هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أزمة كبيرة تواجه ملايين المصريين فجرها قانون جديد حول تسجيل الأراضي والعقارات الذي تبعه فرض الكثير من الرسوم والمبالغ المالية لجهات عديدة بينها الشهر العقاري ونقابة المحامين والمحاكم".
الغضب الشعبي من القانون وما أحدثه من ضجة استدعى ظهور وزير العدل عمر مروان، عبر فضائية "صدى البلد" مع الإعلامي أحمد موسى للحديث عن القضية رغم إصابة الوزير بفيروس كورونا.
ويتطلب القانون دفع رسوم إلى 5 جهات حكومية، لإتمام تسجيل الوحدات السكنية والأراضي، ما بين رسوم التسجيل بالشهر العقاري 2.5 بالمئة، ورسم نقابة المحامين واحد بالمئة، ورسم ضريبة تصرفات، ورسم المساحة، ورسم دعوى صحة ونفاذ، ورسم الأمانة القضائية، ودمغة محاماة، وأتعاب المحامي.
إجراءات التسجيل بالشهر العقاري ستصبح إجبارية في 6 آذار/ مارس 2021، وهو التاريخ الذي لن يعتد فيه بإجراءات صحة التوقيع السابقة أو العقود الابتدائية، ولن تقل رسوم طلب تسجيل الوحدات العقارية (من أراض أو عقارات)، عن الـ500 جنيه ولن تزيد على الـ2000 جنيه حسب مساحة الوحدة.
ولأن تسجيل العقد يتطلب تصديق نقابة المحامين فقد قرر القانون دفع نسبة 1 بالمئة من قيمة العقد للنقابة، بالإضافة إلى ضريبة التصرفات العقارية التي تبلغ 2.5 بالمئة من قيمة العقد.
ويضاف للرسوم السابقة رسم التحديد المساحي (نحو 200 جنيه لشقة مساحتها 100 متر مربعة فقط)، بجانب رسم هندسي للوحدة من مكتب هندسي معتمد أو هيئة المساحة، (لا يقل عن الـ1000 جنيه)".
وبانتهاء عمل تلك الرسومات ودفع تلك الرسوم يتم رفع دعوى بالمحكمة عن طريق محام، ما يتطلب دفع رسوم للدعوى، بجانب ضرائب ودمغات حكومية، مع أتعاب المحامي، بمتوسط 5000 جنيه، حسب قيمة العقد.
المرحلة التالية يتوجه صاحب طلب التوثيق للشهر العقاري لدفع ما يسمى بالأمانة القضائية تحت حساب إشهار الحكم، بدفع 75 بالمئة منها والباقي عند تسجيل الحكم.
"تداعيات القانون"
الخبير الاقتصادي المصري أحمد ذكر الله، قال لـ"عربي21"، إنه "قبل الحديث عن التداعيات الاقتصادية لقانون الشهر العقاري، فأعتقد أنه لن ينفذ القانون مثل قانون التصالح على البناء، لأن الأمر يشوبه كثير من التعقيد على المستوى المالي والإداري والبيروقراطي بجانب جباية الأموال؛ ما يصعّب تنفيذه".
وأكد أن "من قدم هذا القانون عديم الرؤية والتوجه وهدفه الجباية، لا لصالح الموازنة العامة للدولة ولكن لصالح نقابة المحامين والمجلس الأعلى للقضاء وغيرهما، وكلها أقرب للمصالح الشخصية وليست للعامة".
وفي نقطة ثانية تصعّب تنفيذ القانون أشار ذكر الله، إلى "الجزاءات المترتبة على عدم تسجيل العقارات"، لافتا إلى أن "الأمر سيكون إجباريا على العقارات الجديدة دون القديمة التي تفتقد المصالحة مع الوحدات المحلية وكلها مبان مخالفة، ما يدعم رؤيتي بعدم إمكانية تنفيذ هذا القانون عليها".
ويرى أن التداعيات الاقتصادية لهذا القانون كبيرة، مبينا أنه "لو تم التنفيذ فسيتم جمع مبالغ كبيرة من المصريين ماكينة الاستهلاك التي تعاني في المجتمع، ورأينا انهيار أسعار الحاصلات الزراعية نتيجة لتراجع الطلب نتيجة لنقص الدخول".
وتابع الخبير الاقتصادي: "وبالتالي فإن امتصاص قوة شرائية لا يستهان بها عن طريق الأدوات المستحدثة التي تستخدمها الدولة للجباية وبينها هذا القانون يؤدي إلى مزيد من الضغط على الاستهلاك ووقوع مزيد من المواطنين تحت خط الفقر".
ولفت ثانيا إلى أن "جزءا كبيرا من تنشيط الاقتصاد الوطني هو ما يطلق عليه صادرات العقارات بمعنى أن الدول المنافسة لنا تبيع من العقارات للأجانب مئات آلاف الوحدات سنويا، ولا يمكن أن يحدث هذا في ظل التضخم البيروقراطي غير الطبيعي وغير المنطقي ولا المعقول ولا المسؤول".
وجزم بأن هذا "يفقدنا إمكانية تصدير عقاراتنا للخارج، وبالتالي شحن الاستهلاك المحلي خاصة أن القطاع العقاري يسحب أكثر من 85 صناعة خلفه".
وألمح إلى التأثير المباشر من القانون على القطاع العقاري، موضحا أن "العقارات الجديدة يبنيها القطاع الخاص بعيدا عن المجمعات التي تبنيها هيئة المجتمعات العمرانية، وستحتاج الشقة بمساحة 100 متر مربعة وبقيمة 200 ألف جنيه إلى 25 إلى 30 ألف جنيه للتسجيل".
واعتبر أن هذا "يشكل نسبة كبيرة غير معقولة من ثمن الشقة، كما أنه لا توجد شقة بهذا المبلغ من الأساس خاصة في ظل تجارة الدولة في الأراضي، وبالتالي فإن هذا القانون يؤثر سلبا على قطاع العقارات الذي يعاني ويتضرر من السياسات التي تمارسها الدولة".
وحول تأثير القرار على أسعار العقارات فيعتقد أنها إلى "مزيد من الركود نتيجة أن هذا عبء جديد يتحمله سعر العقار بصورة غير مباشرة، والمواطن لكي يدخل المرافق مضطرا للتسجيل بالشهر العقاري، وبالتالي تُحسب تكاليف التسجيل على قيمة العقار".
وأكد أنه "طبقا لقانون العرض والطلب، فإنه عندما ترتفع الأسعار تنخفض الكمية، وبالتالي فإن هناك مزيدا من الركود لهذا القطاع المهم الذي يجر وراءه العشرات من الصناعات".
وعن الحصيلة المتوقعة من وراء هذه التعديلات القانونية، أكد ذكرالله، أنه "لا توجد دراسات بمصر، ومن يبني هذه القوانين غير متخصصين بالقانون والاقتصاد، ويتوهمون بأن الخزينة ستحصل على مئات المليارات، بنفس منطق قانون التصالح الذي أجج مشاعر المصريين".
"أبعد من الجباية"
وحول أبعاد ذلك القانون، قال الخبير الاقتصادي المصري عبدالنبي عبدالمطلب، في حديثه لـ"عربي21"، إن "قانون التسجيل العقاري الجديد لا يستهدف الجباية فقط، بل أعتقد أن هدفه أكبر من ذلك".
وربط بين القانون وقانون المصالحات على مخالفات البناء الذي أثار الجدل في 2020، وأوضح أن "الدولة بعدما أصدرت قانون التصالح بمخالفات البناء أصدرت قانون الشهر العقاري للوحدات السكنية".
وبين أنه وفقا لذلك فـإنه "لن يتمكن أي عقار مخالف من الحصول على المرافق"، معتقدا أن "هذا سيدفع كافة العقارات إلى سداد قيمة ما عليها من مخالفات وفق قانون التصالح بمخالفات البناء حتى تحصل على المرافق".
ويرى الخبير الاقتصادي، أن لهذا القانون ميزة وهي أنه "سوف يقضي على جزء كبير من الفساد في وحدات الإدارة المحلية"، مشيرا إلى أنه "في نفس الوقت سيرهق عددا كبيرا من المواطنين الذين دفعوا كل مدخراتهم في الحصول على المسكن".
وحول إمكانية أن تتراجع الحكومة أمام حالة الغضب الشعبي من القانون، يعتقد عبدالمطلب، أنه "ربما يكون هناك توجيهات بتطبيقه على العقارات الجديدة وغض الطرف جزئيا على المساكن القديمة".
"مخالفة قانونية"
وفي رؤية قانونية، أشار المحامي والنائب البرلماني السابق ممدوح إسماعيل، إلى وجود "مشكلة قانونية كبيرة بالقانون حيث سبق لمحكمة النقض أن اعترفت بالحقوق المترتبة على العقد الابتدائي وصحة التوقيع".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أنه "سيبقى للمحكمة الدستورية الفصل في هذا النزاع؛ لكن مع تبعية القضاء للسيسي يبقى الأمل ضعيفا في نجدة المصريين من جباية التسجيل للشهر العقاري".
ويعتقد إسماعيل، أن "السيسي فرض قانون التسجيل بالشهر العقاري جباية وإتاوة على المصريين، وبخلاف الرسوم والضرائب وأتعاب المحامي فإنه لن يقل ما يدفعه صاحب أصغر شقة (مائة متر مربعة) عن 30 ألف جنيه".
ووصف القانون بأنه "جزية فرضت على المصريين، وعبء كبير عليهم في ظل حالة الركود الاقتصادي، والتراجع الكبير في الأيدي العاملة بالخارج، وعدم وجود استثمارات، ما يكشف عن حالة إفلاس خفية للاقتصاد المصري".
ويعتقد أن "القروض لم تعد تكفي لسد الخلل الرهيب بالاقتصاد وتغطية الفشل في تنمية الموارد؛ فلجأ السيسي لفرض الجزية خاصة في ظل النفقات الكبيرة على القصور الرئاسية، وتكاليف الأمن الرهيبة التي تقطع من خزينة الدولة، والإسراف في العاصمة الإدارية".
"غضب مصري"
خبراء بالقانون وسياسيون ومراقبون أبدوا غضبهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من القانون خاصة أن نحو 90 بالمئة من عقارات وأراضي المصريين غير مسجلة من الأساس وجميعها عبر عقود ابتدائية ما جعلهم يصفون القانون وبنوده بأنها جبايات ومسميات ظالمة.
مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الدكتور سعد الزنط، قال إن القانون "مساهمة مقيتة وساذجة ومكشوفة في مولد مشروع الجباية الكبير الذي تمارسه الحكومة بجهل، وقد تركت الدولة أمر إعداده لمن يفتقدون الوعي بأولويات متطلبات الأمن القومي"، مؤكدا أن "القانون أمسى أكثر تعقيدا وأكبر تكلفة".
وتابع عبر صفحته على "فيسبوك": "يُخطئ من يحسب أنه يُرضي الرئيس أو يخدم على أهدافه"، مضيفا أن "الخرق اتسع على الراقع يا سادة فإن كنتم تمتلكون أمانة التغيير والقدرة عليه فلتطهروا الثياب أولا وتنقوا قوانينكم ولوائحكم وتُعيدوا تأهيل عناصركم البشرية واستفيدوا من تجارب الآخرين السهلة"، مؤكدا أن "الغضب يتراكم.. ".
وقال مساعد رئيس تحرير "الأهرام" الأسبق أسامة الألفي، إن "تكلفة تسجيل شقة عقدها 100 ألف جنيه حسب قرار الحكومة قد تصل إلى قرابة الـ15 ألف جنيه على الأقل، ما بين رسوم تسجيل 2.5 بالمئة من قيمة العقار، وأتعاب المحامي والتي ستتراوح ما بين 6 و10 آلاف جنيه، ورسوم نقابة المحامين، والمساحة، والرسم الهندسي، ودعوى صحة ونفاذ".
وعبر "فيسبوك"، أكد أنها "أفكار شيطانية ينفذها مدبولي، ومعيط، ويخجل الشيطان نفسه من تنفيذها"، متسائلا: "أين أنتم يا نواب الشعب؟ هل نترحم على أيام مبارك؟".
وتحت عنوان "حكومة الجباية وحلب الشعب"، كتب الناشط صلاح حسنين: "النظم السياسية أوجدت الحكومات لتيسير الحياة للمواطنين وتذليل الصعوبات أمامهم وتوفير الخدمات بأسعار في متناولهم ويقدرون عليها والسيطرة على الأسواق وأسعار السلع الحياتية الأساسية ولم توجد الحكومات لتعكنن على الناس وتبيع لهم الخدمات بمبالغ ترهقهم وتحقيق مكاسب عالية".