوا كجسر للمجتمعات المسلمة في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط.
وكانت الحكومة تفتخر بهوية أوتسول الإسلامية لسنوات، حيث سعت الصين من أجل روابط أقوى مع العالم العربي.
ومثل هذه الروابط كانت أساسية لمبادرة الحزام والطريق التي أطلقها شي، وهو برنامج لتمويل مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء العالم، وزيادة النفوذ السياسي لبكين في هذه العملية.
وقال بيان حكومي في عام 2017، يشيد بدور الإسلام في هاينان في خطة الحزام والطريق، إن الأوتسول أصبحوا "قاعدة مهمة للمسلمين الذين انتقلوا إلى الخارج للعثور على جذورهم والتحقيق في أسلافهم.. لقد استقبلوا حتى الآن آلاف العلماء والأصدقاء من أكثر من اثنتي عشرة دولة ومنطقة، ويشكلون نافذة مهمة للتبادلات الثقافية بين الشعوب حول بحر الصين الجنوبي".
على الرغم من تصنيفهم رسميا على أنهم جزء من أكبر أقلية عرقية في الصين، أقلية الهوي، فإن الأوتسول يعتبرون أنفسهم مختلفين ثقافيا عن المجتمعات المسلمة الأخرى في البلاد.
إنهم مسلمون سنة، يُعتقد أنهم ينحدرون من عرق تشام، صيادو الأسماك لمسافات طويلة والتجار البحريون من مملكة تشامبا، التي حكمت لقرون على طول سواحل فيتنام الوسطى والجنوبية. ابتداء من القرن العاشر، فر لاجئو تشام من الحرب في ما يُعرف الآن بوسط فيتنام وسافروا إلى هاينان، وهي جزيرة استوائية بحجم ميريلاند.
وعلى مر القرون، حافظ الأوتسول على روابط قوية مع جنوب شرق آسيا واستمروا في ممارسة الإسلام دون قيود إلى حد كبير. لكن خلال الثورة الثقافية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، دمرت فرق متنقلة من الحرس الأحمر الموالي لماو تسي تونغ المساجد في قرى أوتسول، كما فعلت في جميع أنحاء الصين.
ومع انفتاح الصين على العالم في أوائل الثمانينيات، بدأ الأوتسول في إحياء تقاليدهم الإسلامية.
وأعادت العديد من العائلات التواصل مع أقارب فقدوا منذ فترة طويلة في ماليزيا وإندونيسيا، بما في ذلك رئيس الوزراء الماليزي السابق، عبد الله أحمد بدوي، الذي كان جده لأمه من الأوتسول ونشأ في سانيا.
وحتى يومنا هذا، يتحدث العديد من الأوتسول لغة مميزة مماثلة لتلك التي لا تزال تستخدم في أجزاء من فيتنام وكمبوديا، بالإضافة إلى اللغة الصينية.
اقرأ أيضا: امرأة من الإيغور تروي كيف نجت من معسكر صيني: أرواحنا ماتت
ولا يزال مرق السمك بالتمر الهندي الممزوج بنكهات جنوب شرق آسيا هو التخصص المحلي، ويتناقل كبار السن قصص هجرة أجدادهم إلى هاينان.
وترتدي النساء أوشحة ملونة، أحيانا تكون مطرزة أو مزينة بالخرز، تغطي شعرهن وآذانهن ورقبتهن، وهو أسلوب مشابه لأغطية الرأس التي ترتديها النساء المسلمات في ماليزيا وإندونيسيا.
وقال يوسف ليو، الكاتب الماليزي الصيني الذي درس مجتمع الأوتسول، إن المجموعة تمكنت من الحفاظ على هوية مميزة لأنهم كانوا معزولين جغرافيا لعدة قرون، وتمسكوا بمعتقداتهم الدينية. وأشار إلى أن الأوتسول كانوا متشابهين في نواح كثيرة مع الملايو.
وقال ليو: "إنهما يشتركان في العديد من الخصائص نفسها، بما في ذلك اللغة واللباس والتاريخ ورابطة الدم والطعام".
ومع ازدهار اقتصاد السياحة في سانيا على مدى العقدين الماضيين، نمت أيضا علاقات أوتسول مع الشرق الأوسط.
وسافر الشباب إلى السعودية للدراسات الإسلامية. وأنشأ قادة المجتمع مدارس للأطفال والكبار لدراسة اللغة العربية.
وبدأوا في بناء القباب والمآذن لمساجدهم، مبتعدين عن الطراز المعماري الصيني التقليدي.
وعلى الرغم من وجود بعض الاشتباكات بين الأوتسول وجيرانهم الهان في العقود الماضية، إلا أنهم عاشوا في الغالب في سلام، حيث استفادت المجموعتان من الارتفاع الأخير في السياحة.
في المقابل، حاولت بكين منذ فترة طويلة قمع مقاومة الإيغور للحكم الصيني، التي كانت في بعض الأحيان عنيفة.
وقال الحزب إن سياساته في سنجان حدت مما وصفه بـ"الإرهاب والتطرف الديني".
لكن في العامين الماضيين، حتى في سانيا، ضغطت السلطات للحد من التعبير العلني عن الإيمان والروابط بالعالم العربي.
وقال مسؤولو المساجد المحليون، إنه طُلب منهم إزالة مكبرات الصوت التي تبث الأذان من أعلى المآذن ووضعها على الأرض - ومؤخرا، بخفض مستوى الصوت أيضا.
وتوقف بناء مسجد جديد بسبب الخلاف حول أبعاده المهيبة، وعناصر معمارية "عربية". وهيكله الخرساني الآن يجمع الغبار.
وقال السكان إن المدينة منعت الأطفال دون سن 18 عاما من دراسة اللغة العربية.
وقالوا وهم من الأوتسول، إنهم يريدون تعلم اللغة العربية ليس فقط لفهم النصوص الإسلامية بشكل أفضل، ولكن أيضا للتواصل مع السياح العرب الذين كانوا، قبل الوباء، يأتون إلى مطاعمهم وفنادقهم ومساجدهم.
وأعرب بعض السكان عن إحباطهم من القيود الجديدة، قائلين إنهم يشككون في تعهد الصين باحترام 56 مجموعة عرقية معترف بها رسميا.
وقال زعيم ديني محلي درس لمدة خمس سنوات في السعودية إنه تم إخبار المجتمع بأنه لم يعد مسموحا لهم ببناء القباب.
وقال متحدثا شريطة عدم الكشف عن هويته، لأن بعض السكان احتجزوا لفترة وجيزة لانتقادهم الحكومة: "المساجد في الشرق الأوسط على هذا النحو، ونريد بناء مساجدنا على هذا النحو بحيث تبدو مثل المساجد وليس مجرد منازل".
وقالت الصحيفة: إنه "في مؤشر على حساسية الموضوع، استجوبنا ستة من رجال الشرطة في ثياب مدنية في سانيا بشأن تقاريرنا حول المساجد".
والمجتمع قاوم في بعض الأحيان. ففي أيلول/ سبتمبر احتج أولياء الأمور والطلاب في جامعة أوتسول خارج المدارس والمكاتب الحكومية، بعد أن منعت مدارس عامة عدة الفتيات من ارتداء الحجاب في الفصل. بعد أسابيع، عكست السلطات الأمر، في تنازل نادر أمام الضغط العام.
ومع ذلك، ترى الحكومة أن استيعاب الأقليات العرقية المختلفة في الصين هو المفتاح لبناء دولة أقوى.
وقال شيونغ كونشين، أستاذ الدراسات العرقية في جامعة مينزو في بكين: "نحتاج إلى استخدام الاختلافات العرقية كأساس نبني عليه وعيا صينيا موحدا.. هذا هو اتجاه التنمية المستقبلية للصين".
وختمت الصحيفة بالقول: "في الوقت الحالي، يعيش الأوتسول تعايشا مضطربا مع السلطات. ووسط فناء مسجد نانكاي، يرفرف علم صيني أحمر على نفس ارتفاع قمم المآذن تقريبا".