سياسة دولية

آفي شلايم يستعرض تاريخ العنصرية البريطانية ضد فلسطين (2)

الفلسطينيون طالبوا بريطانيا مرارا بالاعتذار لهم بسبب الاستعمار ودورها في تكريس الاحتلال- جيتي
الفلسطينيون طالبوا بريطانيا مرارا بالاعتذار لهم بسبب الاستعمار ودورها في تكريس الاحتلال- جيتي

تستكمل "عربي21"، نشر أجزاء مقال "آفي شلايم"، الأستاذ الفخري للعلاقات الدولية بجامعة أكسفورد، ومؤلف كتاب "الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي"، الذي تناول فيه "الاستعمار البريطاني ومعاداة السامية والحقوق الفلسطينية".

وكتب شلايم مقاله في موقع "ميدل إيست آي"، وتنشره "عربي21"، على ثلاثة أجزاء، تتناول اهتمامه بالمنظور البريطاني الحالي والسابق للقضية الفلسطينية والدور الذي تلعبه المملكة المتحدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والانحياز للاحتلال وسعيها لإفشال إقامة دولة فلسطينية، متحدثا عن عنصرية بريطانية ضد الفلسطينيين. 

وفي ما يأتي النص الكامل للجزء الثاني من ترجمة "عربي21":

ازدواجية المعايير


ليست إسرائيل ضحية لازدواجية المعايير. بل على العكس تماماً. إنها هي المستفيد من ازدواجية المعايير التي يمارسها الغرب. فوفقاً للأمثلة التي أوردها تعريف معاداة السامية الذي يتبناه التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست (المحرقة النازية)، فإن من معاداة السامية مطالبة إسرائيل بسلوك "لا يتوقع أو يطلب من أي دولة ديمقراطية أخرى". ولكن ذلك لا علاقة له البتة بالعنصرية الموجهة ضد اليهود. 

على أية حال، فإن إسرائيل ليست دولة ديمقراطية. فحتى ضمن حدودها الأصلية إنما هي ديمقراطية معطوبة في أحسن الأحوال، وذلك بسبب التمييز الذي تمارسه على مستويات متعددة ضد المواطنين الفلسطينيين. أما داخل المساحة الإجمالية التي تخضع لحكمها، بما في ذلك المناطق الفلسطينية المحتلة، فإسرائيل عبارة عن نظام إثنوقراطي، أي منظومة سياسية تهيمن داخلها مجموعة إثنية (عرقية) واحدة على مجموعة إثنية أخرى. 

إن الوضع المتفوق والأعلى نفوذاً لليهود في إسرائيل منصوص عليه في قانون الدولة القومية لعام 2018، والذي يعتبر بمثابة الإثبات الرسمي على أن إسرائيل دولة أبارتهايد (فصل عنصري). وينص القانون على أن حق تقرير المصير الوطني في إسرائيل "يقتصر على الشعب اليهودي دون غيره". كما أنه ينص على أن العبرية هي اللغة الرسمية، بينما هو يحط من قدر اللغة العربية إلى ما يعتبره "وضعاً خاصاً" على الرغم من أنها اللغة التي يتحدث بها على نطاق واسع المواطنون العرب في إسرائيل. 

إن إسرائيل هي العضو الوحيد في الأمم المتحدة التي يُنص في قانونها على مشروعية التمييز العنصري. ولذلك فإنه ليس من معاداة السامية، وإنما من الحق والصواب، أن يُتوقع من إسرائيل أن تتصرف كدولة ديمقراطية من خلال منح جميع مواطنيها حقوقا متساوية.

يطالب أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة وفي أوروبا بأن يمنح التعريف وضعاً دولياً لا يستحقه، فما فتئوا يدفعون بكل قوة نحو تبني التعريف من قبل أكبر عدد ممكن من الحكومات، وذلك لأنه سيصبح بالإمكان حينذاك استخدامه لترهيب منتقدي إسرائيل ومناصري فلسطين من النشطاء عبر تلطيخ سمعتهم واتهامهم بمعاداة السامية. 

في بريطانيا، سارت المستويات العليا داخل حزب المحافظين على خطا لوبي إسرائيل، حتى بدا كما لو أن وثيقة التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست داخل حزب المحافظين ككل قد اكتسبت وضع الكتاب المقدس. 

عواقب خلافية


ما لبث حزب العمال، وبتكلفة مرتفعة، أن اكتشف العواقب المدمرة والخلافية التي نجمت عن تبني هذه الوثيقة. فقد تم في البداية تضمين قواعد السلوك في الحزب خمسة من الأمثلة الواردة في وثيقة التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست حرفياً، ثم أضيف إليها مثالان آخران مع بعض التعديلات الطفيفة. 

لم يرض بذلك أصدقاء إسرائيل، لا داخل الحزب ولا خارجه، وظل الحزب يتعرض للتنمر من قبل حركة العمال اليهودية، ومجلس مندوبي اليهود البريطانيين، وأمانة أمن المجتمع، والحملة ضد معاداة السامية لكي يتبنى جميع الأمثلة الواردة في التعريف حرفياً دون تعديل. وزعم هؤلاء زوراً وبهتاناً أن عدم تبني جميع الأمثلة كما هي دون تبديل أو تعديل يرقى إلى رفض التعريف. 

استسلمت اللجنة التنفيذية الوطنية لحزب العمال وتخلت عن تعديلاتها للمثالين المتبقيين. ومن المفارقات العجيبة أن عدداً كبيراً من أعضاء الحزب الذين جمدت عضويتهم أو طردوا بعد اتهامهم بارتكاب جريمة معاداة السامية كانوا هم أنفسهم يهوداً. فمنذ عام 2016، خضع العديد من أعضاء حزب العمال اليهود للتحقيق، وكانت التحقيقات معهم كلها تقريباً ذات علاقة بمزاعم معاداة السامية، الأمر الذي يفند ادعاء كير ستارمر، الذي خلف جيرمي كوربين في زعامة الحزب، بأنه حول حزب العمال إلى مكان أفضل وأكثر أمناً لليهود. ويذكر أن سلفه جيرمي كوربين كان قد اتهم من قبل أنصار إسرائيل بمعاداة السامية.  

تحت المنظومة الجديدة، غدا حزب العمال منقاداً بخنوع للتعريف المتخلف. حاول أحد الفروع المحلية لحزب العمال مؤخراً التقدم بمبادرة لتبني التقرير الأخير لمنظمة بيتسيلم حول الأبارتهايد الإسرائيلي، وجاء في نص المبادرة: "يدعم هذا الفرع دعوة بيتسيلم إلى إنهاء نظام الأبارتهايد وضمان حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والمساواة لجميع الناس، الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، الذين يعيشون على رقعة الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط".

إلا أنه تم اعتبار المبادرة خارجة عن النظام من قبل المستوى الوطني للحزب على اعتبار أنها، وبموجب التعريف العملي لوثيقة التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست، فسوف تفسر بأنها محاولة لتصنيف إسرائيل "مشروعاً عنصرياً". 

خطير سياسيا


ضمن مسارعته لتلميع مؤهلاته ككيان مؤيد للصهيونية، انقض حزب العمال على بعض من أكثر أعضائه اليهود تقدمية، فقد طُرد موشيه ماشوفر، البريطاني الإسرائيلي المخضرم المعادي للصهيونية، من الحزب ثم أعيد إليه في عام 2017 وذلك بعد أن نشرت صحيفة الغارديان خطاباً موقعاً من 139 عضواً من أعضاء حزب العمال، بما في ذلك المحامي اليهودي الشهير جيفري بيندمان، يرفضون فيه الإيحاء بمعاداة السامية على اعتبار أن مثل هذا التعريض "مؤذ شخصياً وخطير سياسياً". 

ولكن في 2020 صدر قرار بتجميد عضوية ماشوفر ثانية، وتلقى خطاباً من عشرين صفحة من الجهاز البيروقراطي داخل الحزب يشتمل على توليفة من المزاعم القديمة والجديدة بمعاداة السامية. وصف ماشوفر الخطاب بأنه "مليء بالأكاذيب" وبأنه جزء من "عملية تطهير ستالينية تجري داخل الحزب". خطر بباله للحظة أن يستقيل من الحزب ويخرج ويقفل الباب وراءه، ولكنه قرر أن يمنح مفتشي ومحققي الحزب فرصة لإلحاق مزيد من العار بأنفسهم من خلال طرده. 

والسؤال الحقيقي الذي يتبادر إلى الذهن هو: لماذا تبنت الحكومة البريطانية هذه الوثيقة المعيبة والمثيرة بشدة للخلاف؟ لا يمكن للحكومة أن تزعم في معرض الدفاع عن النفس أنها لم يبلغها تحذير حول التداعيات الضارة المحتملة لقرار التبني. 

والحقيقة هي أنها رفضت دعوات من لجنة الشؤون الداخلية في مجلس العموم لإضافة "توضيحين" على تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست والأمثلة الملحقة به. ينص التوضيح الأول على أنه ليس من معاداة السامية انتقاد حكومة إسرائيل، بدون دليل إضافي يثبت وجود نية بمعاداة السامية. وأما التوضيح الثاني فينص على أنه "ليس من معاداة السامية إخضاع الحكومة الإسرائيلية لنفس المعايير التي يتم إخضاع الديمقراطيات الليبرالية الأخرى لها، أو إبداء اهتمام خاص بسياسات أو أفعال الحكومة الإسرائيلية، بدون دليل إضافي يثبت وجود نية بمعاداة السامية".

تهديد التمويل


في خطاب وجهه غافين ويليامسون، وزير الدولة للتعليم، إلى نواب رؤساء الجامعات، وردت أوضح إشارة على أن حكومة المحافظين الحالية تتمسك بتعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست كوسيلة للحد من النقاش وتقييد حرية التعبير حول إسرائيل. 

وكان الخطاب، الذي أرسل في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 في خضم الأزمة الوطنية التي ضربت قطاع التعليم بسبب جائحة كوفيد 19، قد أشار إلى أن عدد الجامعات التي تبنت تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست ما زال منخفضاً بشكل مخز. وقال الخطاب إن الجامعات التي تجاهلت التعريف تخذل موظفيها وطلابها، وبشكل خاص طلابها اليهود. 

وأصر وزير التعليم على هذه الجامعات بضرورة التوقف عن التسويف والمماطلة وأن عليها أن تصادق رسمياً على تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست. بل وذهب إلى التهديد بقطع التمويل عن الجامعات التي تحدث فيها مواقف معادية للسامية وتلك التي لم تلتزم بتبني التعريف. 

لم يقابل خطاب ويليامسون بالاستحسان، فقد بدا بمظهر السلطوي، بينما طغت على لهجة كتابه العجرفة والغطرسة والتنمر. لكن أكثر ما أثار القلق هو المحتوى، حيث لم ترد فيه الإشارة إلى أي شكل آخر من أشكال التعصب مثل الإسلاموفوبيا والهوموفوبيا والعنصرية ضد السود. لم يخف على أحد ملاحظة أن لفت الانتباه والتهديد بالعقوبة كان مقتصراً على معاداة السامية حصرياً، وذلك من قبل حكومة المحافظين التي عرفت بتساهلها الشديد مع السلوكيات المعبرة عن الإسلاموفوبيا (العداء للإسلام والمسلمين). 

لقد افترض الخطاب أن الجامعات التي لم تصدق رسمياً على تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست لم تكن تأخذ معاداة السامية على محمل الجد، وذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة. لم يأخذ الخطاب بالاعتبار حقيقة أن معظم الجامعات لديها قواعد وإجراءات تأديبية لمحاربة معظم أشكال التمييز والعنصرية بما في ذلك معاداة السامية. وحتى لو كان ثمة حاجة إلى وجود تعريف لمعاداة السامية، وهو أمر مثير للجدل، فلم يعط الخطاب سبباً لإضفاء نوع من التمييز والخصوصية على تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست. 

وفوق ذلك كله، اعتبر الخطاب، أو الإنذار النهائي، تهديداً لحرية التعبير، والتي من واجبات الجامعات ووزارة التعليم بحكم القانون الدفاع عنها والحفاظ عليها. 

أوامر وزارية

 
بادرت بعض الجامعات الإنجليزية جهاراً وبشجاعة إلى رفض تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست، وأذعن ما يقرب من خمسها للأوامر الوزارية فوقعوا على تبني التعريف. إلا أن الأغلبية اختارت عدم إلزام نفسها بشيء، سواء مع أو ضد. وأما جامعتي، جامعة أكسفورد، فثبتت ألوانها بشكل حاسم على السياج. 

ينص بيانها المنشور على موقعها في الإنترنيت على ما يأتي: "غاية جامعة أكسفورد هي ضمان أن جميع الطلاب، بغض النظر عن خلفياتهم، يحصلون على تجربة مجزية في التعليم العالي. ولدعمنا في مجال عملنا، فلقد اعتمدنا (فيما يعكس موقف مكتب الطلاب) تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست كمرشد لتفسير وفهم معاداة السامية، مع ملاحظة التوضيحات التي أوصت بها لجنة الشؤون الداخلية في مجلس العموم. لا يعكس تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست التعريف القانوني للتمييز العرقي، ولذلك فهو لا يغير من مقاربتنا نحو القيام بواجباتنا ومسؤولياتنا القانونية". بمعنى آخر، سوف تستفيد جامعة أكسفورد من التعريف لأغراض الاستنارة العقلية أثناء التفكير بمعاداة السامية ولكن ليس كموجه أو مرشد إجرائي. 

في رسالة موجهة إلى صحيفة الغارديان نُشرت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عبر 122 من الأكاديميين والصحفيين والمفكرين الفلسطينيين والعرب عن مخاوفهم بشأن تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست. يندر أن تُسمع الأصوات الفلسطينية في النقاشات الوطنية حول معاداة السامية وقضية إسرائيل وفلسطين. ولذلك يستحق هذا الخطاب اقتباس فقرات طويلة منه لما يسلطه من ضوء على الانطباعات والمواقف الفلسطينية: 

"قامت الحكومة الإسرائيلية ومناصروها في السنوات الأخيرة باستخدام النضال ضد معاداة السامية كأداة لنزع الشرعية عن القضية الفلسطينية وإسكات المدافعين عن الحقوق الفلسطينية. إن حرف المعركة الضرورية ضد معاداة السامية لخدمة أجندة كهذه يهدد بالحط من قيمة هذا الكفاح وبالتالي تشويهه وإضعافه..

إنه لمن الضروري فضح ومواجهة معاداة السامية. ومهما كان مظهره فيجب عدم التسامح مع العداء ضد اليهود كيهود في أي مكان في العالم. فمعاداة السامية تتمظهر من خلال التعميمات والنمطيات حول اليهود، في ما يتعلق بنفوذ الثروة والسلطة إلى جانب نظريات المؤامرة وإنكار الهولوكوست..

وإننا نرى أنه لمن الشرعي والضروري مكافحة هذه السلوكيات. كما أننا نعتقد بأن الدروس المستفادة من الهولوكوست وكذلك من غيره من عمليات الإبادة العرقية في العصر الحديث يجب أن تكون جزءاً من تعليم الأجيال الجديدة وتوجيهها ضد كل أشكال التحيزات العرقية والكراهية. 

ولكن ينبغي أن تكون مكافحة معاداة السامية من خلال مقاربة مبدئية، حتى لا تقوض الغرض المنشود منها. فالأمثلة التي يقدمها تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست تخلط ما بين اليهودية والصهيونية، ويفترض أن كل اليهود هم صهاينة وأن دولة إسرائيل في وضعها الحالي تجسد حق تقرير المصير لكل اليهود. ونحن نختلف بشدة مع هذا الزعم. بل يجب عدم تحويل النضال ضد معاداة السامية إلى حيلة لنزع الشرعية عن القتال ضد اضطهاد الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم واستمرار احتلال أرضهم".

أثر مرعب


وأصدرت الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، وهي المنظمة الأكاديمية البريطانية الرائدة في مجال دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بياناً عبرت فيه عن قلقها العميق إزاء الضغط الذي يمارس على الجامعات من قبل الحكومة لحملها على تبني تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست. 

وقالت الجمعية إن تدخل ويليامسون سيكون له "أثر مرعب" على الحرية الأكاديمية وعلى قطاع الجامعات في مجال دراسات الشرق الأوسط وما بعدها. وبينما ترحب الجمعية بالخطوات التي تتخذ لاجتثاث معاداة السامية وجميع أنماط العنصرية من حرم الجامعة، فإنها خلصت إلى أن هذا التعريف بالذات يمكن أن يكون أثره ضاراً على الباحثين والطلاب. 

بعد تقفي آثار استخدام تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست في سياقات مختلفة داخل بريطانيا، خلصت الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط إلى أن التعريف يجري توظيفه "لاستخدام تهمة معاداة السامية الباطلة لإسكات من يؤيدون الحقوق الفلسطينية ولنزع الشرعية عنهم". ووجدت الجمعية أن جميع المجموعات العاملة في مجال مناهضة العنصرية داخل الجامعات، والتي تمت استشارتها في الأمر، عارضت جميعها بشدة تبني تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست. 

انتهى البيان بحث الجامعات على "حماية الحرية الأكاديمية، والدفاع عن استقلالها ومقاومة ضغط الحكومة عليها حتى تتبنى تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست، وسحب التعريف" من كل الحالات والمواقع التي تم استخدامه فيها. 

وجاءت دعوة أخرى إلى الجامعات لتحثها على مقاومة محاولات الحكومة فرض تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست، وكانت تلك الدعوة من مصدر غير متوقع: من الأكاديميين البريطانيين الذين يحملون أيضاً الجنسية الإسرائيلية. أنا واحد من أفراد تلك المجموعة، لما شملنا الغضب الذي أثاره فينا التدخل السمج من قبل وليامسون. وكان مفاجئاً لنا أن نكتشف أنه يوجد الكثيرون منا، ولكن بسبب ما صدر عنه من تهديد فقد شعرنا جميعاً بأننا مستهدفون، بغض النظر عن تخصصاتنا الأكاديمية المنوعة وأياً كانت أعمارنا وأوضاعنا وانتماءاتنا السياسية. 

الهجوم على حرية التعبير


اتخذ أسلوبنا شكل خطاب طويل أرسل في الأسبوع الأخير من شهر يناير/ كانون الثاني إلى جميع نواب رؤساء الجامعات الإنجليزية والعديد من المجالس الأكاديمية. منذ ذلك الوقت وحتى الآن وقع على خطابنا 110 من الشخصيات المؤيدة، وجميعهم أكاديميون إسرائيليون خارج بريطانيا، بما في ذلك في إسرائيل نفسها. 

سعينا للوصول إلى جمهور أوسع يتجاوز المجال الأكاديمي من خلال نشر خطابنا في وسائل الإعلام الرئيسية. إلا أن طلبنا تم رفضه أو تجاهله من قبل ما لا يقل عن 12 صحيفة وطنية وغير ذلك من وسائل الإعلام. تفاجأنا، وشعرنا بخيبة أمل، أنه ما من صحيفة وطنية واحدة وجدت من المناسب أن تنشر خطابنا أو تنشر خبراً عن مبادرتنا. ولكن في نهاية المطاف، تم نشر الخطاب من قبل موقع الإنترنيت الإخباري اليهودي "فاشتي". 

كانت سلسلة الرفض الطويلة في حد ذاتها تعليقاً على تردد وسائل الإعلام الرئيسية في منح حيز للأصوات اليهودية التي لا تنسجم مع الخط العام. 

قلنا في خطابنا: "إن محاربة معاداة السامية بكل أشكالها واجب لا محالة. إلا أن وثيقة التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست معيبة أصلاً، وبطرق من شأنها أن تقوض هذا النضال. كما أنها بالإضافة إلى ذلك تهدد حرية التعبير والحرية الأكاديمية، وتشكل هجوماً على حق الفلسطينيين في تقرير المصير والنضال من أجل تحويل إسرائيل إلى دولة ديمقراطية".

وقلنا كذلك إن ضغط الحكومة على مؤسسات التعليم العالي حتى تتبنى تعريفاً لشكل واحد من أشكال العنصرية من شأنه أن يخص الناس الذين ينحدرون من أصل يهودي باعتبار أنهم يستحقون حماية أكبر من غيرهم، رغم أن كثيراً من هؤلاء باتوا يعانون اليوم من تجليات مساوية، بل ربما أشد وطأة، للعنصرية والتمييز. 

 

اقرأ أيضا: آفي شلايم يستعرض تاريخ العنصرية البريطانية ضد فلسطين (1)

 

اقرأ أيضا: آفي شلايم يستعرض تاريخ العنصرية البريطانية ضد فلسطين (3)



التعليقات (0)