قضايا وآراء

عن التحركات الروسية في الخليج العربي

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

ما عادت الأدوات العسكرية الروسية ذات فائدة في تحصيل مكتسبات سياسية أو اقتصادية في سوريا، بعدما نجحت الولايات المتحدة في فصل المستويين العسكري والسياسي عن بعضهما البعض، فالحرب ليست امتدادا للسياسة في الحالة السورية.

أدرك الروس هذه المعادلة تماما منذ عام 2017، وبدأوا على إثر ذلك بالانخراط في الملف السياسي ضمن مسارات فرعية بعيدة عن جنيف، وإن حملت عناوينها العريضة.

غير أن هذه المسارات لم تحقق لموسكو مبتغاها على الأصعدة السياسية، فبدأت منذ منتصف عام 2018 بإطلاق ما يمكن تسميته دبلوماسية الاختراق، على أمل إحداث اختراقات في مواقف بعض الدول من البوابة الإنسانية.

في هذا السياق جاءت جولة وزير الخارجية الروسي إلى دول الخليج الثلاث (الإمارات، السعودية، قطر) بهدف تحقيق اختراق سياسي وإنساني.

الانفتاح على دمشق سياسيا

منذ نحو عامين تجتهد الدبلوماسية الروسية في الساحة العربية ـ باعتبارها الساحة الرخوة ـ من أجل دفع بعض الدول للانفتاح سياسيا على دمشق، وقد وجدت موسكو في الإمارات شريكا حقيقيا في هذه المسألة ومتقدما عن باقي الدول العربية الراغبة في عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

ومع أن الإمارات فتحت سفارة لها في دمشق، إلا أن الضغوط الأمريكية أفرغت الخطوة من معناها وألجمت دولا أخرى عن المضي قدما في هذا الاتجاه.

اليوم تعمل روسيا مع اقتراب "الانتخابات الرئاسية" السورية ومع حالة الستاتيكو في المشهدين العسكري والسياسي على تحريك الزوايا مستفيدة من التغير الحاصل في الموقف السعودي تجاه هذه المسألة.

صحيح أن التغير في الموقف السعودي يعود إلى عام 2017، حين طالب وزير الخارجية آنذاك عادل الجبير الهيئة العليا للمفاوضات بوضع رؤية جديدة حول تسوية الأزمة في سوريا ومستقبل الأسد، لكن الرياض لم تحدد موقفا واضحا من مصير الأسد ولم تذهب إلى حد الإعلان رسميا عن ضرورة إعادة سوريا إلى الحضن العربي، بخلاف ما جرى قبل أيام حين أعلنت على لسان وزير خارجيتها فيصل بن فرحان أن "سوريا في حاجة إلى العودة إلى الحضن العربي والتمتع بالاستقرار والأمن".

 

لم يسمع لافروف كلاما مريحا في الدوحة لا من وزير الخارجية القطري ولا من وزير الخارجية التركي، فالأول أكد أن الأسباب التي أدت إلى تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ما تزال قائمة، والثاني أكد أن الانفتاح على النظام السوري سيشجعه على المضي قدما في الاستبداد والتعنت السياسي وعدم تقديم تنازلات سياسية لحل العقدة السورية.

 



انقلاب الموقف السعودي التدريجي من النظام السوري يعود لعوامل عدة، أهمها إخراج السعودية من المعادلة السورية تماما، وحالة التراجع الإقليمي في كثير من الملفات بما فيه الملف اليمني الذي فشلت فيه فشلا ذريعا، وأخيرا وصول إدارة أمريكية لن تكون علاقتها على ما يرام مع الرياض.

إن الانفتاح على العراق والنظام السوري من شأنه أن يعطي السعودية فرصة لتوسيع مروحة علاقتها مع أطراف عربية ظلت حتى الأمس القريب معادية للنهج السياسي السعودي في المنطقة، فرصة يبدو أن الرياض بحاجة إليها في هذه المرحلة وإن كانت هذه الأطراف تخضع للعباءة الإيرانية (العراق، سوريا).

العقبة القطرية

لم يسمع لافروف كلاما مريحا في الدوحة لا من وزير الخارجية القطري ولا من وزير الخارجية التركي، فالأول أكد أن الأسباب التي أدت إلى تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ما تزال قائمة، والثاني أكد أن الانفتاح على النظام السوري سيشجعه على المضي قدما في الاستبداد والتعنت السياسي وعدم تقديم تنازلات سياسية لحل العقدة السورية.

يعتبر الموقف القطري متقدما جدا حتى على الموقفين الأمريكي والأوروبي، فلن تقبل الدوحة بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية أو فتح علاقات دبلوماسية معها إلا بعد إزالة الأسباب التي أدت إلى تعليق عضويتها.

بعبارة أخرى، لا يتعلق الأمر فقط بقبول النظام بالعملية السياسية ولا بتقديمه بعض التنازلات السياسية، إنما يتعلق الأمر بإنهاء حالة الاستبداد والعنف ضد المجتمع السوري، وبهذا المعنى فإن المقاربة القطرية مبنية على أن الانفتاح نحو النظام يجب أن يكون في نهاية العملية السياسية لا في بدايتها.

ويبدو واضحا أن موسكو قبلت بإطلاق مسار ثلاثي مع دولتين تعتبر عدوتين للنظام السوري، وتختلفان اختلافا حادا مع روسيا حيال الحل السياسي، وهي يعني في ما يعنيه أن الروس يبحثون عن تحالفات جانبية مهما كانت، حتى وإن كانت من البوابة الإنسانية.. إنه المأزق الروسي المستدام في المستنقع السوري.

*كاتب وإعلامي سوري


التعليقات (0)