هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تولي تركيا اهتماما كبيرا للتوصل إلى اتفاق مع مصر بشأن الولاية البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط، في ظل التوترات التي تشهدها المنطقة، ومع التطورات الأخيرة تثار التساؤلات حول إمكانية التطبيع بين البلدين.
ويسهم التوصل إلى اتفاق بين تركيا ومصر اللتين تملكان أطول سواحل في شرق المتوسط، في تغيير معادلات الطاقة في شرق المتوسط، وإفشال خطط حبس تركيا بسواحل أنطاليا.
ورغم الحديث المتنامي بشأن إمكانية التوصل لاتفاق، فإن هناك العديد من العوامل التي تسهم في إعاقته، ومنها الخلاف السياسي بين البلدين لا سيما بعد الانقلاب في مصر عام 2013، وخضوع القاهرة لتأثيرات خارجية.
المناقصة الأخيرة التي أعلنت عنها مصر بشأن أبحاث الطاقة الهيدروكربونية أخذت فيها بعين الاعتبار حدود الجرف القاري لتركيا، ترحيبا في أنقرة وذعرا في أثينا.
ومن المقرر أن يصل وزير خارجية أثينا نيكوس ديندياس، اليوم الاثنين، إلى القاهرة، سعيا من اليونان لإقناع مصر بتغيير خريطة المناقصة التي أعلنت عنها بحسب وسائل إعلام يونانية.
اللافت هو أن إعلان المناقصة من مصر بالخطوط والقطع بحسب الخريطة التي نشرتها، تعني أنها تحترم اتفاقية الترسيم البحري بين أنقرة وطرابلس في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، والتي رفضتها سابقا.
هل ينعكس الحراك في شرق المتوسط على العلاقات بين البلدين؟
وتعد تركيا من بين الدول التي أعطت رد فعل قاس على إطاحة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، بالرئيس المصري الشرعي محمد مرسي، في انقلاب تموز/ يوليو 2013.
وبعد الانقلاب مباشرة، خفضت تركيا علاقاتها الدبلوماسية مع مصر إلى مستوى "قائم بأعمال"، وقللت من اتصالاتها إلى أدنى مستوى.
اقرأ أيضا: أكار: لتركيا قيم مشتركة مع مصر يمكن أن تحدث تطورات بيننا
وفي آب/ أغسطس 2020، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن وجود اتصالات بين أنقرة والقاهرة على مستوى استخباراتي، تغلب فيها المباحثات بشأن منطقة شرق المتوسط، فيما أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو عن لقاءات أجراها مع نظيره المصري سامح شكري، مشيرا إلى أن بلاده تسعى مع مصر للتحرك وفق مبدأ عدم التضارب في المحافل الدولية.
والسبت الماضي، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن تركيا ومصر لديهما قيم تاريخية وثقافية مشتركة، وتفعيل هذه القيم يمكن أن ينعكس على حدوث تطورات مختلفة في الأيام المقبلة.
ولكن هناك ثلاثة شروط مصرية بشأن تطبيع العلاقات مع أنقرة، بحسب "بي بي سي التركية"، أولها توقف قادة تركيا وخاصة أردوغان عن توجيه الانتقادات وإطلاق التصريحات ضد السيسي، ولعل ذلك قد ترجم فعليا على أرض الواقع، ففي خطاباته مؤخرا تجنب الرئيس التركي الحديث عن الانقلاب في مصر، وتحدث عن محادثات استخباراتية.
أما الشرط الثاني، فهو توقف عناصر جماعة الإخوان المسلمين والذين لجأوا إلى تركيا بعد الانقلاب في مصر، عن القيام بفعاليات تستهدف النظام المصري، وتعد هذه المسألة من أكثر القضايا الحاضرة على طاولة الحوار الاستخباراتي بين البلدين.
والشرط الثالث، هو مسألة التواجد العسكري في ليبيا، واتهام مصر لأنقرة بجلب مسلحين من سوريا إلى البلد المجاور لها.
وفي اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في الجامعة العربية الأخير، رفض سامح شكري التدخلات العسكرية لتركيا في المنطقة العربية، وقال إن السياسة التركية لا تخدم سوى المزيد من الاستقطاعات والخلافات.
ومن الواضح أن الرغبة التركية للتوصل إلى اتفاق مع مصر بشأن الولاية البحرية في شرق المتوسط دون رفعها لمستوى الاعتراف بالانقلاب وبالسيسي، يقابله إصرار مصري على مناقشة كافة القضايا بين البلدين ومنها تطبيع العلاقة وفق الشروط التي طرحتها، بحسب ما يراه مراقبون.
ومن التطورات الأخرى التي قد يكون لها أثر إيجابي على العلاقات بين أنقرة والقاهرة، المصالحة الخليجية، وعودة العلاقات بين قطر ودول الحصار (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، والتي قد تؤثر على العلاقات التركية مع الدول الخليجية ومصر.
ونقل الكاتب التركي، محمد أجاد، في مقال في صحيفة "يني شفق"، عن مصدر رفيع المستوى في أنقرة، أن المباحثات بين البلدين لم تحمل تطورات تصل إلى إبرام اتفاق، وأن المفاوضات ما زالت جارية، بحسب مصدر رفيع المستوى في أنقرة.
وقال مصدر آخر في أنقرة، بحسب الكاتب، إن المحادثات بالفعل تجري على مستوى تقني، ولكن التحركات الأخيرة من مصر قوبلت بترحيب من أنقرة.
وأشار إلى أن تركيا أكدت مرارا على استعدادها لتوقيع اتفاقية بحرية مع جميع دول المنطقة بلا استثناء بما في ذلك مصر.
الكاتب قال، إنه لم يتضح بعد إلى أين سؤدي هذه المفاوضات السرية، وما إذا كان سيتم اتخاذ خطوات لتطبيع العلاقات بين البلدين.
وتابع بأن هناك معضلة، وهي أن نظام السيسي في مصر مرتبط بمواقف بعض الدول مثل الإمارات، فإذا قالت هذه الدول "لا"، فإنه لا يمكن اتخاذ قرار معاكس لها، وعليه فيجب اتخاذ الحذر بشأن القضايا لمتعلقة بمسار العلاقات مع مصر، ولا سيما التفاؤل بشأن التطورات الأخيرة.
وأشار إلى أن تركيا تريد استخدام ورقة الخلاف بين أثينا والقاهرة كفرصة، وتعمل على تخفيف مشاكلها مع مصر بما يحقق مصالحها في معادلة شرق البحر الأبيض المتوسط.
واستدرك بأن أنقرة تنظر بحذر للتطورات في شرق المتوسط، لافتا إلى أن الذعر في أثينا، لا يعني أن "ميزة التهديف" أصبحت لصالح أنقرة في شرق المتوسط بعد.
يشار إلى أن الأمر الآخر الذي يزعج اليونان، هو أن السيسي قدم مقترحا بشأن اتفاقية طريق خط أنابيب الغاز "إيست ميد" استبعد فيه قبرص اليونانية.
ماذا يعني احتمالية توصل أنقرة والقاهرة لاتفاق بحري في شرق المتوسط؟
الكاتب التركي، إردال تاناس كاراغول، قال في مقال في صحيفة "يني شفق"، إن أي اتفاق متعلق بالولاية البحرية بين تركيا ومصر، سيغير العديد من التوازنات في شرق المتوسط، بسبب ثقل وموقع البلدين.
اقرأ أيضا: كيف يدمر أردوغان التحالف المناهض لتركيا في شرق المتوسط؟
وأوضح أن الاتفاق سيؤدي إلى تغيير معادلات الطاقة الموجودة في شرق المتوسط بشكل كامل، وسيسهم في تسريع حل النزاعات القائمة بين العديد من الدول.
وتابع بأن مشروع "إيست ميد" (خط أنابيب شرق المتوسط) لذي يعاني من العديد من المشاكل الاقتصادية والسياسية والأمنية، يصبح مع الاتفاق التركي المصري، غير محتمل تنفيذه، وسيؤدي ذلك إلى انهيار العديد من السيناريوهات التي احتفظ بها الاتحاد الأوروبي واليونان على جدول أعماله في المنطقة.
ورأى أن "الطريق التركي" لنقل الموارد في شرق المتوسط، الذي سيبرز دور تركيا في مركز الطاقة، هو الأكثر نجاعة، وقد يسهم ذلك في توقيع اتفاقيات بحرية بينها وبين دول أخرى في المنطقة، وخلق أفق تعاون جديد.
ما هي الدول التي لديها اتفاقيات في البحر المتوسط؟
يشار إلى أنه مع مع ظهور عمليات التنقيب في شرق المتوسط والتي بدأت عام 2000، فقد قامت العديد من الجهات بإبرام اتفاقيات "منطقة اقتصادية خالصة" بينها.
والمنطقة الاقتصادية الخالصة، التي تأتي ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، هي منطقة بحرية تمارس عليها دولة حقوقاً خاصة في الاستغلال واستخدام مواردها البحرية.
ووقعت مصر مع قبرص اليونانية عام 2003، اتفاقية "المنطقة الاقتصادية الخالصة" بينهما في شرق المتوسط، وفي عام 2020 كانت اتفاقية مماثلة بين القاهرة وأثينا لكنها تنتهك اتفاقية أبرمت بين تركيا وليبيا.
وفي عام 2007، وقعت لبنان وقبرص اليونانية اتفاقية بشأن الولاية البحرية، وفي عام 2010 كانت اتفاقية مماثلة بين الاحتلال الإسرائيلي وقبرص اليونانية.
وفي عام 2011 وقعت تركيا اتفاقية "المنطقة الاقتصادية الخالصة" مع قبرص التركية، وفي عام 2019، وقعت اتفاقية مماثلة مع ليبيا ساهمت في تغيير التوازنات في شرق المتوسط.