صحافة دولية

موقع فرنسي: عائلة "بومنجل" تجسد جريمة الاختفاء القسري

علي بومنجل كان يحمل شخصية سياسية وفكرية شكلت رمزا من رموز القومية الجزائرية حيث قتل بعمر  37 عامًا- جيتي
علي بومنجل كان يحمل شخصية سياسية وفكرية شكلت رمزا من رموز القومية الجزائرية حيث قتل بعمر 37 عامًا- جيتي

نشر موقع "ميديابار" الفرنسي حوارا مع المؤرخة مليكة رحال تطرقت فيه إلى عملية اغتيال رمز القومية الجزائرية علي بومنجل خلال الحرب الجزائرية في 1957.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن المؤرخة والباحثة في معهد التاريخ المعاصر التابع للمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، مليكة رحال، كرست الكثير من الوقت والجهد من أجل الكشف عن ملابسات وفاة المحامي والناشط الجزائري علي بومنجل.

وفي خضم حرب التحرير الجزائرية، اعتقل الجيش الفرنسي علي بومنجل وزج به في الحبس الانفرادي ومارس عليه جميع أشكال التعذيب، ليعلن عن وفاته في 23 آذار/ مارس 1957.

 

وقد اعترف بول أوساريس، الرئيس السابق لأجهزة الاستخبارات الفرنسية في الجزائر، أنه أمر أحد مرؤوسيه بقتل بومنجل وجعل الجريمة تبدو وكأنها عملية انتحار.

في مقابلة لها مع "ميديابار"، تعود مليكة رحال إلى خفايا اغتيال علي بومنجل، الشخصية السياسية والفكرية التي كانت من رموز القومية الجزائرية، الذي قتل عن سن يناهز 37 عامًا.

في سؤال الموقع عن رد فعل الجزائريين بشأن إعلان فرنسا مسؤوليتها تجاه عملية اغتيال هذه الشخصية الوطنية الجزائرية، أجابت رحال: "أخذني فكري حينها إلى مليكة بومنجل التي توفيت في آب/ أغسطس 2020.

 

هذا الاعتراف الذي كان مهما جدا بالنسبة لها، لم تسعفها الحياة لتسمعه، وقد عملت طيلة حياتها على تخليد ذكرى زوجها. لقد أتى هذا الاعتراف في وقت متأخر".

وتؤكد رحال على أهمية الاعتراف بعملية الاغتيال في وقت مبكر، مشيرة إلى أن "مليكة بومنجل امرأة اختُطف زوجها وقُتل في ظروف غامضة، وطالت جرائم الخطف أباها بلقاسم العمراني وأخاها أيضا.

 

لذلك، تعتبر عائلة مليكة بومنجل خير مثال يجسد جرائم الاختفاء القسري الذي تعتبره الأمم المتحدة اليوم جريمة ضد الإنسانية. يؤلمني أن هذه المرأة التي ناضلت لسنوات طويلة من أجل كشف الحقيقة لم تشهد هذا الاعتراف".


اقرأ أيضا : ماكرون يعترف بقتل فرنسا لزعيم وطني جزائري اتهم بالانتحار


في حديثها عن علي بومنجل، قالت رحال إنه "الأخ الأصغر لأحمد بومنجل، المحامي والسياسي الذي تجمعه علاقات مع شخصيات مهمة في الدوائر السياسية الفرنسية.

 

بعد اختطاف شقيقه الأصغر، بعث بعشرات الرسائل شملتها رسائل تحذير إلى فرانسوا مورياك وبيير منديس فرانس.

 

عقب اندلاع حرب التحرير في عام 1954، بدأ علي بومنجل الدفاع عن النشطاء الوطنيين المعتقلين، مشاركًا في إنشاء أول مجموعة من محامي جبهة التحرير الوطني الجزائرية.

 

كان اختطافه في التاسع من شباط/ فبراير 1957 جزءًا من حملة واسعة النطاق ضد الجزائريين في العاصمة، وجزءًا من حملة قمع متنامية ضد المحامين بشكل خاص.

 

طالت جرائم الاختطاف القسري جميع أعضاء مجموعة المحامين، غير أن ذلك لم يثبط عزيمة أحمد بومنجل الذي أنشأ مجموعة ثانية في باريس، كان جاك فيرجيس من أعضائها".

وأضافت رحال أنه "بعد اختطافه، احتُجز بومنجل في مواقع مختلفة دون إطلاع عائلته على مكانه. وبينما كان محتجزًا في مستشفى مايو، ذكرت المساعدة الاجتماعية إيفيت فارنو - وهي مقاومة سابقة ومن ضحايا التعذيب خلال الحرب العالمية الثانية - أنها عندما زارت بومنجل سمعت صراخا مدويا قادما من زنزانة مجاورة، قيل إنه يعود إلى زوجته، وهي تتعرض للاغتصاب".

في إجابتها عن سؤال الموقع حول أسباب الاهتمام بشخصية على بومنجل بالذات، أوضحت رحال أن "بحث عائلته وخاصة زوجته مليكة وابنهما سامي عن الحقيقة كان سبب اهتمامها بالراحل علي بومنجل. وقد توفي الابن الذي سعى جاهدا للعثور على جهات اتصال وإبقاء القضية مفتوحة.

 

اتصل سامي بالعديد من المؤرخين، وجمعته علاقة جيدة مع بنيامين ستورا، وهو أحد أشهر الخبراء المتخصصين في تاريخ الجزائر.

 

وقد ظهرت مذكرات الجنرال بول أوساريس التي اعترف فيها باغتيال علي بومنجل في بداية حياتي المهنية. وبسبب عدم محاكمته على جرائمه، رفعت عائلات ضحاياه من بينهم أسرة بومنجل دعوى قضائية ضده".

تطرقت رحّال إلى التفاصيل التي توصّلت إليها خلال رحلة بحثها عن حقيقة ما حدث لبومنجل موضحةً "أحدث اغتيال علي بومنجل ضجة في فرنسا، ولكن سرعان ما وقع تجاوز هذه الفضيحة عن طريق إلهاء المواطنين بقضايا أخرى مثل قضية موريس أودان، والمسيرات الحافلة لنساء مثل جميلة بوحيرد وجميلة بوباشا، التي لقيت دعم شخصيات فرنسية مثل الكاتبة سيمون دي بوفوار والمحامية جيزيل حليمي.

 

إن تشابه الأساليب المستخدمة ضد علي بومنجل وأساليب الجستابو خلال الحرب العالمية الثانية صدم حتى الشعب الفرنسي".

في سياق متصل، أضافت رحال: "من عرفه من سياسيين أو صحافيين في فرنسا، أكد أنه ناضل من أجل العدالة وكان من دعاة السلام. وهذا يعني أن جبهة التحرير الوطني الجزائرية لم تكن مجموعة من قطاع الطرق كما تدعي السلطات الفرنسية".

وفي سؤال الموقع عما إذا كان الاعتراف بشخصيات قليلة من بين آلاف ضحايا الاختفاء القسري على يد الجيش الفرنسي يصب في صالح النضال من أجل المفقودين ويخدم صمت الجهات الرسمية المتورطة في هذه الملفات، قالت مليكة رحال إنه نسبة للبعض في الجزائر، ليس لهذا الاعتراف أهمية تذكر لأن قضية بومنجل كانت معروفة ولم يكن الاغتيال موضع شك.

 

ولكن عندما يحدث الاعتراف، فإنه يميز حالة واحدة عن البقية، وهو ما يدفع ضرورة للتساؤل لم اختير هذا الشخص تحديدًا.

وتابعت قائلة إن هذه هي المشكلة التي دائما ما تواجه قرارات مماثلة. فلا يتعلق الأمر بدولة تكرم أحد جنودها، الذي يقع اختياره من بين الجنود "غير المعروفين" في نهاية الحرب ليرمز إلى بقية المحاربين، بل بعدد كبير من القتلى أُتلفت جثثهم أو وقع إخفاؤها في كثير من الأحيان.

 

وبالتالي، لا يمكن تجنب مرحلة تسمية الضحايا، واحدًا تلو الآخر، وإلا فإن التوصل إلى حل في قضية معينة قد يؤدي إلى استمرار الصمت بشأن البقية.

وحول ما إذا كان هذا الاعتراف يحمل الرمزية ذاتها لاعتراف ماكرون، بمجرد انتخابه، بمسؤولية الدولة الفرنسية عن اغتيال الناشط الشيوعي موريس أودان وبالاستخدام الممنهج للتعذيب خلال حرب الجزائر، أشارت المؤرخة إلى اعتقادها أن قضية بومنجل تحمل بعدا إضافيا. 

فقد ضمن مجموعة ذُكرت أسماء أفرادها وهم والد زوجته بلقاسم عمراني، وصهره، أندريه عمراني وصديقه، محند صالحي، الذين اختفوا جميعا عام 1957، أثناء حرب الجزائر.

 

كما تم ذكر أسماء بقية المفقودين الآخرين، علما وأن موقف العائلة واضح للغاية فقد رفضت تمييز قضية علي بومنجل عن قضية الآخرين.

وتطرقت مليكة رحال إلى مشروع موقع "1000 آخرين" الذي يتمثل هدفه في العثور على أسماء وقصص الأشخاص الذين اختفوا خلال معركة الجزائر العاصمة في عام 1957. أدركنا، من خلال لقاء بعض العائلات، أن ذكر اسم فقيدها حتى على موقع ويب بسيط، ذو رمزية كبيرة.

 

وأي اعتراف سياسي عالمي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الحاجة إلى تسمية الضحايا على الرغم من أن ذلك ليس بالأمر السهل من الناحية العلمية.

كما بينت أن هذا المشروع يربط بين الأرشيف وذكريات العائلة. للمضي قدمًا، تعتبر الأرشيفات ضرورية حقًا، فالعثور على الحقائق التي يمكن إخفاؤها وترميزها أو حتى تدميرها من قبل الجنود الراغبين في التستر على الجرائم، ليس بالأمر المؤكد.

 

لذلك يظل مصدر الحقيقة الفعلي هو ذاكرة الجنود والضباط السابقين، والأرشيفات التي ربما احتفظوا بها داخل عائلاتهم.

لكن، تجدر الإشارة إلى أن أولئك الذين يتحدثون بدقة أكبر عن الاختفاء القسري هم من كانوا ضحاياه، والأسر التي شهدت عمليات الاختطاف والتي يمكنها أن تشهد على أن المختفي لم يظهر مجددا أبدًا.

وبخصوص أسباب انتقادها لتقرير بنيامين ستورا، ذكرت المؤرخة أن التقرير يقوم بالعديد من الأشياء المتناقضة في الآن ذاته؛ فهو يقدم جردا لما يمثل مشكلة في المجتمع الفرنسي، وجردا للعلاقات مع الجزائر وكيفية تحسينها، حتى أن ستورا يذكر أهمية العلاقات التجارية.

وتساءلت المؤرخة عما إذا كانت غاية الاعتراف بجرائم الماضي تتمثل في بيع الأسلحة مثلا. إذا كان الأمر كذلك، فسيكون الرابط مثيرا للسخرية ولا يتوافق مع التزام المؤلف كمؤرخ.

كما وصفت عمله بالمحدود بالضرورة، بما أنه نُفذ في وقت قصير من قبل شخص واحد لا يستطيع النظر بشكل كافٍ في الأحداث الواقعة أصلا في الجزائر، باللغة العربية، ولكن أيضًا في بلدان أخرى، بالإنجليزية، والألمانية، واليابانية، ولا يستطيع إجراء مقارنة مع دول أخرى، مثل بلجيكا وهولندا والقوى الاستعمارية العظمى السابقة الأخرى من أجل التفكّر في الماضي الاستعماري في أماكن أخرى.
 

التعليقات (0)